المؤشرات الاقتصادية تفيد بانهيار العملة الإيرانية مقابل الدولار بعد فرض العقوبات الأميركية حيث خسرت العملة الايرانية 70 في المائة من قدرتها الشرائية خلال الستة أشهر الماضية مما تسبب في غلاء جميع السلع المستوردة سوى تلك السلع المدعومة حكومياً.
ويبدو للوهلة الأولى أن تلك العقوبات سجلت ضربة قاسية للنظام وفعلاً قد يكون كذلك خاصة إذا تؤدي تلك العقوبات إلى انهيار اجتماعي وثم تعميم الفوضى قبل إسقاط النظام الذي يأمل ترامب بتحقيقه كنتيجة طبيعية لسياساته تجاه طهران.
ولكن بما أن الخير والشر هما مفهومان نسبيان، وكما يقول المثل السائد " مصائب قوم عند قوم فوائد " فإن العقوبات الأميركية ليست شر مطلق خاصة فيما يتعلق بالنظام الإيراني.
نعم الشعب يتضرر ويفقد يومياً قدرته الشرائية ويتكبد خسائر فادحة جراء سقوط العملة وغلاء الأسعار ولكن بقدر ما يخسر المواطن الإيراني فإن الحكومة تستفيد . كيف؟
إقرأ أيضا : المعاقبون الثلاثة ومصير إدلب
ان الحكومة كانت تبيع الدولار الواحد قبل 6 أشهر بأربعة آلاف ومائتين تومان والآن تبيعه بثلاثة عشر ألف توماناً أي بثلاثة أضعاف تقريباً.
كما أن راتب أستاد جامعي كان يعادل 1000 دولاراً الى قبل 6 أشهر وتراجع اليوم الى 350 دولارا. هذا التراجع يصب لمصلحة الحكومة ما يعني بأنها قادرة على تسديد الرواتب لموظفيها حتى إذا تراجع حجم صادراتها من النفط إلى الثلث، اي من مليونين و500 الف برميلا إلى 800 الف برميلا.
فضلاً عن أن هناك توقع بارتفاع أسعار النفط بحال تخفيض صادراتها بالرغم من ان المملكة العربية السعودية وروسيا ستغطيان الفراغ الناشئ من غياب النفط الإيراني. بطبيعة الحال ارتفاع أسعار النفط سيعوض جزءاً مما تخسره إيران من سوقها النفطية، هبوط العملة الإيرانية يجعلها قادرة على تسديد الرواتب وحتى الديون. ويقال أن الحكومة تديّن 7000 مليار توماناً للشركات وسوف تتمكن من تسديد جميع تلك الديون ببركة العقوبات الأميركية.
وهكذا يمكن القول بأن تلك العقوبات إذا لم تؤدِ إلى إسقاط النظام الإيراني كما هو المرجح والمتوقع، فإنها تؤدي إلى تقويته اقتصاديا على حساب الشعب حيث ان الترجمة الاقتصادية لتلك العقوبات على المستوى الداخلي هي عبارة عن إعفاء النظام من تسديد 70 في المائة من ديونها للشركات الداخلية وإتاحة فرصة له لبيع العملة الأجنبية بأسعار غالية جدا.
وسوف يخرج النظام - بحال عدم سقوطه- من أزمة العقوبات أكثر رشاقة وأناقة بفضل تخلصه من ديونه المتراكمة منذ عقود وخاصة خلال 10 سنوات الأخيرة التي لجأت فيها الحكومات إلى رفع الفوائد المصرفية على الودائع بغية لجم التضخم.
نعم هناك خسائر فادحة لإيران الشعب ولا النظام.
هل تؤدي تلك العقوبات إلى تراجع إيران عن مشاريعها الإقليمية لتحقق أهداف الرئيس ترامب من فرضها أم تشجع إيران على المزيد من التشدد بذريعة الخوف على كيانها؟