كل الأنظار تتجه اليوم الى دار الفتوى في بيروت والى القرار الذي سيتخذه مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان تجاه مفتي طرابلس الشيخ مالك الشعار في اليوم الأخير من ولايته، لجهة التمديد أو عدمه، أو تجاه تكليفه تصريف أعمال الافتاء أو صرف النظر عن ذلك، أو تطبيق القانون الذي ينهي حقبة الشعار لمصلحة أمين الفتوى الى حين إجراء الانتخابات التي لا يوجد سبب وجيه لعدم إجرائها أو تأجيلها، خصوصا أن الهيئة الناخبة لا تتعدى المئة وخمسين شخصا.
كل الآمال معلقة اليوم على قرار المفتي دريان، في أن لا يكون سببا في إحداث شرخ ضمن الطائفة السنية ومؤسستها الدينية، أو أن يتسبب في زعزعة الموقف السياسي السني الذي توحد مؤخرا على قضية صلاحيات رئيس الحكومة ما أعطى قوة وحضورا للطائفة ككل، وأن يتماشى قراره مع رغبة السواد الأعظم من القيادات السنية سياسيين ومشايخ وأئمة وعلماء وقضاة بتطبيق القانون، وعدم إدخال المؤسسة الدينية في متاهات التمديد أو وضعها تحت الوصاية السياسية، وقد ترجم ذلك أمس بحسب المعلومات بسيل من الاتصالات والرسائل الخطية والشفهية التي تلقاها المفتي دريان من قيادات مختلفة من طرابلس وبيروت تمنت عليه تطبيق الأنظمة والقوانين والمحافظة على المهل في الاستحقاقات الانتخابية للمفتين والمجالس الوقفية والشرعية لما لها من أثر إيجابي على المستويات الدينية والسياسية والاجتماعية.
كانت واضحة أمس رسالة أعضاء المجلس الاسلامي الشرعي الأعلى في طرابلس والشمال التي حرصوا على توجيهها الى صاحب السماحة ورفضوا فيها التمديد للشعار، وتمنوا عليه الحؤول دون إتخاذ أي قرار من شأنه إضعاف مقام دار الفتوى، وهي رسالة تعبر عن الجو العام في طرابلس والشمال بل وكل لبنان خصوصا أن هذه الرسالة وجدت أصداء إيجابية لدى عدد من أعضاء المجلس الشرعي في بيروت وصيدا الذين وجهوا رسائل وكتب مشابهة الى المفتي دريان تتبنى نفس المطالب وتحثه على أن يأخذها بعين الاعتبار..
هذا بالاضافة الى كثير من المرجعيات السنية ورؤساء هيئة العلماء المسلمين الذين صبت مواقفهم جميعا في إتجاه رفض التمديد ودعوة المفتي دريان الى أن يكون على مستوى التحديات في أن يحفظ المؤسسة الأم من التداعيات وأن يحمي مقام المفتي بشكل عام من السهام السياسية والدينية.
يمكن القول أن الكرة اليوم باتت في ملعب المفتي دريان، وأن القرار الذي سيتخذه من المفترض أن يتحمل مسؤوليته في القادم من الأيام، خصوصا أن القانون واضح، فالتمديد للمفتي الشعار من دون حصول دريان على تفويض من المجلس الاسلامي الشرعي الأعلى من شأنه أن يدفع كل المتضررين منه الى الطعن به أمام مجلس شورى الدولة، أما تصريف الأعمال فهي بدعة جديدة، لا أساس لها في القانون، حيث تنص المادة 27 من المرسوم الاشتراعي رقم 18/1955 على أنه عندما تنتهي ولاية المفتي ببلوغه السن القانونية يتولى أمين الفتوى مهمة قائمقام الافتاء، وبالتالي فإن قرار تصريف الأعمال من شأنه أيضا أن يتعرض للطعن، وهذا أمر تراه بعض المرجعيات السنية من “الكبائر” أولا لجهة الطعن بقرار المفتي الأكبر في لبنان ما يسيء الى مقامه، وثانيا فتح الباب أمام أعضاء مجلس الشورى من الطوائف والمذاهب الأخرى بالتدخل في قضية دينية بحتة تخص مقامات الطائفة السنية وهو أمر غير مقبول بالنسبة لها.
وتشير بعض المصادر المطلعة الى أن الطائفة السنية بكاملها أمام محطة مفصلية، خصوصا أنه إذا إتخذ المفتي دريان قرارا بالتمديد للشعار أو بتصريف الأعمال فإن تداعيات كبيرة سوف ترخي بثقلها على الواقع السني لجهة:
أولا: يكون المفتي دريان قد خضع لضغوطات الرئيس سعد الحريري، وخالف توجهات قيادات سنية أخرى، علما أن ثمة توافقا بين رؤساء الحكومات على عدم الضغط على مفتي الجمهورية ما سيؤدي الى زعزعة التفاهم القائم بينهم.
ثانيا: هذا الضغط على المفتي دريان سيجعل علاقته تسوء أكثر فأكثر بالشعار الذي سوف يعتبر بأن الرئيس الحريري هو من قدم له التمديد ولا فضل للمفتي دريان فيه، علما أن العلاقة بين المفتيين هي بالأساس سيئة وهذا أمر ينعكس سلبا على كل حركة الافتاء والمشايخ في طرابلس والذين سيجدوا أنفسهم أمام أزمة جديدة.
ثالثا: سيكون لزاما على المفتي الشعار أن يرد الجميل للرئيس الحريري، ما سيجعله أكثر إرتهانا له، الأمر الذي قد يدفع القيادات السنية الأخرى الى مقاطعته أو الى عدم الاعتراف به.
رابعا: تعريض مقام الافتاء في طرابلس وربما مقام مفتي الجمهورية الى كثير من الانتقادات التي قد تتحول الى أكثر من ذلك في ظل الفلتان القائم على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي سيفقد هذه المقامات هيبتها.
أمام هذا الواقع ترى المصادر أن تطبيق القانون هو المخرج الوحيد أمام المفتي دريان، لأن الأمر بات يتعلق بالمقامات الدينية وحضورها وهيبتها، بالتزامن مع إستنفار إسلامي ـ سني غير مسبوق مدعوم من المجتمع المدني رفضا للتمديد أو تصريف الأعمال..