في أوّل إشارة عن الوضع الحكومي، وهو يقترب من ختام شهره الرابع، بعد عودته إلى بيروت آتياً من لاهاي، حيث حضر جلسات اليوم الأوّل من المرافعات الختامية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تحدث الرئيس المكلف سعد الحريري عن «حلحلة» في الموضوع الحكومي، وأنه قد آن الأوان لأن نصل إلى الخلاص.
واعتبر بالتزامن مع كلام نقل عن الرئيس نبيه برّي بأنه لا يجوز الاستمرار في حال الترف في تأليف الحكومة، في ظل الأوضاع الاقتصادية، انه «يجب ان لا يوضع تشكيل الحكومة كتحدٍ بين الأفرقاء، بل علينا النظر للتحديات الاقتصادية والاجتماعية والإقليمية التي تواجهنا».
وإذا كان الرئيس الحريري بعث من لاهاي برسالة تطمين حول حرصه الأكيد على الاستقرار في لبنان، وسعيه الدؤوب للحفاظ عليه، وانه لم يسعَ يوماً للثأر، «فالرئيس الحريري سقط وشهداء 14 آذار لحماية لبنان لا لخراب لبنان»، فإن أوساط حزب الله، تبرئ الرئيس المكلف من «اللعب بالنار»، لكن «المعلومات التي وصلت للحزب ولجهات سياسية موازنة تُشير إلى رهان حقيقي على استخدام اتهامات المحكمة رسمياً لشخصيات من الحزب لخضّ الشارع اللبناني، وافتعال أزمة «سنية - شيعية»، على المستويين السياسي والشعبي مع كل ما يترتب عليها من تأخير في ملف تشكيل الحكومة»..
ومن ضمن المعلومات، فإن ثمة جهات خارج لبنان تعمل «لتضييق الخناق على لبنان وحزب الله، والبنوك التي تتعامل مع رجال الاعمال الشيعة بشكل خاص، بما يؤدي لتراجع قيمة الليرة اللبنانية امام الدولار، والعملات الاجنبية».
سياسياً، وعلى وقع «الثأر الوظيفي» بين «التيار الوطني الحر» والحزب التقدمي الاشتراكي، والذي يطال موظفين، ذنبهم الوحيد انتماؤهم الطائفي، وصفت المصادر العونية (O.T.V) رئيس حزب «القوات اللبنانية» بـ«حصان طروادة» الذي يعمل على «نحر الرئيس القوي» باسم وكلائه الخارجيين، متهماً اياه بتعطيل الحكومة «لصالح إرادة الخارج».
حركة مشاورات
وكانت عودة الرئيس الحريري من لاهاي، بعد ان حضر جزءاً من المرافعات الختامية للادعاء في غرفة الدرجة الأولى للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، قد حركت مشاورات تأليف الحكومة العتيدة، وشهد «بيت الوسط» حركة لافتة على هذا الصعيد، بقيت وقائعها بعيدة من الإعلام، فيما اعرب الحريري نفسه عن اعتقاده بوجوب حلحلة بالنسبة للعقد التي تحول دون تشكيل الحكومة، لم يفصح عن طبيعتها، وان كان أكّد انه «آن الأوان لأن نصل إلى الخلاص»، وان «لا يوضع موضوع تشكيل الحكومة كتحد بين الافرقاء، بل يجب النظر إلى التحدي الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وإلى جميع التحديات الإقليمية التي تواجهنا، باعتبارها هي الأساس، اما توزيع الحقائب فهو أمر تفصيلي».
