تتجه أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة نحو مزيد من التعقيد، بعد دخول رئيس الجمهورية ميشال عون شخصيا على خطّ السجال القائم بين الأطراف السياسية، وتأكيده أن الحكومة لن تبصر النور ما لم تراع المعايير التي وضعها، عدا هجومه العنيف على منتقدي عهده، خصوصا الحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة الزعيم الدرزي النائب السابق وليد جنبلاط، الذي يواظب على وصف عهد عون بـ«الفاشل».
وتحول الصراعات السياسية دون نجاح المساعي الهادفة إلى تذليل العقبات التي تعترض الحكومة العتيدة، وأعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري، أن تعقيدات الحكومة لا تزال على حالها، ورأى أنه «لا داعي للتأخير أو التأجيل». وقال خلال لقاء الأربعاء النيابي: «كنت بادرت للمساعدة في الدفع باتجاه تشكيل ولادة الحكومة وما زلت مستعدا لبذل مزيد من الجهد في هذا الإطار». وعلّق بري على الصراع على الحقائب الأساسية، قائلا: «نحن اخترعنا وزارات سيادية وخدماتية ووازنة، لكن الوزارة السيادية الوحيدة في دول الخارج هي وزارة التخطيط كونها الوزارة المحورية».
وأكد الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري أن «هناك صيغة قدمت والرئيس طلب تعديلا عليها وأنا أعرف ما هو، ويجب مشاورة الجميع في هذا الإطار». وقال في دردشة مع الصحافيين: «لا يجب أن يشكل تأليف الحكومة تحديا بين الأفرقاء، بل علينا أن ننظر إلى البلد من باب التحديات الحياتية».
ولا يزال باب الاتهامات بين فريق رئيس الجمهورية والحزب التقدمي الاشتراكي مفتوحا على مصراعيه، ورأى وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني، أن «السجالات والمهاترات السياسية لا تخدم مصلحة البلد الذي يعاني سياسيا واقتصاديا»، معتبرا أن الرئيس عون «ليس شريكا في إخفاقات النظام اللبناني منذ ربع قرن حتى الآن». وفي ردّ مبطّن على مواقف قيادات الحزب الاشتراكي والمواظبة على وصف عهد عون بـ«الفاشل»، قال تويني لـ«الشرق الأوسط»: «عندما كانت الميليشيات تسرق البلد وتروّع الناس، كان الرئيس عون يدافع عن الدولة ومؤسساتها، ولم يدخل بإدارة الهدر والفساد وسياسة الاستدانة ولم يكن طرفا في السياسة الاقتصادية الفاشلة». وأضاف تويني وهو من فريق عون الوزاري: «اللبنانيون يعلمون من هو الفاشل فعلاً، ومن يسعى لإخراج البلد من الفشل المزمن وتقويم الاعوجاج في المؤسسات والإدارات».
وعن ارتدادات كلام عون على الوضع الحكومي، شدد وزير شؤون مكافحة الفساد، على أن «كلام رئيس الجمهورية الأخير لا يعني أنه طرف في السجالات القائمة، لكنه أراد تصويب الأمور، والتحذير من تعميم مزاعم الفشل». ودعا متهمي العهد إلى «فتح ملفات التاريخ الكفيلة بإدانة الفاشلين»، مستبعدا أن تؤدي هذه السجالات إلى تقويض جهود تشكيل الحكومة، ورأى تويني أن «غاية السجالات محاولة بعض الأطراف السطو على أكبر حصّة في الحكومة وفي السلطة».
ومع تصاعد وتيرة التراشق الإعلامي في الأيام القليلة الماضية، بات احتواء الأزمة أكثر صعوبة، خصوصا بعد إعفاء موظفين كبيرين في وزارة البيئة ومؤسسة كهرباء لبنان محسوبين على الحزب الاشتراكي من مهامهما الوظيفية، كردّ انتقامي على القرار الذي اتخذه وزير التربية مروان حمادة بإعفاء موظفة تابعة للتيار الوطني الحرّ من وظيفة تشغلها بالوكالة، وتلويح التيّار العوني بخطوات أشدّ قسوة، ردا على إجراء عقابي يطال أحد المحسوبين عليه في أي إدارة رسمية.
من جهته، رأى أمين السر العام في الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر، أن «من يتحمّل وصول الوضع السياسي إلى هذا الدرك، هي الذهنية (الداعشية) التي تقود الأمور في هذا العهد». وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «كنا نعتقد أن (داعش) يعبّر عن نمط إجرامي معين، لكن أثبتت الممارسة الأخيرة أن (الداعشية) هي ذهنية موجودة في السلطة وتمارس العمل السياسي في لبنان».
وردا على هجوم الرئيس عون على واصفي عهده بـ«الفاشل» وقول الأخير «حرام على عقولهم»، سأل ناصر: «أي نجاح حققه العهد على مدى عامين حتى لا نقول إنه ليس فاشلاً؟»، مشيرا إلى «الانحدار السريع سياسيا واقتصاديا وسياحيا، عدا الخطر الذي يهدد الليرة اللبنانية، ولا يمكن السكوت عنه»، مؤكدا أن «الممارسة السياسية لهذا العهد تجعلنا نترحّم على عهد (الرئيس اللبناني الأسبق) إميل لحود». وشدد ظافر ناصر على أن «الخلاف مع العهد وفريقه غير مرتبط بالسجال الأخير، وبإقالة بعض الموظفين، بل مرتبط بالذهنية العبثية التي تقود البلاد إلى الخراب»، معتبرا أن «مستقبل لبنان في خطر حقيقي، ومصالح اللبنانيين مهددة الآن، بسبب هذه الممارسات، وكأن هذا العهد لا يتعظ من تجارب من سبقه، وهذا ما يثبت مقولة إن السلطة غبية».