عامٌ مرّ على فرض الضرائب التجويعية على اللبنانيين، وبورصة أسعار السلع والخدمات الاساسية تستمر بالارتفاع، بالتزامن مع صمتٍ مدوٍ في الأوساط الشعبية، وكأن مرارة العيش الكريم الذي ما عاد يعرف المواطن إليه سبيلاً قد خدّرته، حتى بات يتلقى الصفعات المادية والمعيشية واحدةً تلو الأخرى من دون تسجيل أي عتب على دولةٍ أصبح مواطنوها على يقين بأن مساءلتها ضربٌ في ميت.
الضرائب فُرضت، وسلسلة الرتب والرواتب أقِرت... فلماذا الاستمرار بارتفاع الأسعار، الذي سجّل بحسب تقرير لجمعية المستهلك 4.75 في المئة خلال الفصل الثاني من العام 2018 بالمقارنة مع الفصل الثاني من العام الماضي. وعلى سبيل المثال لا الحصر ارتفعت اسعار الفاكهة 6 في المئة، والألبان والأجبان 3 في المئة، والمعلبات والحبوب 5 في المئة والمحروقات 22 في المئة.
وعزت جمعية المستهلك في تقريرها هذا الارتفاع، لسببين "سوء الادارة في سلسلة الرتب والرواتب، والهندسات المالية للمصرف المركزي بالتعاون مع المصارف التجارية".
يوافق الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة على الشق الأول من الأسباب التي أبرزتها الجمعية، ويوضح لـ"ليبانون ديبايت" كيف تحولت سلسلة الرتب والرواتب من حق إلى لعنة تلاحق لقمة عيش المواطن بسبب سوء تقدير وتدبير الدولة اللبنانية.
فيرى عجاقة أن الخطأ الأول الذي أدى الى ارتفاع اسعار السلع والخدمات، هو الخطأ الحاصل في تمويل سلسلة الرتب والرواتب، فقدّرت الدولة قيمة السلسة بـ 1200 مليار ل.ل وتبين لاحقاً أن قيمتها تساوي 1900 مليار ل.ل، والسلة الضريبية التي فرضتها على المواطن لم تؤمن حتى الـ1200 مليار، فاضطرت الدولة للاستدانة من خارج الماكينة الاقتصادية، أي من سندات الخزينة الموجودة لدى مصرف لبنان، فزادت بهذه الاستدانة الكتلة النقدية 3 في المئة، (من حزيران 2017 إلى حزيران 2018) وبالتالي زاد التضخم الذي ترتفع مع زيادته الأسعار ما يقارب الـ 3 في المئة أيضاً.
أما السبب الثاني برأي عجاقة فهو ارتفاع اسعار النفط بشكل كبير، وبما أن المحروقات تدخل في صناعة وانتاج أكثر من 95 في المئة من السلع والخدمات، أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع بشكل مباشر وزاد معها التضخم من 3 إلى 4 في المئة أيضاً.
لنصبح أمام تضخم يصل إلى 7 في المئة، علماً أن المعايير العالمية تمنع النظم من تخطي التضخم نسبة الـ3 في المئة. وتقبل النظرية الاقتصادية بأن يصل التضخم إلى 4 أو 5 في المئة إذا كانت نسب النمو الاقتصادي تلامس الـ7 و8 في المئة، بينما النمو الاقتصادي في لبنان لا يتخطى الـ1 في المئة.
وعن السبب الثاني الذي شمله تقرير جمعية المستهلك، يتأسف عجاقة للتعرّض للهندسات المالية التي يقوم بها مصرف لبنان من "جهات تجهل ماهية هذه الهندسات، وتفاصيلها المعقدة". ويقول في حال كان رفع الفوائد سبباً لزج هذه السياسات بارتفاع أسعار السلع والخدمات: فـ"إن دور المصرف المركزي هو حماية الليرة وفي ظل التضخم العالي لا يستطيع مصرف لبنان الاكتفاء بالتفرج، لأن هذا التضخم يؤثر على الليرة، فاضطر لرفع الفوائد لسببين أولهما ارتفاع الفائدة في الولايات المتحدة الاميركية، ولامتصاص السيولة العالية الناتجة عن السلسة"، وهو الأمر الذي يجبر الناس على تخفيف استهلاكهم، فيخف الطلب، تنخفض الاسعار وبالتالي التضخم.
ويحذر عجاقة من الأسوأ، واستمرار الارتفاع بأسعار السلع والخدمات، إذا لم تتشكل الحكومة وتتخذ فوراً قرارات اقتصادية جريئة، وتباشر بتنفيذ مشاريع سيدر، مع ضرورة لجم الانفاق في الموازنة العامة، لوقف الاستدانة من خارج الماكينة الاقتصادية، متوقعاً ارتفاعاً صاروخياً بأسعار النفط في حال توجيه أميركا أي ضربة لايران.
إذا هو الأعظم في انتظار اللبناني الذي دخل اقتصاد بلاده في المحظور، وباتت لقمة عيشه على المحك... الذي لن تنفع من بعد سقوطها حفلات الندب والبكاء... فهل من صرخةٍ شعبية مدوية تنهي فصول حربٍ اقتصادية نعيشها منذ أكثر من 28 سنة ؟؟!!