سُرِقت بيانات عشرات آلاف المواطنين اللبنانيين. اختُرقت خصوصياتهم وتعرّض البعض للابتزاز. المشتبه في كونه العقل المدبّر لعملية القرصنة هذه هو الموقوف خليل صحناوي، الذي دخل قراصنته إلى داتا أوجيرو وأجهزة أمنية، وأتاحوا له التحكّم بمعلومات حسّاسة مع القدرة على التلاعب بمضمونها، فضلاً عن التنصت على اتصالات الهاتف الثابت! لكن حتى اللحظة، لم يجد القضاء سبيلاً لاتهام الرجل بارتكاب جناية! الصحناوي اعترف بالاستيلاء على معلومات حسّاسة، من دون أن يعترف بالجهة التي كان يعمل لحسابها. واعترف بقدراته، من دون أن يقر باستخدام هذه القدرات (كالتلاعب بداتا أوجيرو)، ويدّعي نسيان «كلمات المرور» الخاصة بملفاته المشفّرة! ويوم أمس، رفض قاضي التحقيق أسعد بيرم إخلاء سبيله، وقرر إحالة الملف على مديرية المخابرات في الجيش لمحاولة إنجاز ما عجز عنه محققو فرع المعلومات.
لا ينقص الأجهزة الأمنية والقضائية والسياسية سوى الاعتذار من المدعى عليه خليل الصحناوي على توقيفه، ثم تركه حُرّاً. الرجل المدعى عليه بارتكاب أكبر عملية قرصنة في تاريخ لبنان، ضُبِطت في حواسيبه داتا حسّاسة جداً، اعترف أنّه استولى عليها، عبر المقرصِن الموقوف رامي ص، من أجهزة أمنية ومؤسسات رسمية تخصّ جميع المواطنين اللبنانيين. عُثر لديه على ملفات كبيرة مقرصنة بينها عشرات آلاف العناوين البريدية لمواطنين مع كلمات المرور الخاصة بها، عدا عن اختراق قراصنته الإلكترونيين للحساب البريدي لمدير عام جهاز أمني والضابط المسؤول عن الشؤون التقنية في الجهاز، فضلاً عن اختراق البريد السري للمديرية الأمنية وقرصنة مواقع وزارتي الداخلية والاقتصاد وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وعدد من المصارف. غير أنّ كل ما تقدّم، يُعدّ «تافهاً» أمام خطورة استيلاء الصحناوي على مفاتيح التحكم بهيئة أوجيرو، وحصوله على قدرة التنصت على مكالمات جميع الخطوط الثابتة في لبنان، وكشف استخدامات المواطنين للإنترنت على هواتفهم الخلوية والحصول على معلومات عن حساباتهم المصرفية. ليس هذا فحسب، إذ أتاح له هذا الاختراق التلاعب بمضمون «داتا الفوترة» في «أوجيرو»، وإمكان إدخال تعديلات عليها، من دون ترك أي أثر إلكتروني. غير أن الصحناوي قال «كلمة شرف» أمام المحققين: «صحيح لدي هذه الإمكانية منذ العام ٢٠١٣، لكن صدقاً لم أستعملها أو أتلاعب بها.
