يتفق المعنيون بتأليف الحكومة، سواء الرئيس المكلف، أو رئيس الجمهورية، الشريك الدستوري بالتوقيع على المراسيم، أو حتى رئيس المجلس الحريص على رؤية الحكومة اليوم قبل الغد، على ان لا شيء وزارياً، لا في الأفق القريب، ولا حتى البعيد..
والأنكى، في لعبة تقطيع الوقت، تباين، في النظرة إلى المعيقات، أو الصعوبات، الدستورية، والعملية، والسياسية، سواء أكانت لبنانية أو خارجية، والذهاب في مسالك، لا صلة لها، لا بالدستور، ولا بالسياسة، ولا بمصالح لبنان العليا، في ضوء الاستنكار العام لحملة الافتراءات على دولة الكويت وأميرها الشيخ صباح الأحمد الصباح، والتي جاءت بإجماع على دوره في الوقوف إلى جانب لبنان، ورفض المسّ بأمير الدولة، والدولة والشعب الكويتيين.
حكومياً، لم يطرأ أي تطوّر على الموقف، وبقيت الاتصالات، ان حصلت، من قبيل رفع العتب، في ان العقد آخذة بالتكاثر، لدرجة استبعاد أي لقاء بين رئيسي الجمهورية والحكومة لم يكن مدرجاً على جدول الأعمال الأسبوع الفاصل عن نهاية دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة. (18-23 أيلول).
وقالت مصادر سياسية مواكبة لعملية تأليف الحكومة لـ«اللواء» ان أي خرق للمشهد الحكومي الجامد لم يسجل على الرغم من حراك وافكار تطرح من هنا وهناك في ظل غياب المبادرات او الوساطات التي تفعل فعلها. ولفت نائب تكتل لبنان القوي ماريو عون في تصريح ل اللواء الى انه لم يطرأ اي جديد حتى ولا على صعيد التنازلات من الافرقاء معتبرا ان هناك كلاما نسمعه حول هذه التنازلات لاسيما من قبل القوات اللبنانية لتسهيل الحلول لكن ما من شيء ملموس بعد وهذا ينطبق على ما تردد عن قبول القوات بوزارة دولة و3 حقائب اساسية وخدماتية.
وأوضح انه في ما خص الحزب الاشتراكي فإن مواقفه على حالها مشيرا الى ان معالجة التشنج تسمح بقيام اي تغيير وهو مفقود اليوم. ورأى النائب عون ان المستغرب هو عدم دخول رئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الله على خط معالجة العقد. واوضح ان ما من مساع تبذل لمعالجة الوضع الناشئ بين التيار والحزب الاشتراكي. ودعا في الوقت نفسه الرئيس المكلف الى تكثيف اتصالاته للوصول الى حل. وقال ان هناك حالا من الترقب لمسار الامور في الوقت الراهن على انه اعلن ان رئيس الجمهورية يواصل مساعيه للمعالجةِ. 
تضامن لبناني مع الكويت
في هذا الوقت، بدا واضحاً ان التهجم على دول الخليج العربي والمملكة العربية السعودية، جاء يعكس ان الخلافات السياسية أخذت طابعاً جديداً، وان عبر «تابع ومتبوع»، بحد تعبير السفير الكويتي في لبنان عبد العال القناعي، في محاولة لضرب علاقات لبنان العربية بالعمق، من جهة، وجعل مبدأ النأي بالنفس حبراً على ورق، ولو حاولت المرجعيات السياسية والدينية تدارك هذا النهج الجديد، لما له من انعكاسات خطيرة على لبنان.
ويندرج في هذا الإطار الحملة التي بدأت على الكويت واميرها الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، من باب المواقف التي أطلقها سالم زهران عبر قناة «المنار» يوم الجمعة الماضي، والتي تطاول فيها على أمير الكويت، على خلفية زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأميركية، مما استوجب ردوداً عنيفة سواء من قبل الكويت أو من قبل لبنان، أكدت ان التهم التي ساقها زهران تكشف عن «نوايا شريرة ومقاصد خبيثة لن تنال من العلاقات الأخوية والتاريخية بين لبنان والكويت»، على حدّ تعبير وزارة الإعلام الكويتية.
