للوهلة الأولى قد يكون العنوان فيه من الغرابة الكثير، وقد يقول قائل أن السيف سبق العذل ولا يمكن لحزب الله الإقدام على خطوة من هذا النوع، بالخصوص أن ما هو معروف عن حزب الله بأنه تنظيم حديدي وعنده هيكيلة تنظيمية ممسوكة بإحكام مطبق بحيث يتحول الكلام عن "تفرد" أو ما يسمى بـ "العمل الفردي" هو مجرد هروب إلى الأمام بدون أي مسوّغ واقعي وحقيقي.
هذه المقدّمة قد تشكل قاعدة سليمة لا غبار عليها، إلا وأن لكل قاعدة إستثناء، ونعم كان ذو الفقار (مصطفى بدر الدين) هو إستثناء لهذه القاعدة، وهذا معروف ومسلّم به تسليماً عند كل العارفين أو المقرّبين من بيئة الحزب، وأنا هنا وإن كنت لست بوارد من يرمي طوق نجاة لحزب الله، إلا بمقدار ما يستفيد من هذا الطوق كل الوطن.
فالحديث الآن عن إمكانية "تفرّد" مصطفى بدر الدين، وتورطه (إذا صح) بإغتيال الشهيد رفيق الحريري من دون الرجوع إلى قيادة الحزب، هو أمر وارد جداً وإن كان مستهجناً إلا عند العارفين أو عند من يسمع أخبار وروايات تنقل عن شخصية ذو الفقار.
إقرأ أيضًا: بعد ذو الفقار: الان تحرر نصرالله
أنا لا أدّعي إطلاعي على شخصية بدر الدين، ولكن ما أسمعه من كثيرين دفعني إلى كتابة مقال بعنوان (بعد ذو الفقار: الآن تحرر نصرالله) بعد ثلاثة أيام من إعلان مقتله بالطريقة التي قتل فيها وما رافق ذلك من جدال حول حقيقة وفاته وصولاً إلى الغموض الذي لفّ الحادثة وما قيل يومها عن تحقيق لم تُعلن نتائجه حتى اللحظة!
الآن ومع إختتام أعمال المحكمة الدولية، وقبيل النطق النهائي بالقرار القضائي وما يمكن أن يترتب على ذلك من ردات فعل لا يعرف إلا الله تبعاتها، وما يمكن للمتربصين بالحزب أن يستثمروا في هذا القرار الختامي (هنا يمكن الحديث عن التسييس وليس بمجريات المحكمة) وهذا أمر أكثر من بديهي ولا يحتاج إلى أي نقاش.
إن موقف سعد الحريري من أمام المحكمة في لاهاي منذ يومين، كان موقفاً متقدماً جداً وينم عن حسّ رفيع بالمسؤولية وشعور كبير بالمحافظة على ما تبقى من هذا الوطن المتهالك بكل أنواع الأزمات، وعلى حزب الله أن يلاقيه في منتصف الطريق وهذا يحتاج إلى فائض من المسؤولية وليس فائض من القوة، والممر الإجباري لهذا التلاقي الضروري والتاريخي هو التبرء الرسمي والعلني من مصطفى بدر الدين، واعتبار أن ما يُنسب إليه من فعل جرمي هو تصرف فردي يستنكره الحزب ولا يرضى به، فهل يفعلها الحزب؟