علمت «الجمهورية» انّ افكاراً ثلاثة مطروحة امام ماكرون، ويؤدي السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه دوراً أساسياً فيها:

ـ الاولى، أن تدعو باريس أطرافاً لبنانيين الى لقاء حواري على طريقة مؤتمر «سان كلو» الذي انعقد منذ سنوات.

ـ الثانية، ان توفد باريس مسؤولاً فرنسياً (من مستوى وزير او موفد رئاسي) الى لبنان للاطلاع على الاوضاع فيه وإجراء مشاورات مع مختلف القيادات بلا استثناء لحضّها على إخراج لبنان من ازمته الحالية وتأليف الحكومة، لكي يستطيع المشاركة في مؤتمرات ستعقد في الخارج وسيُطرح فيها مصير المنطقة.

ـ الثالثة، أن يزور ماكرون لبنان، لعلّ زيارته تشكّل صدمة ايجابية للخروج من العقد وتأليف الحكومة.


لكن حتى الآن يبدو انّ الفكرتين الاولى والثالثة، اي الدعوة الى لقاء حواري ومجيء ماكرون، تلقيان معارضة، إذ انّ الادارة الفرنسية، وتحديداً وزارتي الخارجية والدفاع، لا تعتقدان باستعداد الاطراف اللبنانية للتجاوب، سواء مع دعوة فرنسا الى الحوار، او في أنّ ضغط ماكرون خلال زيارته لبنان سيلقى تأثيراً مناسباً. لذلك، فإنّ الاتصالات تركز على الفكرة الثانية، اي ان يزور موفد فرنسي لبنان.

توقيت التحرك

وفي المعلومات انّ فرنسا قررت هذا التحرك بعدما رأت انّ النزاع الروسي ـ الاميركي في سوريا بدأ يأخذ ابعاداً اكثر مما يفترض. كذلك فإنّ فرنسا تتوقف عند تحرك روسيا في اتجاه لبنان، وهو الدولة التي تقيم معها علاقات مميزة منذ قرون ولا ترغب في أن يضعف اي طرف دولي جديد دورها فيه، وتعتبر انه اذا كان هناك من تدويل للوضع في لبنان، فإنّ طريقه يفترض ان يمرّ عبر باريس.


وفي أي حال فإنّ هذا التوجه الفرنسي لا يزال مدار نقاش، ولم يتم اتخاذ اي قرار نهائي في شأنه بعد. علماً انّ السفير الفرنسي كان قد عاد الى لبنان قبل عشرة ايام بعدما أمضى إجازة خاصة في بلاده، وعرّج على باريس حيث التقى مسؤولين في قصر الاليزيه ووزارتي الخارجية والدفاع.

المحكمة

وفيما فرنسا تبحث عن طريقة لإخراج لبنان من ازمته، يغرق اللبنانيون في تفاصيل خلافاتهم السياسية، في وقت تتصدر المرافعات الختامية للادعاء في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في لاهاي الاهتمامات والمتابعة. وقد أكد اليوم الثالث منها على ما ورد الثلثاء لجهة تحميل مصطفى بدر الدين المسؤولية الاساسية عن الجريمة، ووصفته المرافعة بأنه «في أعلى الهرم والمشرف على مخطط جريمة الاغتيال».


وجديد الامس كان ما قاله الادعاء في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عن اجتماع عقد بين الرئيس رفيق الحريري والأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في حضور معاونه السياسي حسين خليل، وقد ربط الادعاء بين خليل ومصطفى بدر الدين.


وسيواصل الادعاء تقديم مرافعته الختامية في جلسة اليوم، بعدما شرح أمس بالتفاصيل عن مراقبة موكب الرئيس الشهيد رفيق الحريري وشراء الشاحنة التي استخدمت في عملية التفجير، واختطاف احمد ابو عدس وإعلان المسؤولية زوراً.

جلسة تشريعية

وفي ظل التعثر في ولادة الحكومة العتيدة، يتقدّم الحديث داخلياً عن التشريع، ويبدو انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري مصمّم فعلياً على الدعوة الى عقد جلسة تشريعية قبل نهاية الشهر الجاري. واعتبر بعض المتابعين أنّ هذا التصميم يعني ثلاثة امور:

ـ ان يكون آخر ايلول موعد حَضّ على تأليف الحكومة.

ـ مجرد ان يفكر رئيس المجلس بالدعوة الى جلسات تشريعية قبل التأليف، فذلك معناه انّ هناك خشية من ان تطول الازمة الحكومية اكثر ممّا هو متوقع.

ـ المشاركة في جلسة التشريع يُراد منها توجيه رسائل الى الخارج مفادها أنّ لبنان موجود حتى ولو أنّ الحكومة غير موجودة، وذلك لكي لا تغسل الدول المانحة يديها منه مثلما غسلت الولايات المتحدة الاميركية يديها من وكالة «الأونروا».

كنعان

وعن الدعوة الى جلسة تشريعية، شدّد رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان على ضرورة عدم التأخر في المشاركة فيها لعوامل ثلاثة:

ـ العامل الاول: المادة 69 من الدستور تقول انه «عند استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة يصبح مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة». فعندما يتحدث الدستور بنحو واضح ومباشر، لا يعود هناك مجال للاجتهاد، ونحن في وضعية الحكومة تُعتبر فيها مستقيلة بحكم إجراء الانتخابات النيابية وحكومة تصريف اعمال ونحن في دورة تشريعية. فبالتالي عندما يكون النص واضحاً ولا يجوز الاجتهاد فيه، والالتفاف السياسي على الدستور هو مخالفة دستورية. نحن امام نص واضح، والتشريع ليس فقط قانونياً ودستورياً، بل هو ملزم.