على ان ردود الفعل اللبنانية، لم تقتصر على بيانات الاستنكار والتنديد بالحملة على الكويت، ولو تنصلت منها قناة «المنار»، بل استتبعت بتحرك قضائي، بحيث كلف النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي سمير حمود قسم المباحث الجنائية المركزية تفريغ مضمون مقابلة زهران، تمهيداً لاجراء المقتضى القانوني، فيما تحرك السفير الكويتي القناعي في اتجاه «بيت الوسط» للقاء الرئيس المكلف سعد الحريري الذي «اعتبر كلام زهران تطاولاً على الكويت وأميرها الذي نكن له كل احترام وتقدير، ونحفظ له في قلوبنا مكانة خاصة لما له من تاريخ مشرف في الوقوف إلى جانب اللبنانيين في السراء والضراء». وأكد القناعي بدوره ان «علاقة الكويت بلبنان هي علاقة تاريخية متجذرة لا يمكن ان تتأثر بهذه الصغائر، ومعروف الهدف من ورائها».
بالتوازي، اجرى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون امس، اتصالا بأمير دولة الكويت الشيخ صباح، مؤكدا متانة العلاقات اللبنانية - الكويتية وتجذرها، ومنوها بمواقف الشيخ صباح الداعمة للبنان. وقال له: لا يمكن للبنانيين ان ينسوا مواقفكم الداعمة لبلدهم في كل الظروف التي مر بها.
وأكد الرئيس عون وأمير الكويت، خلال الاتصال ان لا شيء يمكن ان يؤثر على صلابة العلاقات اللبنانية - الكويتية على المستويين الرسمي والشعبي.
ومن جهته، ادان رئيس مجلس النواب نبيه بري التطاول على الكويت، وقال «لن نسمح بأن يعكر صفو علاقة تاريخية وأخوية بين بلدين جمعهما ويجمعهما فعل الخير والمحبة والثقة، ولا أن يفرقهما شيء».
وتمنت وزارة الخارجية في بيان من جميع اللبنانيين «عدم التدخل في شؤون الدول التي وقفت ودعمت لبنان في أزماته، واضعين مصلحة لبنان واللبنانيين نصب أعينهم».
كما استنكرت المس بالكويت واميرها وشعبها، قيادات سياسية وروحية وحزبية، لما للكويت من ايادٍ بيضاء على لبنان، رافضة تعكير صفو علاقات لبنان مع اشقائه العرب.
تعطيل مسار التفاهمات
سياسياً، أبلغت مصادر مواكبة لعملية تأليف الحكومة، ان الأمل في ولادة الحكومة يبدو ضعيفاً جداً، فالشروط المتبادلة بين كل الأفرقاء السياسيين إلى تصاعد مستمر، وكل فريق يتمسك بما يسميها حقوقه، وهذا يُؤكّد بما لا يقبل الشك بأن القرار بتأليف الحكومة لم يأت بعد، وقد لا يأتي في المدى المنظور.
وأوردت المصادر معلومات تفيد انّ مسار التفاهمات الداخلية معطّل، مشيرة الى نصائح وردت الى مسؤولين لبنانيين من جهات ديبلوماسية إقليمية ودولية تحثّ على ترتيب البيت اللبناني وتحصينه في هذه المرحلة بالذات، عبر حلّ للمعضلة الحكومية وفق صيغة «لا غالب ولا مغلوب»، اذ انّ الوقائع الميدانية في سوريا تَشي بتطورات قد تحدث في اي لحظة، يخشى ان تفرض إيقاعها على المشهد اللبناني الداخلي، وتبقي الملف الحكومي في المربع ذاته. وعلى هذا الأساس مطلوب من الجميع التحلّي بالحسّ الوطني، وتقديم التنازلات المطلوبة.
وكشفت المصادر الغربية عن زيارات سيقوم بها موفدون أجانب في الأيام القليلة المقبلة الى بيروت للاطلاع على الأوضاع السياسية والحكومية عن كثب، وتقديم ما يلزم من مساعدات ستكون على شاكلة ارشادات للقيادات السياسية، بغية الخروج من حالة الجمود والتعطيل القائمة.
وسيشدّد الموفدون على ضرورة التقيّد بمرتكزات التسوية الرئاسية وأبرزها النأي بالنفس عن صراعات المنطقة، والتمسّك باتفاق الطائف كما هو، وتحييد الملفات الخلافية عن طاولة الحكومة كالتطبيع مع سوريا او سلاح حزب الله، أو مشاركة الأخير في القتال الى جانب النظام في سوريا. من دون اغفال أهمية تشكيل حكومة متوازنة لا غلبة فيها لأي فريق او فئة أو جهة سياسية، خصوصاً بعدما خرجت أصوات في الفترة الأخيرة تطالب بتشكيل حكومة اللون الواحد، أي حكومة أكثرية، وهو الأمر الذي يتنافى مع صيغة لبنان التعددية والتوافقية.
