تصرُّ القوى المعنية بتأليف الحكومة على اعتبار ان ملف التأليف ما يزال على الطاولة، على الرغم من سفر الرئيس ميشال عون إلى ستراسبورغ بصفته ضيف شرف على البرلمان الأوروبي، ملقياً كلمة لمناسبة افتتاح الدورة الأولى للعام 2018-2019، والذي سبقه إلى لاهاي الرئيس المكلف سعد الحريري، لحضور جلسات المرافعات النهائية في قضية اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري..
ومع ذلك، لم يخلُ الأحد الثاني من أيلول من متاريس إضافية، إذ شكل قدّاس «القوات اللبنانية» متراساً قوياً، في وجه الحلحلة السياسية، عبر كلام غير مسبوق للدكتور سمير جعجع رئيس حزب «القوات»، رسم خلاله للرئيس عون، على مسمع ومرأى من ممثله إلى الاحتفال النائب إبراهيم كنعان خارطة طريق لإنقاذ عهده بيده، عبر تأليف حكومة جديدة، يشهد فيها للحق، ويلجم طمع البعض (بالاشارة إلى جبران باسيل)، وينقذ التسوية الرئاسية المهددة في الوقت الراهن.
وسرعان ما انتهز نائب رئيس المجلس النيابي ايلي الفرزلي فرصة اطلالته على محطة «الجديد» ليرد على جعجع معتبراً ان ثمة حملة على العهد لحمله على إجهاض نتائج الانتخابات النيابية، تمثلت بصيغة الحكومة التي حملها الرئيس المكلف الحريري إلى بعبدا ورفضها الرئيس عون، لأنه لو أقدم على توقيعها فإنه يكون تخلى عن دوره، وحكم عى صلاحياته التي نصت عليها المادة 53، وبيكون ارتكب جريمة فخامة الرئيس..
وسأل الفرزلي جعجع: هل يريد من العهد ان يجهض نتائج الانتخابات النيابية؟.
ودعا الفرزلي الرئيس الحريري إلى تشكيل حكومة أكثرية، ولو من دون تكتل لبنان القوي الذي يرأسه النائب جبران باسيل، وهو يضمن توقيع الرئيس على هذه التشكيلة.
إجازة التأليف
وعلى وقع تطوّر أمس الأحد، تغيب مشاورات تأليف الحكومة خلال اليومين المقبلين، بسبب سفر الرئيسين عون والحريري اليوم إلى الخارج، الأوّل إلى مقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ تلبية لدعوة رسمية من رئيس البرلمان في زيارة تستمر ثلاثة أيام يلقي خلالها كلمة امام البرلمان الأوروبي الذي سيفتتح أعماله غداً الثلاثاء، فيما يتوجه الرئيس الحريري إلى لاهاي لحضور جلسات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي ستبدأ غداً جلسات مرافعات الادعاء العام والدفاع عن جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والتي تسبق إصدار الاحكام المتوقعة في الشهور الأولى من العام المقبل.
ويرافق رئيس الجمهورية في زيارته إلى ستراسبورغ عقيلته السيدة ناديا ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل ووفد رسمي، وستكون للرئيس عون لقاءات مع كبار المسؤولين الأوروبيين تتناول العلاقات بين لبنان والاتحاد الأوروبي والأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة.
وبحسب البرنامج الرسمي للزيارة، فسوف تكون للرئيس عون كلمة امام البرلمان الأوروبي عند الثانية عشرة ظهر غد الثلاثاء (الأولى من بعد الظهر بتوقيت بيروت) بعد ان يكون عقد لقاءً موسعاً مع رئيس البرلمان انطونيو طاياني في مقر البرلمان، والذي سيقيم بعد ذلك مأدبة غداء على شرف الرئيس اللبناني والوفد المرافق.
وفي برنامج الثلاثاء أيضاً زيارة إلى مقر المعهد الوطني للادارة ولقاء مديره باتريك جيرار والقيمين عليه، على ان يلتقي الرئيس عون مساءً أبناء الجالية في ستراسبوغ والمدن الأوروبية المجاورة.
اما مشاركة الرئيس الحريري في جلسات المحكمةالدولية غداً، فستكون باعتباره من أهل الضحايا، وتأكيداً على اصراره لتبيان الحقيقة في جريمة اغتيال والده، وسيحضر الحريري جلسات مرافقة الادعاء العام ومن ثم المتضررين، ولكنه لن يتابع مرافعات محامي الدفاع عن المتهمين الأربعة، لاضطراره للعودة إلى بيروت، علماً ان هذه الجلسات ستستغرق اياماً، قبل انتقال قضاة الغرفة الأولى في المحكمة إلى المذاكرة لإصدار الاحكام، وهي مهمة قد تستغرق شهوراً.
سحب ملف الصلاحيات
وقالت مصادر وزارية لـ«اللواء» ان الاجواء السائدة حاليا تؤشر الى ان كل الامورالحكوميه مؤجلة الى ما بعد عودة الرئيسين عون والحريري من سفرهما وبالتالي فإن كل الامور معلقة الى حين عودتهما. ولفتت إلى أن الاتفاق على التهدئة السياسية ما زال قائما وان المواقف التي اطلقها رئيس الجمهورية في احتفال جامعة سيدة اللويزة اول من امس تصب في مواصلة المساعي لإنجاز التشكيلة الحكومية للانصراف الى معالجة عدد من الملفات، واعربت عن اعتقادها ان سحب ملف الصلاحيات من الكلام والكلام المضاد يدفع باتجاه الدفع نحو الاهتمام بالموضوع الرئيسي اي ملف تشكيل الحكومة.
