إن أقسى أنواع الظلم الاجتماعي هي الحرمان والإهمال والفقر ، وقد خبر أهل البقاع على مدى سنوات طويلة هذا الظلم ويتوارثونه من جيل إلى جيل وسط لا مبالاة رسمية وحزبية بل وسط إصرار بعض الاحزاب على إبقاء هذه المنطقة رهينة الإهمال والحرمان والتهميش لأن من بيدهم السلطة أمعنوا في ترك هذه المنطقة لمصيرها ومعاناتها وقد غابت عن قصد كل مشاريع الإنماء وما زالت المنطقة رهن الوعود التي مر عليها الزمان ولم تتحقق.
البقاعيون ما يزالوا يرفضون هذا الإهمال وشهدت المنطقة وما زالت العديد من التحركات المطلبية والعديد من النشاطات وعلى ما يبدو فإن الدائرة تتوسع باتجاه حركة نهضوية حقيقية وجدية .
وكانت مناسبة عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام وهي المناسبة الخالدة التي تحمل كل عناصر النهضة ومواجهة الفقر والإهمال والحرمان والسلطة الفاسدة والحاكم الظالم، هذه المناسبة استطاع البقاعيون أن يستلهموا منها روح الرفض والتحدي والإنتفاضة في وجه الحرمان فانطلقت بشكل واسع مبادرات جدية لمحاولة ترسيخ مفاهيم الثورة بين الجماهير الثورة على الظلم والإهمال والسلطة الفاسدة والأحزاب بما تشكله من قوى الأمر الواقع تلك الأحزاب التي أخفقت في معالجة أي من القضايا المطلبية والمعيشية في المنطقة.
عاشوراء اليوم في البقاع محطة تاريخية صوتها المدوي "بقاعنا محروم يا حسين" أطلقتها مجموعة من الناشطين لتوجيه الرأي العام نحو الاستفادة الحقيقية من عاشوراء وعنفوانها ونهضتها عاشوراء التي كانت وما زالت محطة للرفض والتعدي على الحقوق .
الكاتب والمحلل السياسي أحمد مطر تحدث عن هذه التظاهرة الجديدة مشيراً إلى أن " عاشوراء لدى عموم المسلمين تعتبر محل اهتمام لكثير من اصحاب الرؤى التحررية والاصلاحية عبر التاريخ وخصوصاً لما تمثله ثورة الإمام الحسين عليه السلام من ركائز أساسية ثابتة في مواجهة الفساد والإنحراف والظلم والحرمان. هذه الركائز التي وللأسف لم يتم التطرق او الاشارة اليها في المجالس "الحسينية " لأسباب عديدة لسنا في معرض الولوج اليها ما يهمنا هو استلهام الدروس والعبر من تلك الملحمة العظيمة التي جسدها الامام الحسين وصحبه واهل بيته على الرغم من الاختلال الواضح بموازين القوى بين الطرفين . الا انهم برغم قلة العدد وقفوا بكل شموخ واباء بوجه الظلم والطغيان والفساد . "
وأضاف مطر أن " إستلهام الدروس والعبر لا يتم من خلال إحياء مجالس النحيب والعويل والتحريض المذهبي ، بل من خلال التمسك بالقيم الاخلاقية والانسانية والدينية التي أرساها الامام الحسين اليس هو من قال : "إني لم أخرج أشرا ولا بطرا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق". وعندما طرحوا عليه الموافقة على مبايعة يزيد أليس هو من قال " خيرني الدعي ابن الدعي بين السلة والذلة فهيهات منا الذلة ". "
وقال : " نحن أبناء البقاع الموالون لآل البيت والذين نحيي كسائر أبناء المذهب الشيعي ليالي عاشوراء ومصاب الامام الحسين وصحبه واهل بيته ان نستذكر ايضاً عاشورائنا في العمل والمدرسة والمستشفى والكهرباء والماء الماء التي حرم منها الامام الحسين وصحبه واهل بيته . اليس المطلوب اليوم منا ان نتحول من رعايا مسيرين تابعين الى مواطنين احرار لنا حقوق وعلينا واجبات وبهذا نكون قد خطونا الخطوة الاولى في استلهام الدروس والعبر من ثورة الامام الحسين . وعلينا ان لانكتفي برفع الشعارات فحسب بل علينا السعي والمطالبة بكل جرأة لنيل حقوقنا التي هي حقوق تكفلها الشرائع السماوية والمواثيق الوضعية .حتى لايبقى بقاعنا محروم يا حسين ."
أما الناشط الاستاذ حسين مظلوم أبو عبدو فأشار إلى أن " أهداف هذه الحركة هي إحقاق ما خرج من أجله الامام الحسين عليه السلام ."
وقال مظلوم : "نحن نعمل من أجل تصحيح الخط والنهج بعد أن حولوا النهج الحسيني إلى نهش خاص لجيوب الأزلام. "
وأضاف مظلوم " نحن اليوم نريد أن نثور بوجه الظالم مثلما فعل الامام الحسين عليه السلام الذي ثار على يزيد وظلمه ونحن اليوم ضد يزيد العصر وهو الاحزاب، الاحزاب التي حولت الشيعة إلى أدوات في مشاريع سياسية فاشلة وتركتهم لمصيرهم من سوء المعيشة والحرمان والفقر . "
إن هذا التحول في منطقة البقاع كفيل بالتغيير فيما لو أحسن القيّمون عليه استخدام عاشوراء وأدبياتها منطلقاً جدياً باتجاه إطلاق تحرك مطلبي واسع وهو بدأ اليوم مع شعار "بقاعنا محروم يا حسين" .