وتوقعت مصادر رسمية ان يصار الى جوجلة بعض الافكار المطروحة لتعديل الصيغة الحكومية التي تقدم بها الرئيس الحريري تعديلا طفيفا، ومنها فكرة اعادة منصب نائب رئيس الحكومة الى «القوات» مع حقيبة دولة وحقيبة خدمات واحدة، على ان تبقى وزارة العدل مع رئيس الجمهورية. وثمة من طرح امكانية اسناد حقيبة الخارجية السيادية للقوات، لكن هذه الطروحات بقيت ضمن طرح الافكار التي لم تتبلور بعد الى صيغة يمكن النقاش فيها، قبل ازالة الاعتراضات مسبقا على اي مقترح او فكرة.
ورفض رئيس الحزب الديمقراطي النائب طلال أرسلان ان يمثله أحد في الحكومة، داعياً إلى ان تتمثل الأحزاب برؤسائها.
الحريري: دعوة للتواضع
وازاء استمرار المراوحة على الصعيد الحكومي، أطلق الرئيس الحريري، نداء من مزبود، حيث تناول العشاء إلى مائدة سمير الخطيب تكريماً لسفير الإمارات في لبنان حمد الشامسي، مساء الجمعة الماضي، دعا فيه كافة الفرقاء السياسيين إلى «التواضع قليلاً»، مؤكداً بأن هؤلاء جميعاً يعرفون حجم التحديات التي يواجهها لبنان أكانت إقليمية أو أمنية أو اقتصادية أو بيئية، لافتاً النظر إلى ان «الوضع الاقتصادي بحاجة إلى عناية، ونحن لدينا فرصة تاريخية من خلال مؤتمر «سيدر» الذي أقرّ 12 مليار ونصف مليار دولار لمساعدة لبنان بمشاريع أساسية يمكن ان نقوم بها»، مشيراً إلى ان «العالم يريد مساعدتنا، فيجب علينا كلبنانيين ان نساعد انفسنا».
باسيل: الاستقواء الخارجي
وفي المقابل، كانت لرئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، مواقف لم تخل من التباس وتشكيك وتساؤلات في خلال افتتاحه مؤتمر الطاقة الاغترابية الإقليمي الثالث لشمال أميركا، الذي يعقد في مونتريال في كندا، لا سيما عندما ألمح إلى عنصر «الاستقواء الخارجي» في عملية تأليف الحكومة، مما طرح تساؤلات عن المقصود من الجهات أو الجهة التي تعمل لصالح الاستقواء الخارجي، عندما تحدث بأن هناك تأليف الحكومة طمعاً واعتداءً وابتعاد عن التمثيل الشعبي الصحيح، لصالح هذا الاستقواء»، و«هناك في قوانين الجنسية عراقيل وحجج وأكاذيب لتطييرها»، كاشفاً بأن «هناك في لبنان من يسعى لجعله أكثر لبنانية، وفيه من يجعله أقل لبنانية وأكثر سورية وسعودية وإيرانية وفلسطينية وأميركية واسرائيلية».
الراعي في الشوف
وجاءت مواقف باسيل الملتبسة، فيما كان الراعي الماروني بشارة الراعي يجول في الشوف وبلدات وقرى إقليم الخروب، على مدى يومين، أطلق خلالها دعوة إلى تشكيل «حكومة طوارئ حيادية»، تبدأ ببناء الوحدة الوطنية، مناشداً رئيس الجمهورية والرئيس المكلف الإسراع في تشكيل الحكومة، معتبراً انه «من غير المسموح ان نتمادى في عدم تشكيل الحكومة، فلا يوجد أي مبرر لعدم تشكيلها»، مشددا بأن «لا الحصص ولا الاحجام ولا الحسابات الأولوية، بل الأولوية هي لبنان والشعب، ولا حق لكم بأن تبنوا حكومة وألا تبنوا وطناً».
