وفي حين ليس التوتر الكهربائي على خطّ «التيار» - «القوات» بالمفاجئ، برز أخيراً توتُّر على خط كهربائي آخر، لم تقطعه منذ تفاهم «مار مخايل» عام 2006 أيّ رياح أو عواصف. لكن يبدو أنّ كلّ فريق من فريقي التفاهم يريد الإنارة على هدف مختلف. «حزب الله» يريد الإسراع في تأليف حكومة.
البراهين كثيرة: كلامه العلني، قراءته للمتغيرات الإقليمية، تمسّكه بالرئيس المُكلّف سعد الحريري، عدم دخوله إلى بازار المطالب الوزارية، عدم تدخّله لتحديد حُصص لفريق أو حجب أخرى عن فريق آخر، سحب ملف التطبيع مع النظام السوري من التداول قبل التأليف... أمّا باسيل فيحاول الحصول على ضوء من الحزب متوسط المدى يصل إلى كرسي الرئاسة عام 2022، قبل أن يؤمّن الضوء للحكومة 24 على 24، على ما يشرح متابعون.
إشارات الحزب لباسيل بأنّ ضوء الحكومة لا ينير الرئاسة، بدأت تظهر أخيراً، لكن على خطوط منخفضة التوتر. الإشارة الأولى، كانت عبر قول نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم: «إذا كان البعض يربط تأليف الحكومة برئاسة الجمهورية ويعتقد أنّ موقعه في داخل الحكومة يهيّئ له أن يكون رئيساً للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي فهو واهم».
ويؤكّد متابعون أنّ هذا الكلام موجّه إلى باسيل لا إلى جعجع، لأنّ الحزب غير مُضطرّ لتوجيه رسائل لجعجع الذي لا يربطه بالحزب خطّ سياسي مُعلّق عليه تفاهمات ووعود، فـ«الحزب» لا يمون أو يؤثّر على جعجع ليبعث بإشارات نحو معراب. وعن المُستهدف بهذا الكلام، تكتفي مصادر مقرّبة من «الحزب» بالقول، إنّ «اللبيب من الإشارة يفهم».
وعلى الخطّ الكهربائي نفسه، برز الأسبوع الماضي تذكير كتلة «الوفاء للمقاومة» وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان بأنّ «التقنين غير المتوازن بين المناطق اللبنانية يهدّد بانفجار بعض الأوضاع الشعبية». وأشارت إلى أنّ «مناطق صور والنبطية وبنت جبيل وبعلبك - الهرمل والضاحية تُطلق مجدداً صرختها كي تبادر الوزارة والمؤسسة لتلافي المحظور».
ويقرأ متابعون في هذا الكلام إشارة كهربائية أخرى من «حزب الله» لباسيل بتحريك الشارع، فكان يُمكن للكتلة أو الحزب التواصل مع الحليف وزير الطاقة سيزار أبي خليل من دون شوشرة إعلامية علنية، أو أقلّه التزام الصمت في هذه المرحلة الحساسة، في وقتٍ يتعرض العهد و«التيّار» لتهجمات عدّة، تحديداً في القضايا الاقتصادية - الاجتماعية، وأبرزها ملف الكهرباء. فالحزب وعلى رغم أنّه يريد حكومة إلّا أنّه لا يريد الاصطدام بعون وتيّاره وبخسارة الحليف المسيحي القوي وعهد الرئيس المسيحي القويّ، الذي يدعمه داخلياً وخارجياً، وحتى يتقدّم عليه في عدد من الملفات، منها التطبيع مع النظام السوري، وحماية راية «المقاومة» في كلّ المحافل الدولية.
مصادر «كتلة الوفاء للمقاومة» تنفي عبر «الجمهورية» أن يكون لبيانها أبعاد سياسية، وتشدّد على أنّه نقل لمطالب الناس ومعاناتهم، وأنّ الموضوع يتعلّق بالكهرباء، القضية الخدماتية الملحة عند المواطنين، فـ»الناس يُطالبوننا بها». وتؤكّد، أنّ «الأمر غير سياسي وغير موجّه لوزير الطاقة أو غيره». وتقول: «هلقد حجمها».
وبعيداً من التوتر الكهربائي السياسي، وفي حين تعلو الانتقادات على الصعيد التقني، على أداء «التيّار الوطنيّ الحرّ» في هذه الحقيبة منذ نحو 9 أعوام، من الحلفاء والخصوم، وإن بنبرات مختلفة، لماذا يتمسّك «التيّار» بهذه الوزارة، على رغم أنّه لم يتمكّن من تأمين التيار الكهربائي 24 على 24 كما وعد.