وأكّد الحريري في دردشة مع الصحافيين، قبل ترؤسه اجتماع كتلة «المستقبل» النيابية الحاجة إلى بعض التعديلات في شأن الصيغة التي قدمها للرئيس ميشال عون مطلع الأسبوع الماضي، لافتاً إلى انه سيتابع المشاورات مع الرئيس عون بعد عودته من السفر، ومع الجميع، مكرراً التأكيد بأن مجلس النواب هو الذي يجب ان يقرر أمر ضرورة ان تحترم الصيغة الحكومية نتائج الانتخابات، نافياً ان يكون الرئيس عون في وارد إرسال رسالة إلى المجلس النيابي لحضه على تشكيل الحكومة، معتبراً ان هذا الأمر لم يعد يثار حالياً، بعد ان تمّ الحديث عنه منذ فترة، مشدداً على ان الدستور واضح بالنسبة لعدم إعطاء الرئيس المكلف مهلة لتأليف الحكومة، خلافاً لما قاله الرئيس حسين الحسيني، لافتاً إلى ان الدستور يعطي مهلة بالنسبة إلى البيان الوزاري، من أجل نيل الحكومة الثقة، لكن تشكيلها أمر آخر.
كتلة «المستقبل»
اما كتلة «المستقبل»، فقد أكدت في بيانها على «اعتبار الصيغة التي تقدّم بها الرئيس المكلف إلى رئيس الجمهورية هي صيغة متوازنة، تشكّل قاعدة للحوار والتشاور لما يجب ان تؤول إليه التشكيلة النهائية».
وقالت «ان أبواب الرئيس المكلف في ضوء ذلك ستكون مفتوحة على كافة وجهات النظر والاقتراحات التي تتقدّم بها الأطراف السياسية المعنية»، مشيرة إلى انه «خلاف ذلك سيبقى الدوران في الحلقة المفرغة قائماً، وستتحمل كافة القيادات السياسية مسؤولية الذهاب إلى الفراغ وجني نتائجه السلبية على الاستقرار».
ورأت أن «الغلو في طرح المعايير والمطالب المتبادلة لن يفتح الأبواب امام تشكيل حكومة متوازنة، سيما وان الدستور واضح في تحديد آليات التأليف وإصدار المراسيم، وهو لم يأت لا من قريب أو من بعيد على ذكر أية معايير سياسية وعمليات حسابية».
وفي مجال آخر، أعلنت الكتلة عن «تأييدها للموقف الذي أدلى به الرئيس الحريري امام مقر المحكمة في لاهاي. ورأت فيه موقفاً حكيماً ومسؤولاً يرقى لمستوى الجهود التي يبذلها في سبيل لبنان وحمايته من أعاصير الفتن والحروب التي هبت على المنطقة».
وقال عضو كتلة «المستقبل» الدكتور عاصم عراجي لـ«اللواء» ان الرئيس الحريري ابلغ المعنيين انه لن يشكل الا حكومة وفاق وطني ووحدة وطنية، لذلك لن يشكل حكومة من دون الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية.
واعتبر عراجي ان مواقف الرئيس الحريري في لاهاي بالنسبة لحزب الله، تؤكد حرصه على لملمة الوضع الداخلي وحفظ الاستقرار وتشكيل حكومة لا تستبعد اي طرف.
واشار عراجي الى ان الامر يتطلب بعض الوقت لانهاء المشاورات. خاصة مع تمسك الاطراف كل بمطالبه. لكن الوضع الاقتصادي لم يعد يحتمل.خاصة وضع المزارعين والصناعيين المتوقف تصريف انتاجهم بسبب اقغال المعابر من سوريا الى دول الخليج.
 
 
 
برّي
ومن جهته، كشف رئيس المجلس النيابي نبيه برّي ان الأمور بالنسبة إلى الحكومة ما زالت على حالها، مؤكداً أن «لا مبرر على الإطلاق للتأجيل او التأخير، ولا نستطيع ان نعيش حالة الترف في تأليف الحكومة نظرا الى الأوضاع التي بات يعرفها الجميع خصوصا بالنسبة للوضع الإقتصادي».
وأشار خلال لقاء الاربعاء النيابي» الى انه كان بادر للمساعدة في الدفع باتجاه ولادة الحكومة وهو ما زال مستعدا لبذل المزيد من الجهد في هذا الإطار».
وفي موضوع المطار نقل النواب عن بري انه لا يستغرب ان يكون بعض ما حصل هو مفتعل، «وان ما يحصل من معالجات اليوم في المطار هو نوع من المهدئات، والمعالجة الحقيقية تعيين الهيئة الناظمة وتطبيق القوانين».
