قالت مراجع سياسية مواكبة للتطورات الداخلية والاقليمية لـ"الجمهورية" أمس انّ موضوع إدلب حساس جداً، وانّ اللافت فيه كان ما صدر عن الامم المتحدة امس من تحذير ممّا سمّته "مأساة إنسانية" في حال اندلعت الحرب هناك. وربطت هذه المراجع بين هذا التحذير الأممي وبين تغريدة الرئيس الاميركي دونالد ترامب الأخيرة بهذا المعنى. وأبدت خشيتها من "ان تكون الاوضاع متجهة نحو تطورات دراماتيكية خطيرة". واشارت الى انّ مراجع لبنانية مسؤولة باتت تملك معطيات مصدرها بعض عواصم القرار الكبرى، ومفادها انّ موسكو "اقتربت من تحديد الساعة الصفر لإطلاق العملية العسكرية الكبرى في إدلب".
وحذّرت هذه المراجع من "انّ هذه المسألة لن تكون تداعياتها ونتائجها منحصرة بالساحة السورية". ودعت الى رصد ردود الفعل الاميركية والغربية والاسرائيلية، وقالت: "المنطقة في قلب النار".
وفي ضوء هذه التطورات أكد مرجع لـ"الجمهورية": "انّ على لبنان ان يشكّل حكومته في اقرب وقت ليس لينأى بنفسه فقط عن نزاعات المنطقة، بل لينأى بنفسه عن نار المنطقة".
ملف التأليف
على الصعيد الحكومي لم تتلمّس الأزمة الحكومية طريقها إلى الانفراج بعد، على رغم من مضيّ زهاء 110 أيّام على تكليف الحريري تأليف الحكومة الجديدة. وأكد مرجع سياسي لـ"الجمهورية" "انّ الجو الخارجي هو المعطل فعلاً لتأليف الحكومة، في الوقت الذي بلغت الاتصالات الداخلية مرحلة متقدمة من التوافق في هذا الصدد". وقال: "لا احد يقنعنا بأنّ عقدة توزير هذه الفئة او تلك هي ما يعطّل تأليف الحكومة، إنّ الخارج ليس بريئاً من "دم التعطيل".
وكشف المرجع أنّ جهات ديبلوماسية غربية ابلغت الى بعض المسؤولين اللبنانيين استغرابها من التباطؤ المتعمّد في عدم تأليف الحكومة، واكدت انّ هناك رغبة غربية جدية في ان يؤلّف لبنان حكومته في أسرع وقت لأنّ امامه تحديات، وخصوصاً في ضوء ما يعلن عن مخاطر تتهدد اوضاعه الاقتصادية".
لكن مصادر اطّلعت على مواقف المعنيين بعملية التأليف، إستبعدت أن تُضخّ الروح مجدّداً في عملية التأليف في وقت قريب. وقالت لـ"الجمهورية: "انّ الوضع وصل إلى مراوحة قاتلة وخطيرة حيث أنّ الجميع ينتظر الجميع، وكلّ طرف ينتظر الآخر في ظلّ غياب المبادرات، والأصحّ عدم وجود أيّ نيات للانطلاق بمبادرات".
وذهبت هذه المصادر بعيداً في توصيف المواقف وقراءة خلفياتها، فدعت الى "التنبّه لحقيقة الأمر، بحيث انّ التسوية الرئاسية التي أوصلت الرئيس ميشال عون إلى قصر بعبدا مهدّدة". وقالت: "لا مبالغة في هذا التوصيف، فالتمعّن في مسار الأمور يوصِل إلى هذا الاستنتاج الطبيعي والمنطقي، فالتسوية الرئاسية عمادها ثلاثة: "التيّار الوطنيّ الحرّ" والرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع. التسوية مع جعجع طارت، والعلاقة مع الحريري في أسوأ حالاتها وتحتضر، فكيف ستستمر هذه التسوية إذاً؟".