مصادر «التيار» ترفض هذا الكلام، وتؤكّد لـ»الجمهورية» أنّ وزراءها عملوا في هذه الوزارة، وأنجزوا المشاريع على صعيد المياه والصرف الصحي وحتى على صعيد الكهرباء، مشيرة إلى أنّهم «واجهوا عراقيل كثيرة خصوصاً في الكهرباء، لكنّ الخطّة موجودة وبدأت تظهر نتائجها ومنها حلّ مشكلة معمل دير عمار المزمنة وإطلاق معامل جديدة».
وتؤكّد «أنّنا وصلنا إلى المرحلة الأخيرة في تنفيذ خطّة الكهرباء وسنصل إلى النتيجة النهائية في السنوات الـ 4 المقبلة».
ويتمسك التيّار بهذه الوزارة استكمالاً للعمل والجهد السابق، على ما تؤكّد المصادر، على رغم أنّها تقرّ بأنّ «ملكية هذه الوزارة لا تعود للتيّار كما لا تعود ملكية وزارات ثانية إلى أفرقاء آخرين، ولكنها من ضمن مطالبنا، وفي النتيجة الرئيس المُكلّف سعد الحريري هو من يوازن بين مطالب الجميع ويعرف الأولوية لمن».
وعن كلام جعجع بأنّ القوات تتعهّد بحلّ مشكلة الكهرباء في فترة لا تتعدى السنة ونصف السنة، تقول مصادر «التيّار»، إنّ «العراقيل سياسية لا تقنية، وغالبية المشكلات التي واجهناها لم تكن تقنية إنّما سياسية وقد ذهبت مشاريع أساسية ضحية لنكايات ومشكلات سياسية، وإلّا لعالجنا هذه المشكلة نهائياً منذ سنوات».
أمّا «القوات» فترى أنّه «من غير المقبول أن يكون هناك إشكالية في ملف حيوي للناس في العام 2018، وأن يعاني الناس في أيّ منطقة من انقطاع الكهرباء، فلقد انتهت الحرب عام 1990 وما زال لبنان من دون كهرباء بعد 28 عاماً».
وتقول مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» أنّ «هذا الملفّ كارثي ويتحمّله كلّ الوزراء المتعاقبين على هذه الوزارة وكلّ الحكومات المتعاقبة التي لم تحلّ هذه الأزمة. فصحيح أنّنا مررنا في فترات انقسامات وغياب الحكومة، ولكن في الفترة الأخيرة هناك انتظام ومؤسسات واستقرار». وتعرب عن شكوكها بأنّ «هناك توجُّه لعدم حلّ هذا الملف، وكأنّ المطلوب أن يبقى الوضع على ما هو عليه».
وإذ تذكّر المصادر بقول باسيل أنّه لا يجب أن يكون هناك وزارة مُكرّسة لطائفة أو مذهب أو تيّار أو حزب، تقول: «نحن لا نخوّن أحداً، ولكن هذه الحقيبة استلمها «التيّار الوطنيّ الحرّ» لـ 8 سنوات وحان الوقت أن يستلمها طرف آخر. وإن كانوا يشككون بقدرتنا، فنحن نقبل هذا التحدّي، ونتعهّد بتأمين الكهرباء 24 على 24 ساعة».
ولماذا ستتمكّن «القوات» من حلّ هذا الملفّ في حين لم يتمكّن «التيّار» من ذلك؟ تجيب المصادر: الأمر يتطلب شفافية، وإن استلمنا هذه الوزارة، ستكون لنا القدرة على حلّ المشكلة انطلاقاً من مجموعة اتصالات ولقاءات وخطط، نتيجة اهتمامنا بهذا الملفّ، ولقد تواصلنا مع شركات عالمية تمكنت أن تنفذ الكهرباء في بلدان عدّة، وبوقت قليل، كما في مصر على سبيل المثال».
وتؤكد: «سنؤمّن الكهرباء 24 على 24 خلال فترة قصيرة وبكلفة أقلّ وبشروط بيئية أفضل. الرؤيا موجودة والخطّة موجودة والشفافية موجودة، ولكنّ المطلوب من «التيّار الوطنيّ الحرّ» أن يتخلّى عن تمسّكه بهذه الوزارة وعن حساسيته حول هذه الوزارة التي تطرح التساؤلات».