ـ العامل الثاني: اضافة الى العامل الدستوري هناك عامل الممارسة. عقدنا جلستين تشريعيتين لتشريع الضرورة، واحدة في تشرين الثاني 2015 والثانية في تشرين الاول 2016 وشاركَت فيها كل الكتل النيابية وكنّا في ظل حكومات مستقيلة.

ـ العامل الثالث: هل نحن امام واقع يجسّد المصلحة العليا للدولة للتشريع؟ هل نحن نشرّع قوانين لا نحتاجها؟ ام لدينا التزامات دولية ومالية يجب احترامها لكي لا نعرّض لبنان لضياع الفرص كمؤتمر «سيدر» وغيره؟ من هذا المنطلق مصلحة الدولة العليا تقتضي ايضاً السير في التشريع لأنّ القوانين المطروحة هي قوانين مالية مطلوبة».


ولدى سؤاله: هل انّ التشريع هو لملء الوقت الضائع وتأثيراته على مشاورات التأليف؟ اجاب كنعان: «لماذا نفكر بهذه الطريقة. هذه مؤسسات دستورية قائمة، والدستور ينظّم عملها ويجب ان تكون ناشطة. هل علينا تغييب كل المؤسسات اذا كانت مؤسسة من بينها غائبة؟ ما هذا المنطق؟».

حكومياً

وعلى الصعيد الحكومي لم يسجل اي جديد، لكن معلومات توافرت لـ«الجمهورية» أفادت انّ الرئيس المكلف سعد الحريري يقوم بمحاولات جدّية لإنتاج مخارج مقبولة بين كل الاطراف وذلك من الآن حتى نهاية الشهر، وهذه المحاولات تتضمن سيناريوهات عدة.


واكّد الحريري مساء امس انه مستمر في مساعيه وجهوده الدؤوبة لتشكيل الحكومة الجديدة، وقال: «على رغم من الاختلافات والتباينات بين الاطراف السياسية نحن نأمل، من خلال تعاطينا الهادىء والمسؤول مع جميع الاطراف وتَحلّينا بالصبر، أن نصل في النهاية الى تأليف الحكومة، والمباشرة في حل المشكلات التي تواجه البلد لأنه من دون التحلي بالصبر ومقاربة الامور بالحكمة لن نستطيع حل هذه المشكلات والنهوض بالبلد».

«التيار»

وقالت مصادر «التيار الوطني الحر» لـ«الجمهورية»: «نحن نرحّب بأي مبادرة في اتجاه تأمين إنتاج حكومة وفق معيار واحد يطبّق على الجميع، ويأخذ الانتخابات النيابية ونتائجها مرتكزاً اساسياً. نرحّب بإنتاج حكومة امس قبل اليوم، ونعتبر انّ سلامة العمل الحكومي للمرحلة المقبلة تقتضي ان يكون هنالك احترام كامل لنتائج لانتخابات النيابية، ونحن مع اي سيناريو يأخذ هذا الأمر في الاعتبار او يرتكز على هذا المعيار».

«التقدمي» ـ «التيار»

وعلى جبهة العلاقة المأزومة بين «التيار الوطني الحر» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» على خلفية القرارات المتبادلة بإزاحة موظفين محسوبين على الطرفين، لم يُرصَد أمس تدخّل أي وسيط للتخفيف من أجواء الاحتقان على خط بعبدا-المختارة، في ظل انقطاع جسور التواصل تماماً بينهما وتأكيد مطّلعين صعوبة زيارة جنبلاط لعون قريباً مثلما فعل في تموز الفائت في عزّ الأزمة الحكومية. ويراهن متابعون، في هذا السياق، على احتمال تدخّل المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم مجدداً بين الطرفين، كما فعل في مراحل سابقة.

«الإشتراكي»

وقالت مصادر الحزب التقدمي الإشتراكي لـ«الجمهورية»: «نحن أساساً لم نبحث يوماً عن افتعال سجال لا مع «التيار الوطني الحر» ولا مع سواه، والخطوات التي لطالما اتخذها النائب وليد جنبلاط لحماية الاستقرار والسلم الاهلي حتى ولو لم تكن شعبية في بعض المحطات معروفة للقاصي والداني، ولكن التجاوزات التي يرتكبها «التيار الوطني الحر» بدءاً من محاولة تقويض «اتفاق الطائف» والانقضاض عليه مروراً بمسألة الصلاحيات الرئاسية وصولاً الى حركة الانتقام الكيدي في الوزارات في سابقة غير مشهودة في تاريخ لبنان المعاصر، إضافة الى الادارة السيئة لمختلف الملفات الوطنية من غياب اي رؤية لمكافحة الفساد وصولاً الى الإصرار على الحل الأكثر كلفة والأقل استدامة في ملف الكهرباء مع ما يحوم حول ذلك من روائح صفقات، فضلاً عن اللغة الشتائمية والأسلوب التهويلي المعتمد لدى بعض مسؤولي «التيار» الذي عَفا عنه الزمن كل هذه العناوين تؤجّج السجال للأسف ولا تضع له حداً. وبات واضحاً ومعروفاً أنّ لجوء «التيار» ونوابه في استمرار الى لغة الشتائم والتهديد والوعيد مَردّه الى ضعف الحجة السياسية التي لا يملكونها، وبالتالي يدفعون في اتجاه هذا المنحى التصعيدي الخطير، ونحن بطبيعة الحال لن نتوانى عن الرد حيث يجب».