وأشارت المصادر الى "أنّ الخروج من هذه الازمة لن يكون الّا بتسويات سياسية جديدة، وما يعرقل ولادتها في الوقت الراهن هو المراهقة السياسية الحاصلة والحنين الى الإصطفافات القديمة، ولا ضير من هذه العودة إذا ما توضّحت الصورة. لكنّ العودة تتم بطريقة غير منظّمة وحالة فوضى تنسحب تهديداً على البلاد والعباد". وقالت: "من خلال مراقبة ومتابعة آخر مواقف السياسية، وضمن حلقات ضيقة، يمكننا التأكيد أن لا حل في الأفق، ولا احد يعلم ماذا سيحمل الغد، فالأمور متّجهة نحو المجهول، وكلّ يغني على ليلاه".
وعن هوية المعرقل، كشفت المصادر انّ الرئيس المكلف "قد قدّم اكثر من مسودة حكومية، وفي كل مرة كان يتّبع معايير جديدة لعلّها تحظى بالاعجاب، حتى عندما استند الى معايير واضحة كنّا نسمع منه انّ هذا التعنّت غير مفهوم وغير مبرر"، ما يؤكد ـ بحسب المصادرـ انّ "ولادة الحكومة اصبحت مرتبطة بمقدار كبير بالنزاع المسيحي ـ المسيحي، عدا عن العوامل الاخرى التي تستفيد من هذا الوضع".
عون
وفيما ينتظر التأليف عودة المعنيين به الى لبنان، أعلن رئيس الجمهورية من ستراسبورغ انه "عندما تصبح الصيغة متوازنة يتم تشكيل الحكومة وفق المعايير والمبادئ التي أطلقها في خطابه يوم 1 آب الماضي، والتي تلقى تجاوباً من كل الاطراف". واعتبر "انه يتم حالياً التلهّي بمسألة الصلاحيات لصرف الأنظار عن المسألة الاساسية وهي تشكيل الحكومة، في حين انّ الدستور ينص على الشراكة بين الرئاستين الاولى والثالثة في التأليف". وقال: "فليفسّروا لنا معنى هذا، حيث لا مجال للاجتهاد بوجود النص الدستوري".
المفتي
في هذا الوقت، أكد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان "أنّ لبنان في أزمة كبرى، وليس بسبب عدم تشكيل الحكومة فقط، بل ولسوء الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية، والانقسام السياسي العميق".
ورأى "انّ لبنان يحتاج إلى هدوء الكبار وحكمتهم، وإلى وعي المسؤولين الكبار بمسؤولياتهم، وهي كثيرة وخطيرة بالفعل". واعتبر "انّ التعاند لا يفيد، وكذلك لا يفيد الإصرار الحقيقي أو الموهوم، على الصلاحيات، لأنه عندما يتهدّد النظام، لا تعود هناك قيمة للصلاحيات أو المرجعيات". وقال: "إنّ الأمر مخيف بالفعل. وهذا ما نسمعه من كبار المواطنين وأوساطهم، وانه ليبلغ الاستهتار بالمصائر الوطنية، أن يتحدث أناس عن تغيير الموقع الاستراتيجي للبنان. في حين يدعو آخرون إلى مشرقية لا ندري معناها ولا مآلاتها. عندنا وثيقة وفاق وطني، وعندنا دستور. ولسنا غنماً أو حملاً لكي يتصرف هذا الفريق أو ذاك بهويتنا وانتمائنا".
وحيّا دريان الرئيس المكلف "لأنه لا يشارك في المنافرات الكلامية، التي لا تفيد إلّا زيادة في الشقاق". وقال: "لدينا الآن تضامنات طائفية شيعية وسنية ومسيحية. نحن مع رئيس الحكومة المكلف، في بُعده عن الإثارة، وسعيه الى الوفاق الوطني، والتوازن الوطني، والنهوض الوطني. وعلى هذه الشاكلة الوطنية، نرجو أن تؤلف حكومته، لتكون حكومتنا جميعاً".
قبلان
من جهته، ناشد المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان رئيس الجمهورية بـ"صفته أباً لجميع اللبنانيين، وحرصاً على المصلحة الوطنية، أن يتنازل عن حقه في حصته الوزارية لأبنائه المشاغبين والمعرقلين، لعلّ في ذلك ما يدفعهم إلى جادة الوطن، فنكون معاً في عملية قطع الطريق أمام كل مَن يريد الإيقاع بهذا البلد، وإبقائه ورقة ابتزاز على طاولة الفوضى واصطناع الأزمات".