وبدأ الراعي جولته أمس في بعاصير الشوف، اتيا من مطرانية بيت الدين المارونية، التي امضي ليلته فيها، ثم استكمل جولته الرعوية في الإقليم بزيارة حارة بعاصير، ومرج برجا حيث زار كنيسة مار بوسف، ثم انتقل إلى المعنية، فبرجا، وجدرا الساحلية، ثم بلدة البرجين، فالدبية، وزار في جدرا دار الأيتام الإسلامية، وسط احتفال اقامته المؤسسة للغاية، تحدث فيه البطريرك الراعي إلى جانب عمدة المؤسسة فاروق جبر والمدير العام للدار الوزير السابق الدكتور خالد قباني.
وكان الراعي، دعا في بداية الجولة التي إنطلقت من بلدة الباروك، الى «شبك الايادي لبناء هذا الوطن، إذ لا يجوز ان نرى وطننا يتداعى، فهذا وصمة عار على جبيننا جميعا، منبها إلى «أننا على شفير الهاوية في مجالات الاقتصاد والمال والهجرة والتراجع».
وسأل: «لماذا لا نفكر بحكومة طوارىء مثلا من خارج الجميع، تبني الوحدة الداخلية والمصالحة. نعم لحكومة طوارئ حيادية تجمع الشمل، فعبثا نقول حكومة وحدة وطنية ونحن متنازعون».
الاشتراكي إلى معارضة العهد
في هذا الوقت، بدا من خلال السجالات الساخنة التي دارت خلال الأسبوع الماضي، بين الحزب الاشتراكي والتيار الوطني الحر، ان مسألة تمثيل «اللقاء الديمقراطي في الحكومة، قد باتت أكثر استعصاء على الحل، من مشكلة تمثيل حزب «القوات اللبنانية»، مما يطرح سؤالا حول إمكانية ان يذهب الحزب الاشتراكي في معارضة المعهد حتى انتهاء ولايته، سواء من داخل الحكومة أو من خارجها، علما ان رئيس الحزب النائب السابق وليد جنبلاط «غرد» أمس عبر حسابه على موقع «تويتر» مصوباً سهامه على الوزير باسيل، متهماً اياه بأنه يطبق نفس نظرية صهر الرئيس الأميركي ترامب جاريد كوشنير لتثبيت هيمنته في معاقبة الفلسطينيين واقصائهم وقتلهم، داعياً إياه إلى «عدم اللعب بالنار».
وفي هذا السياق،  قال امين السر العام للحزب التقدمي ظافر ناصر ل «اللواء» ردا على سؤال حول ما اذا كان الحزب يتجه لمعارضة العهد بشكل دائم: لم نبدأ بعد المعارضة، ليس هناك قرار سياسي بالمعارضة المنظمة، لكننا نواجه وحيدين سياسة الهيمنة والالغاء التي تمارس من قبل العهد، لذلك نحن لا زلنا بموقع المواجهة للدفاع عن النفس.
 وعما اذا كان ممكنا الذهاب الى تسوية سياسية مع العهد؟ قال: ما هو عنوان التسوية السياسية؟ نحن بالاساس نكرر اننا من دعاة التفاهم والتعاون والشراكة، لكن عندما نجد سياسة عبثية تريد اعادة عقارب الساعة الى الوراء بالمعنى السياسي الى ما قبل اتفاق الطائف، وبالمعنى الذي يخصنا كحزب، سياسة تظن انها قادرة على تحجيمنا وعلى تحقيق مكاسب سياسية بوجهنا، هذا الامر هو مغامرة سياسية كبيرة غير محسوبة النتائج من قبل اصحابها، لذلك حذر رئيس الحزب «من اللعب بالنار»؟
 واضاف: واضح جدا ان هذا الفريق السياسي مصمم على الاتجاه الذي يسير فيه ولا يعي خطورة الامر، لذلك نقول بعيدا عن الشتائم والسجالات ان هذا العهد وتياره يحاولان الهيمنة على الحياة السياسية في البلد، وهذا الامر لا يمكن ان يحصل ومستحيل ان يتحقق.وهم واهمون، ورئيس التيار(الوزير باسيل) يقول في كندا الشيء وضده حول التمثيل الحكومي، فقبل الظهر بالديمقراطية التوافقية وبعدالظهر يقول بالديموقراطية العددية فكيف ذلك، هذه المعايير لا تركب؟
ورفضت مصادر القصر الجمهوري التعليق على موقف الحزب الاشتراكي، واكتفت بالقول ان الرئيس عون لم يدخل سجالا مع احد، ولم يستعد احدا، بل قال موقفه وملاحظاته ضمن ما يمنحه الدستور.