مؤدّى هذه الصورة، كما يقول أحد المسؤولين، أنها تؤول الى الأسوأ، بل الى منزلقاتٍ مجهولة، فلا وجودَ لكابح بين هذه المتاريس، وكل عناصر شقّ الطريق المؤدّي الى هذا المنحنى القاسي، باتت متوافرة ومستنفرة وعلى جهوزيتها السياسية والطائفية والمذهبية. يغذيها الإنسداد الكامل، والمتعمّد في الأفق الداخلي، وانعدام إمكانية صياغة توافق بين المكوّنات السياسية على تأليف حكومة.
لقد ابتلع التعطيل حتى الآن ثلاثة أشهر، يقول المسؤول، وسيبتلع ثلاثة غيرها، وربما «ثلاثات» وأكثر. أنا لا أقلّل من أهمية الشروط والتعقيدات الداخلية وصعوبتها، لكنني بتُّ على قناعة تامة بأنّها تكاد تكون ثانوية إن تعمّقنا في حقيقة التعطيل، فسنجد أنّ مطبخ التأليف محاصَر بإرادة خارجية تمنعه من اتّخاذ قرار والتقدّم نحو توليد الحكومة.
ويضيف «يصرّون على القول بأن لا مداخلات خارجية، ويريدون للناس أن تصدق ذلك، قبل فترة غير بعيدة، تعمّدتُ شخصياً أن أسأل أحد المعنيّين بتأليف الحكومة «مَن يضغط عليكم من الخارج»، فتهرّب من الجواب، وحلف وقال و»الله ما حدا»، فقلت له: إيه صحيح صدقتك.. سامع بالمثل اللي بيقول قالوا للكذاب احلف قال إجا الفرج». فابتسم بابتسامة معبِّرة وقال: «مش طالع بإيدي شي».
ويكشف المسؤول «أنّ مسؤولاً حزبياً أبلغني منذ اسابيع، أنه سمع من أحد السفراء المعروف برصانته وصراحته تقييماً سلبياً لنتائج الانتخابات النيابية، خلص فيه الى ما حرفيّته «أنّ تشكيل الحكومة في لبنان، ليس أولوية لنا». هذا الكلام كرّره السفير نفسه امام شخصيات لبنانية اخرى مرتين في مناسبتين اجتماعيّتين، كان حاضراً فيهما مع بعض الأصدقاء. معنى هذا الكلام أنهم لا يريدون حكومة في لبنان تعكس نتائج تلك الانتخابات».
يستنتج المسؤول أنّ تأليف حكومة في هذا الوقت، دون تحقيق أيّ مكاسب لحلفائهم فيها، سيعتبرونها خسارة تضاف الى خسارة الانتخابات، وحتى الآن لا يبدو أنّ شروط التقليل من هذه الخسارة التي تُطرح على خطّ التأليف تحت عنوان إرضاء هذا الطرف أو ذاك، ستستطيع أن تحظى بقبول رئيس الجمهورية ميشال عون الذي قرّر التصلّب حيالها الى المدى الأبعد، ولن يسمح بتمريرها أيّاً كانت الضغوط التي قد تمارَس من جهات إقليمية ودولية.
في اعتقاد المسؤول المذكور أنّ معركة التأليف انتقلت بطرفيها حالياً الى مرحلة انتظار؛ طرف داخلي مغطى بدعم خارجي، ينتظر أن يتراجع عون أمام الشروط المطروحة والمتعلّقة تحديداً بتمثيل «القوات اللبنانية» و»الحزب التقدمي الاشتراكي»، لأنه كلما طال الزمن بلا تأليف للحكومة سيؤدّي ذلك الى الإضرار بالعهد. وطرف آخر غير عابئ مهما طال الفراغ الحكومي، على اعتبار أنّ المتضرّر ليس العهد، إذ إنّ رئيس الجمهورية موجود ويتمتع بكامل صلاحياته والبلد ماشي، وتصريف الأعمال ماشي، وأما المتضرّر الأوحد فهو رئيس الحكومة الذي يريد أن يشكّل حكومته، ويبدأ مسيرة حكمه.
يكشف المسؤول أنّ ثمّة قناعة في الأجواء الرئاسية بأنّ أطرافاً داخلية تراهن على متغيّرات إقليمية، ستحصل في المدى المنظور، يمكن أن تستفيد منها لتقوية أوراقها وتعزيز شروطها اكثر، ولكنّ ثمّة في هذه الأجواء الرئاسية مَن يتحدث صراحة «إن ما قبلنا به اليوم على خط تأليف الحكومة، قد يأتي وقت ولا نقبل به أبداً، بمعنى أنّ ما يمكن أن ياخذوه اليوم، لا يمكن أن يأخذوه غداً».
وإذا كان الرهان على تراجع عون خاسراً سلفاً، تبقى في رأي المسؤول محطتان للرهان:
- الأولى، المحكمة الدولية والحكم المنتظر في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث من الطبيعي أن يعوّل البعض على الحكم ويحاول أن يحقق مكتسبات سياسية وحكومية بناءً عليه. وهنا يقول المسؤول إنّ موقف الرئيس سعد الحريري العقلاني، قطع الطريق على أيِّ رهان.
- الثانية، معركة إدلب، التي لا جدال في أنها مشتعلة لا محالة، في ظلّ الاستعدادات العسكرية والحشد والحشد المضاد من قبل كل أطراف المعركة: الجيش السوري، الروس، الأميركيون، الأتراك والإيرانيون.
يرى المسؤول المذكور أنّ معركة إدلب في حال بدأت، ستفتح الباب أمام صراعات بالغة الخطورة، على المستويَين السياسي والعسكري، قد تخرج عن السيطرة في أيّ لحظة، ويجب أن نأخذ في الحسبان أنّ لبنان يقع في قلب هذه الصراعات. وأما الحسم فقد لا يتحقق في المدى المنظور، ويجب الّا نغفل أنه قد لا يتحقق ابداً والنتائج قد تكون معاكِسة للجميع، ما يعني انّ انتظار أطراف الصراع اللبناني سيطول وسيكون بلا أيّ طائل.
ولكن، ما الحل؟
يقول المسؤول: ليس في ايدي اللبنانيين عصا سحريّة تنتشل الحكومة حالياً، ولكن حتى الآن لم يملّ المعطّلون، وقناعتي أنهم عندما يشعرون أنهم غير قادرين على فرض التعطيل لفترة طويلة ستتشكل الحكومة فوراً. وهذا ما سيحصل، إذ إنّ التجربة مع هؤلاء دلّت على انهم يذهبون الى المدى الأبعد في الجبهات التي يخوضونها عسكرياً وسياسياً، وعندما يصطدمون بعجزهم عن تحقيق مرادهم يتراجعون، كما حصل في اكثر من جبهة على مسوى المنطقة. وأعتقد انّ هذا ما سيبادرون اليه في لبنان.