حمّل تقرير خبراء كُلفوا الكشف على أعمال توسعة مطمر كوستابرافا الحكومة ومجلس الإنماء والإعمار مسؤولية وصول المطمر إلى ذروة قدرته الاستيعابية، عبر التغاضي عن عدم قدرة معملي الفرز في العمروسية والكرنتينا على فرز كميات كافية من النفايات، ما يؤدي إلى طمر نفايات من دون فرز، وبالتالي يدفع إلى توسعة المطامر، محذراً من أن استمرار هذه السياسة سيجعل «شاطئ لبنان بأكمله مطمراً للنفايات».
في 18 تموز الماضي، أصدرت قاضية الأمور المستعجلة في عاليه رولا شمعون، قراراً بتجميد أعمال توسعة مطمر «كوستابرافا»، استجابة لعريضة تقدّم بها «تحالف متحدون» الذي طالب بـ«اتخاذ تدبير سريع بوقف توسيع المطمر (باعتباره) جريمة عدائية تعرّض سلامة المواطنين وصحتهم لخطر كبير»، وكلّفت لجنة خبراء ضمّت ولسن رزق وجهاد عبود ودافيد أبي صعب مراجعة الملف خلال شهر. لكن شمعون سرعان ما تراجعت عن القرار، في 2 آب، بعد اعتراض مجلس الإنماء والإعمار، باعتبار أن وقف توسيع المطمر قد يؤدي إلى انهيار السنسول وجرّ النفايات إلى البحر. واستندت إلى تقرير أوّلي للجنة الخبراء، جاء فيه أنه «لم يثبت أن النفايات الواردة إلى المطمر من مراكز الفرز تتضمن مواد عضوية».
«الأخبار» حصلت على التقرير النهائي للجنة الثلاثية الذي خيّب آمال الجهة المدعية المطالبة بوقف توسيع المطمر، إذ «برّأ» المتعهّد (المشغّل) وأكّد التزامه تطبيق دفاتر الشروط، وألقى باللائمة على الحكومة ومجلس الإنماء والإعمار.
بداية، أكّد الخبراء الثلاثة أنهم، في الأساس، «ضد إنشاء مطمر صحي أو أي نوع من المطامر في منطقة الكوستابرافا وفي أي منطقة ساحلية أخرى (...) لأن هذه المنشآت تشويه سافر لواجهة لبنان الساحلية وجريمة بحق الوطن». ونبّهوا إلى «أن المساحة المخصصة للتوسيع لا تلبث في فترةٍ وجيزة أن تصبح غير قادرة على الاستيعاب، ما سيدعو إلى استحداث مساحات إضافية، وسيصبح شاطئ لبنان بأكمله مطمراً للنفايات». لكنهم أشاروا إلى أنه «بعد الكشوفات المتتالية على موقع توسعة المطمر الصحي في كوستابرافا تبين أنه لا يوجد أي تسرب للنفايات أو للعصارة إلى البحر». وعند الكشف على عملية طمر النفايات «لوحظ انبعاث بعض الروائح، تبيّن لاحقاً أنها ناجمة عن مخلفات نهر الغدير وعن النفايات التي تدخل يومياً إلى المطمر، وليس من المطمر نفسه بعد طمر النفايات، إذ إن المشغّل يقوم بتغطية النفايات بشكل يومي وفوري، ويحجب تلويث الهواء بأي غازات ضارة».
في المقابل، شدّد التقرير على أن «معملي الفرز في الكرنتينا والعمروسية مهترئان وغير مؤهلين لفرز النفايات بشكل كامل. وكان الأجدى بمجلس الإنماء و الإعمار الإسراع في تحديثهما لتخفيف النفايات المطمورة (...)»، إذ «لا يمكنهما، بوضعهما الحالي، فرز كامل النفايات العضوية». ولفت إلى أن «المشغّل يعمل ضمن الإمكانات المعطاة له»، وقد «أرسل عدة كتب يلفت نظر المعنيين بوجوب تطوير المعملين، وإلا فلا يمكن فرز النفايات العضوية بشكل كامل، ما يدفع إلى ترحيل بعض النفايات العضوية إلى الطمر في كوستابرافا». وأكّد أن «النفايات التي تدخل المطمر لا تخالف بنود العقد التي تسمح بدخول النفايات على أنواعها». وفي ما خصّ النفايات العضوية، كشف التقرير «أن هناك تعليمات من مجلس الإنماء والإعمار بطمر أقل نسبة من المواد العضوية في مطمر كوستابرافا»، وهذا ما يفسّر أن معظم النفايات العضوية يذهب الىمطمري برج حمود والجديدة!