الحزب
ومن جهته دعا "حزب الله"، بلسان الوزير محمد فنيش، الى "عدم إضاعة مزيد من الوقت"، معتبراً أن "لا داعي للسجالات والخلافات التي تزيد من التعقيدات والعقبات امام التشكيل"، ومشدداً على انه "لا يمكن ان تشكّل حكومة من دون تفاهم، فالدستور واضح، فتشكيل الحكومة يتم بمشاركة جميع الأفرقاء الاساسيين من خلال التفاهم بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية".
من جهته، سأل عضو المجلس المركزي في الحزب الشيخ نبيل قاووق عن "خلفية تأخير تشكيل الحكومة، وهل هو متعمّد أم هو عمل بريء؟". ورأى أنّ التأخير "له خلفية وأهداف سياسية تتلخّص بمشروع رُكِّب في الخارج، وفرض على اللبنانيين إقامة تحالف واصطفاف جديد لمواجهة سياسية جديدة لأهداف خارجية، والمستهدف بالدرحة الأولى ولاية رئيس الجمهورية".
"التيار" يرد على جعجع
في مجال آخر، تفاعلت المواقف التي أطلقها رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع بعد قداس "شهداء المقاومة اللبنانية" في معراب امس الاول، في صفوف "التيار الوطني الحر" وفريق الثامن من آذار.
وفي هذا السياق، قالت مصادر "التيار" لـ"الجمهورية" انّ خطاب جعجع "يعكس هاجساً لديه إسمه جبران باسيل"، واعتبرت "انه لم يكن موفّقاً في محاولة الفصل والتمييز بين الرئيس ميشال عون و"التيار الوطني الحر"، ولن ينجح أبداً في دق إسفين داخل البيت الواحد وفرز العونيين وتوزيع شهادات بالرضى على بعضهم والاستياء من بعضهم الآخر. فلا يحلم بأن يجني مكسباً من الدغدغة الاصطناعية". وأضافت المصادر "انّ قمة التزوير والباطنية هي في الكلام علناً عن دعم العهد، والعمل في الخفاء على ضربه وحتى تهديده علناً بالقول انّ عليه ان ينقذ نفسه بنفسه".
واعتبرت المصادر "انّ استهداف جعجع لـ"التيار الوطني الحر" ولرئيس الجمهورية هو استهداف للفريق السياسي الذي حصَّل حقوق المسيحيين، وحقّق التوازن والشراكة التي بفضلها يتنعّم جعجع بكراسي الحكومة. فإذا كان باستهدافه ينفّذ أجندة خارجية على غرار ما حصل سابقاً، فإننا نكون امام حليف في الشكل وغريم في المضمون، يلبس قفّازات مخملية ويطعن بسكّين الغدر ويرضى بأن يكون مرة اخرى "حصان طروادة"، بعدما اعتقدنا انه غَيّر ما بنفسه".
جلسة تشريعية
من جهة ثانية علمت "الجمهورية" انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري سيدعو الى جلسة تشريعية قريبة، وانّ موعدها سيتحدد الاسبوع المقبل على الارجح، بعد ان تكون اللجان المشتركة قد أنجزت درس بعض مشاريع القوانين المهمة.
الأمن
من جهة ثانية عبّر مرجع سياسي عن ارتياحه الى الانجاز الذي حققته القوى الامنية في إحباط عمليات إرهابية، كان إرهابيون في صدد تنفيذها ضد الجيش والضاحية الجنوبية لبيروت.
ولاحظ المرجع تزامن هذه العمليات مع أجواء التحضير لإحياء مجالس عاشوراء التي بدأت مساء أمس، وهو الأمر الذي يوجب عدم الاسترخاء واتخاذ التدابير اللازمة واليقظة والحذر، ومنع الارهابيين من تحقيق أهدافهم بضرب استقرار لبنان وسلمه الأهلي.