وخلال «اللقاء» طالب النائب علي عمار باستحداث وزارة للتخطيط، فرد الرئيس بري بالقول: «في لبنان استحدثوا تسميات وزارات سيادية ووزارات خدماتية ووزارات عادية، بينما في بلدان العالم هناك وزارة خدماتية واحدة هي وزارة التخطيط لكونها الوزارة المحورية».
وأكد أحد النواب ان الرئيس برّي بصدد الدعوة إلى جلسة تشريعية قبل نهاية الشهر الحالي إذا بقي الوضع الحكومي على حاله.
عون
وفي مجال آخر، عاد الرئيس عون مساء أمس إلى بيروت من زيارة استمرت ثلاثة أيام إلى ستراسبورغ، ألقى خلالها كلمة امام البرلمان الأوروبي وأجرى مجموعة لقاءات مع رئيس البرلمان انطونيو طاياني، ومفوض شؤون سياسة الجوار، في الاتحاد الأوروبي يوهانس هاف ومفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد فيدريكا موغريني، تمحورت جميعها على موضوع النازحين السوريين والقرار الأميركي في شأن وقف تمويل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».
وكان الرئيس عون أكّد في كلمته امام البرلمان الأوروبي ان لبنان يسعى إلى تأمين العودة الكريمة والآمنة للنازحين إلى ديارهم ويرفض أي مماطلة في هذا الشأن ويؤيد كل دعم لحل مسألة النزوح السوري إلى أراضيه، على غرار المبادرة الروسية، ويرفض ربطها بالحل السياسي الذي قد يطول امده.
وأكّد عون، خلال لقائه موغريني على ان عودة النازحين أصبحت ضرورية بالنسبة إلى لبنان، لا سيما وان مجموعات منهم تغادر تدريجياً إلى المناطق المستقرة في سوريا، وهناك مجموعات أخرى تستعد أيضاً للمغادرة، فيما لفتت موغريني إلى ان الاتحاد الأوروبي يتعاطى مع ملف عودة النازحين بروية ريثما يتضح المشهد العسكري في سوريا، وكشفت ان اجتماعاً اوروبياً سيعقد على المستوى الوزاري، على هامش انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك يخصص للبحث في مسألة عودة النازحين، متمنية على الرئيس عون ان يُشارك لبنان في هذا المؤتمر الذي ستحضره أيضاً دول معنية سبق ان شاركت في اجتماع بروكسل، بحيث يكون استكمالاً لها.
ثم اثار عون موضوع وقف تمويل «الأونروا» متخوفاً من ان يكون ذلك مقدمة للتوطين، فاعتبرت موغريني انه يُشكّل عاملاً خطيراً بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، كاشفة بأن الاتحاد الأوروبي قرّر رفع مساهمته في موازنة «الأونروا» وكذلك الدول الأوروبية.
لجنة النازحين
وكان موضوع عودة النازحين السوريين، قد حضر في لقاء الرئيس الحريري مع السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسبكين الذي كشف بأن الحريري أبلغه عن تعيين لبنان لأعضاء اللجنة المشتركة الروسية - اللبنانية في هذا الشأن.
وتضم اللجنة، بحسب المعلومات، مستشار الرئيس الحريري للشؤون الروسية جورج شعبان، النائب السابق أمل أبو زيد ممثلاً وزارة الخارجية، إضافة إلى ممثّل عن وزارة الدفاع والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.
اما اللجنة الثلاثية اللبنانية - الروسية - السورية فتضم عن لبنان امنيين فقط برئاسة اللواء إبراهيم.
وأوضح الحريري للصحافيين ان اللجنة التي تحدث عنها زاسبكين هي من أجل المتابعة والتنسق مع الجانب الروسي حصراً، اما اللجنة الأمنية فستكون أمنية بحتة، ولم يتم تشكيلها بعد وستتألف من الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام.
