ما أشبه اليوم بالأمس وما أشبه أيام منطقة بعلبك الهرمل في هذا الزمن بأيام كربلاء زمن الإمام الحسين عليه السلام مع بعض الفوارق التي جعلت من عاشوراء كوكباً منيراً في التاريخ الإنساني ونبراساً يضيء ظلمات الجهل وعلامة فارقة في الحياة البشرية.
ففي يوم كربلاء قد ركز الحكم الأموي بكافة مكوناته الانتهازية والوصولية القابضة على مفاصل السلطة على وضع الإمام الحسين عليه السلام أمام أحد خيارين لا ثالث لهما: إما الاستسلام بأسلوب الخنوع والذل وإما إلانجرار للحرب وامتشاق السيف في واقعة تفتقد إلى الحد الأدنى من التكافؤ. وفيها اختلال كبير بموازين القوى عددا وعتادا لمصلحة قوى الشر والسلطة الغاشمة والظلامية، وهو ما عبّر عنه الإمام الحسين في مقولته المشهورة: "ألا إن الدعي إبن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وجدود طابت وجحور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.... الا وقد اعذرت.... ألا وقد انذرت.... الا وإني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد وكثرة العدو وخذلان الناصر".
إقرأ أيضًا: لبنان بين الدولة والدويلات
واليوم، منطقة بعلبك الهرمل في ظل قوى الأمر الواقع القابضة على مفاصل السلطة والتي تتحكم بمصير العباد والبلاد والتي تهيمن على قرارات الدولة بكافة مؤسساتها وأجهزتها الدستورية والسياسية والعسكرية والأمنية والقضائية والخدماتية، فإن المواطن في هذه المنطقة محكوم بخيارات محدودة وصعبة وقاسية مع تقصير الدولة عن القيام بواجباتها تجاهها وغيابها عن تحمل مسؤولياتها من تقديم الحد الأدنى من مقومات الحياة الحرة والكريمة للمواطن، إذ أنه لا مشاريع خدماتية ولا تقديمات استشفائية وصحية وتعليمية ولا برامج للزراعة والصناعة والسياحة، وبالتالي فهي عاجزة عن ضبط الوضع الأمني الذي يشكل حافزاً للاستثمارات الأجنبية والعربية التي تساهم بإيجاد وظائف لجيش العاطلين عن العمل. الأمر الذي وضع المواطن في هذه المنطقة المنكوبة أمام الخيارات الصعبة والتي فرضت عليه.
فإما سلوك طريق التهريب والتجارة بالممنوعات وتعاطي المخدرات والتي توصله في النهاية اما إلى السجن أو إلى القبر، وإما الخيار الآخر وهو التسكع أمام أبواب السفارات أو الاستزلام لإحدى الزعامات أو الالتجاء للانخراط في إحدى التنظيمات والتجمعات الحزبية.
وإذا كانت هذه أوجه الشبه بين يوم كربلاء وأيام بعلبك الهرمل إلا أن الفارق هو أن الإمام الحسين عليه السلام نهض لمقاومة الظلم ومحاربة الطغيان والجور مع قلة الناصر، فيما أبناء منطقة بعلبك الهرمل يغطون في سبات عميق متقاعسين عن النهوض والانتفاض للاحتجاج والمطالبة بحقوقهم المشروعة والبديهية ينتظرون فرجاً بعيد المنال من عالم الغيب قد لا يأتيهم أبداً إذا ما استمروا في غفوتهم مخدرين وعاجزين عن التفكير في مصلحة منطقتهم وأبنائهم في حاضرهم ومستقبلهم.