احتفظت بها فقط»! والأنكى من ذلك أنّ أحداً لا يستطيع إثبات حصول التلاعب من عدمه. «لماذا احتفظت بكل هذه المعلومات ولمن أعطيت هذه الداتا؟» هذا السؤال بقي لُغزاً. «حشرية بس»، هذا كان جوابه. دفع الصحناوي آلاف الدولارات ليحتفظ بالمعلومات لنفسه؟ لم يُزوِّد أحداً بهذه المعلومات! لا أحد... هكذا يقول! كذلك فإنه لا يُقدِّم تبريراً لظهوره في صورة مع مقرصنة إسرائيلية في أحد مؤتمرات أمن المعلومات الدولية أو حتى تفاعله معها على مواقع التواصل الاجتماعي. وبحسب المصادر، فإنّ الملفات التي عثر عليها المحققون في عشرات الكومبيوترات المحمولة الخاصة بصحناوي، وعشرات «الأقراص الصلبة» المخصصة لتخزين البيانات، تُقسم إلى ثلاث فئات. الأولى أعطى كلمات المرور الخاصة بها. والثانية تلك التي تمكن فنيو فرع المعلومات من فك تشفيرها. أما الفئة الثالثة فتلك التي زعم الصحناوي أنّه لا يذكر كلمات المرور الخاصة بها وهي مشفّرة بطريقة يكاد يكون مستحيلاً اختراقها. وبحسب اعتراف الصحناوي، المدعم بأدلة تقنية، فإن كل الملفات المقرصنة الموجودة في حوزته حصل عليها من المقرصِن رامي ص. والأخير زعم أنه كان يمنح نتاج عمله في القرصنة لخليل لأن للأخير في ذمته مبلغاً مالياً، فزوّده بالداتا بدلاً من المال.
وبحسب الملفات الموجودة في حوزة القضاء، فإن كل ما تقدّم ثابت بالدليل وباعترافات الموقوفين. لكن لا يزال النقاش على المستوى القضائي محصوراً في ما إذا كان ما ارتكبه الصحناوي يُعدّ جنحة أم جناية! ألا يُعدّ تخريب منشآت الدولة جناية تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد كما يرد في قانون العقوبات اللبناني؟ ماذا عن اجتهادٍ قضائي، يُكرِّس عُرفاً، قد يُشكّل عقوبة رادعة أمام ارتكاب جريمة بهذا الحجم؟ ألا يعني الاكتفاء بالادعاء على الموقوف بجنحة التعدي على نظام المعلوماتية في مؤسسات الدولة تستّراً على مجرم؟
يوم أمس، مَثل الصحناوي أمام قاضي التحقيق في بيروت أسعد بيرم الذي تسلّم نتائج التحقيقات الإضافية من فرع المعلومات، تتضمن تناقضات في إفادة الموقوف الصحناوي، لكنها لا تقطع الشك باليقين في شأن دافعه للاستيلاء على هذه المعلومات. كما أُرفِقت بدراسة مطابقة بين إفادته وإفادة المقرصن رامي ص. غير أنّ فرع المعلومات عجز عن فك الجزء الأكبر من الملفات المشفّرة التي عُثر عليها على حواسيب صحناوي، على رغم أنّ المحققين أنفسهم فرّغوا الحواسيب الثلاثة الخاصة بالمقرصن رامي ص. ويبدو أنّ نتيجة عمل فرع المعلومات لم تُقنع قاضي التحقيق، فردّ طلبات إخلاء سبيل الموقوفين الثلاثة المقرصنان إيهاب ش. ورامي ص. وخليل الصحناوي. وكلّف مديرية المعلوماتية في أوجيرو التحقيق للتثبت في شأن حصول تلاعب في «داتا» الهواتف الثابتة، علماً أن تقنيين معنيين بالقضية يجزمون باستحالة التثبت مما إذا كان صحناوي قد تلاعب فعلاً بالداتا أم لا. كذلك أصدر بيرم استنابة طالباً إحالة الملف مع المضبوطات إلى مديرية المخابرات في الجيش. وهذه الخطوة تشكّل سابقة بأن يقوم قاضي التحقيق بسحب الملف من فرع المعلومات المعروف بأنّه الأقدر تقنياً، ويُسلّمه للجيش بعد عجز فنّيي «المعلومات» عن فك تشفير مئات الملفات الموجودة في حواسيب صحناوي. وحتى مساء أمس، لم يكن المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود قد أحال استنابة القاضي بيرم على استخبارات الجيش. وتجدر الإشارة إلى أنّ الصحناوي اخترق تقريباً، جميع مؤسسات الدولة الرسمية المدنية والأمنية، باستثناء الجيش. أما السبب، فذكره في إفادته أمام قاضي التحقيق بأنّه كان يتواصل مع أحد ضباط الجيش لتزويد المؤسسة العسكرية بنظام حماية متطور في أمن المعلومات.