لطالما تغنّت إيران وأتباعها بأنها استطاعت أن تستثمر العداء الأميركي لصدام حسين كعدو مشترك، وأنها ببراعتها وحنكة سياسييها تمكنت من تسلّم العراق بأمه وأبيه من أيدي الأميركي بعيد سقوط حكم البعث مباشرة وعودة فيلق بدر بدباباته وآلياته تحت أنظار الطائرات الأميركية.
وللتيقن من هذه الحقيقة، أنت لا تحتاج إلى العودة لتصريحات المسؤولين الإيرانيين وتأكيدهم أن إيران تسيطر على أربعة عواصم عربية تأتي بغداد في مقدمتهم، ولا تحتاج إلى قراءة تاريخ حزب الدعوة وعلاقاته العضوية بالنظام الإيراني وهو الممسك بالحكم منذ 3 أيار 2005 مع إبراهيم الجعفري مروراً طبعاً بطفل إيران المدلل نوري المالكي (2006- 2014) ووصولاً إلى حيدر العبادي الآن.
إقرأ أيضًا: سنوات عجاف تنتظر حزب الله
يكفي أن تُشاهد وأنت تسير في أسواق العراق البضائع الإيرانية التي تملأ الرفوف والمحلات وحتى أرصفة الباعة، حتى تدرك حجم النفوذ الإيراني الذي أقفل معظم المعامل العراقية خدمة لبضائعها، وأن تسمع بإجبار البرلمان العراقي بالتصويت لشرعنة الحشد الشعبي وسلاحه، وأن "تتعركش" كيفما وليت وجهك بالمكاتب الإيرانية المشرّعة أمام من يرغب بتسجيل المقاتلين للشباب العراقي على طول العراق وعرضه.
كل هذا النفوذ والسيطرة ووضع اليد والهيمنة والوصاية الإيرانية والإمساك بكل مفاصل الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية وحتى الثقافية كانت حتى الأمس القريب محل تفاخر وإعتراف وإقرار من محور الممانعة الممتد بحسب زعمهم من طهران إلى بيروت طيلة هذه السنوات الماضية، وصور نوري المالكي التي انتشرت على طريق مطار بيروت وزيارته للسيد حسن نصر الله باعتباره واحد من السلسلة الذهبية لمحورهم.
كل هذا وذاك، تبخر واندثر واختفى الآن بعد إنتفاضة الشعب البصراوي (البصرة) وإحراق القنصلية الإيرانية والأعلام الإيرانية، فمع تصاعد الحديث عن السرقات المهولة والفساد المستشري والثروات المنهوبة والفشل الذريع بتقديم نموذج حكم يقدم الحد الأدنى من ضروريات الحياة، وبعد انكشاف عورة الوصاية الإيرانية في العراق، يطلع علينا إعلام هذا المحور ليقنعنا بأن كل هذا العفن الحاكم هو مؤامرة أميركية وبتدبير صهيوأميركي -سعودي - إماراتي!!!!
لله در هذا المحور ومعادلاته الخنفشارية، هو يحكم ويسيطر ويقرّر ويفرض ويسيطر، أما الفساد الذي ينتج عن حكمهم فهو أميركي.