لكن اللافت أن التقرير لم يتطرّق إلى عدم تشغيل المتعهد معمل المعالجة والتخمير الذي كان يفترض أن يستوعب 700 طن يومياً بدل 300، ما يخفف من حجم النفايات التي تذهب إلى المطمر، مكتفياً بالحديث عن «وضع المعدات في معملي الفرز في العمروسية والكرنتينا، التي مرّ عليها الزمن (أكثر من 20 سنة) ويمكن أن تتوقف نهائياً في أي وقت»، وهي حجة غير مقنعة. إذ كان بالإمكان الاستعانة بجهاز بشري أكبر للفرز اليدوي، وهو ما يستدركه التقرير بالإشارة إلى أنّ المشغّل «يعمل ضمن الشروط المنصوص عليها في عقد الفرز بكامل قدرته، وذلك بإمداد عملية الفرز بموارد بشرية وآليات إضافية، لأن عملية الفرز هي من مصلحته لحقه حصرياً بالتصرف بتلك الإيرادات (...) لكن بسبب رداءة تجهيزات المعامل ومرور الزمن عليها وكثافة النفايات لا يستطيع المشغل أن يعطي النتيجة المبتغاة من عملية الفرز». إذ إن في معمل الفرز في العمروسية «أربعة خطوط فرز مهترئة، وقدرتها الاستيعابية للفرز، في أحسن حالاتها، لا تتعدى 700 طن يومياً. ورغم نص دفتر الشروط على فرز 1250 طناً يومياً في العمروسية»، لاحظ التقرير أنه «يتم استقبال حوالي 1890 طناً يومياً، بحجة عدم ترك النفايات في الطرقات لأنها تصبح غير قابلة للفرز بصورة صحيحة. وبهذا يكون معمل العمروسية يفرز أكثر من طاقته بحوالي ثلاث مرات، مما اضطر الشركة المشغلة أن تعمل 24 ساعة بدلاً من 18 كما هو محدد في العقد بسبب الأعطال الدائمة». أما في معمل الكرنتينا، فـ«هناك خمسة خطوط فرز قديمة مهترئة قدرتها الاستيعابية لا تتعدى 800 طن يومياً، ومع ذلك أتت شروط العقد بأن المعدل اليومي لدخول النفايات هي حوالى 1350 طناً يومياً، فيما يدخل معمل الفرز في الكرنتينا حوالى 1996 طناً يومياً». وخلص إلى «أن النفايات الواردة من مراكز الفرز غير مفرزة كلياً بسبب تجهيزات معامل الفرز المهترئة، ومشكلة تطوير المعامل تقع على عاتق الدولة ومن مسؤولية مجلس الإنماء و الإعمار. في انتظار ذلك، فإن كمية النفايات التي تطمر في كوستابرافا ستزداد وستقلل من عمر المطمر، وسيضطر القيّمون إلى تغيير خريطة التوسعة أو المباشرة بتوسعة أخرى في غياب التخطيط والرؤية المستقبلية».
وفي ما يتعلق بإنشاء شبكة جمع الغاز الذي يعَدّ أمراً مهماً في كل مطمر، خصوصاً في موقع قريب من المطار وحركة الطيران، لفت التقرير إلى أن «العمل في مشروع التوسعة لم يصل إلى هذه المرحلة، لذا لم تستطع اللجنة التأكد من هذه العملية لأنها لا تتم إلا بعد وصول القدرة الاستيعابية في المطمر إلى ذروتها. (...) إنه في المرحلة الأولى وصل المطمر إلى ذروته، وتم تمديد الشبكة وفقاً للأصول».
أما في شأن معمل معالجة الرشاحة (العصارة)، فيشير التقرير إلى أن الشركة المشغلة «لم تبدأ بإنشاء معمل لمعالجة الرشاحة، لأن هذه العملية تبدأ بعد أن تجهز الخلايا وتصبح ممتلئة بالنفايات المطمورة ولوجود محطة معالجة الرشاحة في المرحلة الأولى. وقد كشفت اللجنة على المحطة في المطمر القديم، وتبين لها أنه يتم جمع الرشاحة من المطمر في خزانات جمع وتضخ إلى محطة المعالجة بواسطة مضخات غاطسة». إلا أن التقرير لم يناقش الطرق الأمثل لوضع أنابيب سحب الغاز (أثناء الإنشاء والتجهيز وليس بعد الانتهاء من الطمر) ولا طرق معالجة العصارة!
التوصيات
في نهاية التقرير، اقترح الخبراء «المباشرة فوراً بتطوير معملي الكرنتينا والعمروسية لاستيعاب الكمية التي تدخل يومياً إلى معامل الفرز، والبدء بحملة توعية للفرز من المصدر أقله فرز المواد العضوية، وإيجاد حلول مستدامة للتخلص منها، وطرق حديثة ومستدامة للتخفيف من النفايات المطمورة لعدم قدرة لبنان على استيعاب المزيد من المطامر على أرضه أو في بحره». وطالبوا الوزارات المعنية بالإيعاز إلى المصانع وشركات الاستيراد بوجوب تحمّل مسؤوليتها أمام زيادة النفايات في التصنيع أو الاستيراد، والإسراع بإيجاد خطة استراتيجية يمكن تطبيقها في أسرع وقت ممكن، يشرف عليها مختصون، مع التشديد على ضرورة الفرز وتخفيف النفايات من المصدر والمصنع والمستورد، وإنشاء معامل حديثة للتخلص من النفايات من دون تلويث الهواء والتراب أو المياه الجوفية و السطحية».
أما خلاصة الخلاصة لهذا التقرير، فهي أن الأزمة مرجّحة للتفاقم، وأننا لا نزال نتنقل من كارثة إلى أكبر، وأن لا حكومة ولا وزارة بيئة مسؤولة (كان يفترض بها هي أن تصدر تقريرها التقييمي وتقترح استراتيجية شاملة وكاملة)، وأن لا وزير للبيئة ملماً استطاع أن يرفع هذا الملف من حالة الطوارئ المزرية إلى موقع استراتيجي وبعيد المدى.