المحكمة الدولية
إلى ذلك، شكلت المواقف التي اعلنها الرئيس الحريري في لاهاي من موضوع محاكمة المتهمين الأربعة باغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري بعدما أكّدت المذكرة الختامية للادعاء امام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بأنهم ينتمون لحزب الله، وان للجريمة ابعاداً سياسية تتصل بالنزاع الذي كان قائماً مع النظام السوري في حينه، موضع تنويه واشادة من جانب فريق كبير من اللبنانيين وامتعاض من جانب آخر.
وعندما سئل الحريري، أمس، عن هذا الموضوع، اجاب: «من اغتال رفيق الحريري سيدفع الثمن عاجلاً أم آجلاً في النهاية، المهم البلد، نحن نريد اكمال مسيرة رفيق الحريري وفي نفس الوقت نحن نعي التحديات، العدالة هي العدالة».
وبالنسبة إلى الاختلاف في وجهات النظر، قال: «هناك انقسام فماذا نفعل؟ هل نخرب البلد أو نعمل على المحافظة عليه؟ هناك أشخاص يريدون خراب البلد وغيرهم يريدون إصلاحه واستقراره، وأنا من الأشخاص الذين يسعون لاستقرار البلد ومجرد معرفة الحقيقة هو مدخل العدالة».
ولفت إلى ان المحكمة اتبعت حرفية كبيرة جداًِ في عملها، وهي واقع يجب على الجميع أن يتعامل معها».
وكانت المحكمة استكملت أمس ولليوم الثاني جلسات المرافعة الأخيرة في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وعرض الادعاء أدلة اسناد الهواتف الى المتهمين حسين عنيسي وأسد صبرا وحسن مرعي.
وكان تركيز الادعاء خلال الجلستين على حركة اتصالات المتهمين من ايلول 2004 الى 14 شباط 2005 يوم اغتيال الرئيس الحريري، وقسم خطوط الهواتف حسب الالوان. كما ركز على النقاط الجغرافية التي تواجد فيها المتهمون.
والبارز في جلسة بعد الظهر، ان الادعاء ربط بين توقيت «اطفاء» هواتف مرعي الثلاثة في فترة «اختطاف» ابو عدس في 16 كانون الثاني 2005، وكذلك هواتف عنيسي وصبرا»، مؤكدا ان هواتفهم كانت غير مشغلة في الوقت الذي اختفى فيه ابو عدس». واشار الى توقف هذه الشبكات والاتصالات بعد 14 شباط 2005 تاريخ اغتيال الحريري.
وكانت جلسة امس الأول استهلت بمرافعة الاتهام قبل أن يتحدث ممثلو الضحايا ثم الدفاع. وكانت البداية لفريق الادعاء الذي تمسك بقوة بالأدلة التي تعتمد على بيانات الاتصالات الهاتفية والرابطة التي تجمع المتهمين من خلال صلتهم بـ«حزب الله» اللبناني.
والمرافعات الختامية، هي ملاحظات شفهية يدلي بها كل من الفريقين، أي الادعاء والدفاع والممثلين القانونيين عن المتضررين، أمام غرفة الدرجة الأولى في المحكمة، كما أكدت المتحدثة باسم المحكمة وجد رمضان مشيرة إلى أن «كل فريق يقدم تقييمه للأدلة والشهادات التي تقدمت وتم قبولها خلال فترة المحاكمة التي دامت أربع سنوات، وكل فريق يتحدث عن الأسباب التي تبرر النطق بالحكم لصالحه».
وأشارت رمضان إلى أن حضور الحريري في المحكمة، أمس، جاء بصفته متضرراً مشاركاً في إجراءات المحاكمة، لكن حضوره «أعطى زخماً واهتماماً إعلامياً أكبر».
وسيستمر سماع المرافعات الختامية حتى 21 أيلول، ومن المتوقع ان يبدأ الدفاع مرافعاته غداً الجمعة، ولم يُحدّد موعد النطق بالحكم، لكن من المتوقع ان يكون في العام المقبل.