لليوم الثاني على التوالي، تتابع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان جلسات المرافعة النهائية. المسار الذي يتّبعه الادعاء أصبح واضحاً. الارتكاز إلى قرينة الاتصالات، ومنها يتشعّب التحقيق ليرتبط بجملة نشاطات قامت بها المجموعة المنفذة للعملية، وتعقّب تواصلها مع المجموعة المخططة التي كان يمثّلها مصطفى بدرالدين. وهذا لا ينفصل عن السياق السياسي التي وضع جانب اادعاء عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري في صلبه.
قدّم الإدعاء على مدى يومين تصوراً واضحاً سياسياً وأمنياً وعسكرياً لتنفيذ العملية. ووصل إلى استنتاجات من خلال ربط الهواتف التي استخدامها المتهمون قبل العملية وخلالها وبعدها، ليبقى الأساس في أن هذه الهواتف كلها توقفت عن العمل في الوقت نفسه، بعد أيام من الاغتيال.
وفق تحقيقات الادعاء، فقد جرى التوصل إلى هويات أصحاب الهواتف، وهم المتهمون الأربعة، من خلال استخدامهم الهواتف تلك في أمور شخصية، سواء أكان عبر الاتصال بأفراد من أسرهم، كحسين حسن عنيسي وأسد حسن صبرا، أو بأمور تجارية كبدر الدين وسليم جميل عياش. وتقول خلاصة الادعاء إن عملية مراقبة الحريري بدأت في الضاحية الجنوبية لبيروت في العام 2004، وتحديداً بشكل فوري بعد آخر لقاء عقد بين الحريري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. وهذه إشارة جديدة تقدّمها جهة الادعاء، ويعتبرها البعض إشارة تنطوي على معلومات أخرى أكثر حساسية.
بدأت المراقبة بعد حصول هذا اللقاء، يعني أنه فور خروج موكب الحريري من الضاحية الجنوبية لبيروت قد لحقت به فوراً. وهذا يعني الإعداد للاغتيال ووجود فكرة لتنفيذ عملية من هذا النوع. وأكثر من ذلك، هو توجيه لبعض الاشارات والدلالات إلى ضلوع رستم غزالي في الإعداد لهذه العملية، أو باعتباره أحد متخذي القرار السياسي بشأنها. والأهم هو أن عدد أعضاء المجموعة المنفذة والمراقبة يصل إلى 18 شخصاً، وقد تم التعرف إلى هؤلاء استناداً إلى قرائن الاتصالات، على الرغم من استخدامهم أساليب تضليلية، كشراء بعض الهواتف من طرابلس، أو شراء السيارة التي حملت المتفجرات من الشمال أيضاً، بالإضافة إلى فبركة ملف أبو عدس الذي لم تظهر له آثار في الحمض النووي في مكان التفجير. ما يطرح سؤالاً عن الشخص الذي كان يقود الشاحنة.
وفيما أطلق الرئيس سعد الحريري موقفاً إيجابياً بعد حضوره الجلسة الأولى من جلسات المرافعة، ترددت أصداء مجريات الجلسات في لبنان، فيما التزم حزب الله الصمت وفضّل عدم التعليق. وتشير مصادر متابعة إلى أن قيادة الحزب عممت على المسؤولين عدم التعليق على ما يجري تداوله من معلومات واتهامات بحق الحزب في المحكمة، والالتزام بالموقف الذي اعلنه نصرالله بأن المحكمة إسرائيلية وأميركية، وهي جزء من مؤامرة تستهدف الحزب.
ورحّب مقربون من الحزب بموقف الحريري الذي بدا حريصاً على الوحدة الداخلية والاستقرار. فيما هناك من قرأ في موقفه استعداداً لتقديم مزيد من التنازلات على خطّ تشكيل الحكومة، وذلك لتفادي أي تصعيد سياسي مع المحكمة، او وضع ذلك في خانة المقايضة بين تسهيل مهمته في تشكيل الحكومة، وعدم إثارة ما ستخرج به المحكمة داخلياً، وعدم محاولة الاستثمار فيه بما يعيد الانقسام والتوتير بين الفريقين. فيما يعتبر حزب الله ان المحكمة قد تستخدم ضده في سياق توقيتها وتزامنها مع العقوبات الأميركية على إيران. وهنا يظهر التوظيف السياسي لها.
على خطّ القوى المؤيدة للمحكمة والمناهضة لحزب الله، هناك من يعتبر أن الحريري سيكون محرجاً أكثر في الفترة المقبلة، لا سيما عند صدور الحكم النهائي. أي أنه سيحاول تهدئة الوضع وعدم إثارة الموضوع. ولكن، إذا ما صدر حكم واضح عن المحكمة، ووصف أفراداً في حزب الله بأنهم إرهابيين وهم من نفذ عملية الاغتيال، كيف يمكن للحريري أن يجلس معهم إلى طاولة واحدة، او يدخل في تسويات معهم؟ هذه ستكون صعبة عليه أمام جمهوره، وأمام نفسه. وعلى الرغم من إصراره على المسامحة أو التعالي على الجراح، هناك من سيخرج ليسأله عن سبب استمرار تمويل المحكمة إذا كان لا يريد الأخذ بحكمها. بالحد الأدنى، يعتبر هؤلاء أن الحريري لن يكون قادراً على الاستمرار في تقديم التنازلات، وربما هذا يظهر الآن في الكباش الحاصل حول عملية تشكيل الحكومة.