اليوم، نرى دونالد ترامب يعلن الانسحاب الأميركي من الصفقة النووية ويؤيده في ذلك بعض الدول مثل إسرائيل وعدد من دول الخليج العربي ومنها السعودية والإمارات العربية المتحدة. وعلى النقيض من ذلك، بدت اوروبا ومعها الصين وروسيا عازمة على محاولة ضمان هذه الاتفاقية يشاركهم في ذلك بعض الدول الآسيوية الكبرى مثل اليابان. وبدا هذا الشعور الأوروبي الرافض لقرار ترامب واضحاً عندما أعلنت فريدريكا موغريني الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية في ١١ ايار الماضي أن الاتحاد الأوروبي مصمّم على المحافظة على هذه الاتفاقية طالما أنها تعمل.
وأعربت بكلمات قوية، «ان التدمير هذا لا يقود إلى أي نتيجة ولا هو حل لأي من مشاكلنا «، لكن وعلى ما يبدو أن ترامب مصمّم على المضي في العقوبات على طهران الأمر الذي سيدفع بالأوروبيين إلى أحد الحلول؛ إما الالتزام بمقررات ترامب من ناحية عدم استعدادها لحرب تجارية مع الولايات المتحدة حول إيران او المضي قدماً في الاتفاقية الأمر الذي يدفع بالشركات الأوروبية التي تتعاطى مع طهران إلى عقوبات ويضع شركات كثيرة في حيرة قانونية.
أضف إلى ذلك الوضعية داخل إيران لاسيما كون معظمهم لا يأمل الكثير من أوروبا في ظل غياب الولايات المتحدة وانسحابها من الاتفاقية. فحسن روحاني يأمل في أن إيران ستكون قادرة على البقاء في الاتفاق إذا ما واصلت الدول الخمس المتبقية التقيد به - أما المرشد الأعلى علي خامنيئي فيلقي ظلالاً من الشك على فكرة المحافظة على الصفقة دون الولايات المتحدة وقال انه لا يثق في بريطانيا وفرنسا والمانيا.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هل يمكن لأوروبا إنقاذ الصفقة في ظل غياب الولايات المتحدة وتهديداتها المتكررة بزيادة العقوبات لاسيما تلك التي تطال النفط. فالدول الأوروبية قد تكون أهم الشركاء التجاريين المحتملين مع إيران (على الرغم من أن بلدانا أخرى مثل الهند زبون اساسي للنفط الإيراني) وقد أصرّت الدول الأوروبية على أن الصفقة التي وضعت حول برنامج إيران النووي تحسّن الأمن في الشرق الأوسط، ولا يوجد له بديل، وكون أوروبا كما الوكالة الدولية للطاقة الذرية مقتنعين بأن إيران تنفذ الالتزامات المتعلقة بالـ JCPOA. من الناحية النظرية فإن الموقعين الآخرين على الأتفاقية يمكنهم الالتزام بها واستمرار الاستيراد من إيران والسماح لإيران بمواصلة الاستفادة من هذا الاتفاق. ولكن من الناحية العملية فإن ذلك سوف يكون صعباً للغاية، وقد تكون المشكلة الأساسية هي في كيفية حماية الشركات الأوروبية وشركات الدول الأخرى من العقوبات الأميركية إذا ما استمروا بالتعامل مع مشتريات النفط الإيراني.
وللعلم، حدث ذلك سابقاً مع كوبا في العام ١٩٩٦ عندما شن الإتحاد الأوروبي Blocking Regulation والذي يهدف إلى حماية الشركات من تأثير العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على كوبا وانتهى هذا النزاع بتقديم إعفاءات للشركات الأوروبية.
يفكر المسؤولون في الإتحاد الأوروبي حالياً بعدة احتمالات بما فيها إعادة إحياء الـ Blocking Regulation أما المحللون فيشكّون في ذلك لاسيما وأن الشركات، وفي ما يتعلق بالاختيار بين العمل في إيران او في الولايات المتحدة ماعدا الصغيرة منها، غير معرّضة للأسواق الأوروبية قد تختار حتماً أسواق أميركا.
أضف إلى ذلك أنه، ومع خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، فان موقف الشركات البريطانية التي سوف تسعى للقيام بأعمال تجارية في إيران سيبقى غامضاً. لذلك قد يكون تحديد لائحة المنع أكثر فعالية من الناحية السياسية، وقد يكون مؤشراً للولايات المتحدة الأميركية بأن المعارضة السياسية لسياستها كبيرة، وإشارة إلى الولايات المتحدة وبقية العالم بأن الإتحاد الأوروبي يأخذ الأمر على محمل الجد.
وقد عرض المحللون في فريق الأزمات الدولية (ICG) أن يقدّم الأفرقاء في الاتفاقية مجموعة من التدابير السياسية والاقتصادية التي تضمن لإيران بعض المزايا المنصوص عليها في الاتفاقية واقترحت الـ ICG سلسلة من الإجراءات لدعم إيران مع الإتحاد الأوروبي بما في ذلك:
١- تمكين المصارف المركزية من معالجة مدفوعات إيران التجارية.
٢- التفاوض على إعفاءات خاصة للشركات الأوروبية من العقوبات الثانوية.
٣- انشاء آليات قانونية بديلة لل Blocking Regulation للعام ١٩٩٦ تدعم الشركات الأوروبية في إجراءات قانونية ضد السلطات الأميركية.
٤- توفير ائتمانات التصدير للتجارة الإيرانية.
٥- استخدام المساعدات الخارجية لدعم وتطوير البنية التحتية الإيرانية.
٦- استخدام بنك الاستثمار الأوروبي لتقديم القروض إلى إيران.
قد تكون هذه الخطوات صعبة من الناحية التقنية، وقد تتعطّل إذا ما استأنفت إيران أنشطة التخصيب.
يبقى أمر أخير قد تلجأ اليه مجموعة الدول، وهو شكوى إلى منظمة التجارة العالمية وهي الهيئة التي تنظم العلاقات التجارية الدولية. وقد لا تنجح هذه الخطوة ايضا، سيما و إن البند XXI من القانون يحمي الدول عندما ترى الأمر ضرورياً لحماية مصالحها الأمنية الأساسية.
كلها أمور تبقى واردة إذا ما ارادت الدول الأوروبية المضي في الاتفاقية الامر الذي يعوّل عليه حسن روحاني دون سائر الزعماء والأطراف في إيران.