الى ذلك اعلنت مصادر مطلعة ان لا معلومات عن كيفية تعاطي الرئيس المكلف مع التحفظات الرئاسية على الصيغة خصوصا ان المواقف على ضفتي «القوات اللبنانية» و«الاشتراكي» لم تتزحزح في الوقت الذي يتردد فيه ان ما بعد الخامس عشر من ايلول فرصةجديدة والا عود على بدء أو خيار آخر.
ولفت الانتباه في هذا السياق، الخطاب التهدوي للرئيس عون والذي ألقاه في الاحتفال الذي اقامته جامعة سيّدة «اللويزة» في زوق مصبح لمناسبة ذكرى تأسيسها، ومنحته للمناسبة شهادة الدكتوراه الفخرية في الانسانيات «تقديراً لمسيرته وعطاءاته الوطنية»، حيث أكّد ان «التنافس السياسي صحي، وكذلك الاختلاف في الرأي، وهما ضرورة للحياة الديمقراطية»، معرباً عن أمله مع ولادة قريبة للحكومة العتيدة، في «بدء مرحلة جديدة من العمل والانتاج الوطني الجاد للتخلص من اثقال الماضي السياسية والاقتصادية واللحاق بركب الحداثة»، محذراً من «الخلط بين الاختلاف والعداوة».
واكد عضو تكتل «لبنان القوي» الياس بوصعب لـ«اللواء» ان الاتصالات ستستأنف بين الرئيسين فور عودتهما، مع ان التواصل لم ينقطع اصلا بينهما خلال الايام القليلة الماضية عبر ممثلي الرئيسين، واتفقا على عودة الاتصالات، موضحا ان احد قنوات الاتصال كان مستشار الحريري الوزير غطاس خوري.
وقال بو صعب: ان الرئيس عون ابلغ الرئيس الحريري بملاحظاته التفصيلية رسميا على التشكيلة الحكومية التي قدمها الاسبوع الماضي وينتظر منه الان كيفية معالجة هذه الملاحظات والاجابة عن هذه الملاحظات. والامر الان متروك للرئيس الحريري ليعالج هذه الملاحظات مع سميرجعجع ووليد جنبلاط علّه يحل موضوع تمثيل «القوات» والحزب الاشتراكي.. وحتى حصول هذه المعالجة لا يمكن الحديث عن اي عامل جديد في تشكيل الحكومة.
لكن مصادر نيابية متابعة لمفاوضات تشكيل الحكومة تعتبر ان العقدة الاساسية التي تتحكم بالتشكيل اكثر من غيرها هي محاولة «التيار الحر» الحصول على 11 وزيرا وهذا امر يرفضه بشدة الرئيس الحريري، متوقعة مزيدا من التصعيد في موقف التيار بهذا الخصوص ما لم يتم التفاهم على كامل الحصص لكل الاطراف مع الرئيس المكلف.  
وأدرج في هذا السياق، محاولات من جانب التيار لتحميل كلام الرئيس الحريري في احتفال السراي مساء الجمعة عن ان ثقة مجلس النواب هي التي تقرر ما إذا كانت الحكومة محترمة لنتائج الانتخابات النيابية، على غير ما تحتمل، إذ ذهب بعض نواب التيار ومحلليه إلى اعتبار هذا الموقف بمثابة دعوة مبطنة الي تخطي صلاحية رئيس الجمهورية بالتوقيع على مراسيم تشكيل الحكومة، علماً ان الرئيس الحريري أكد في الخطاب ذاته احترامه للدستور ومعرفته به، والذي ينص على وجوب توافق رئيسي الجمهورية  والمكلف بالتوقيع على مراسيم الحكومة، ولم يكن يقصد مثول الحكومة امام المجلس من دون توقيع الرئيس عون، بحسب ما أكدت مصادر تيّار «المستقبل» التي حملت بدورها على أصوات في «التيار الوطني الحر» تعمل على تأخير تأليف الحكومة وعرقلته، وتصر بين ساعة وأخرى على النفخ في رماد الأزمة.
ولفتت الانتباه في السياق، مقدمة نشرة اخبار تلفزيون «المستقبل» التي حملت على بعض وجوه «التيار الحر» الذي يعمل على هذا الخط بشكل يومي، فيما نوّهت بالمنطق الذي قدمته المستشارة السياسية للرئيس عون السيدة ميراي الهاشم عون، واصفة اياه بأنه «حاول ان يبلسم جراح الأزمة المفتوحة»، وانه «يستدعي التنويه والانفتاح على التعامل معه».
وقالت ان «بين منطق السيدة ميراي عون ومنطق آخرين في التيار هناك هوّة كبيرة تحتاج لردمها ارادات كثيرة».
وكان الوزير باسيل، أعلن خلال تدشين مشروع الطاقة الشمسية في بلدة مشعلة البترونية، ان الصفقة التي قدمها الرئيس المكلف، غير عادلة»، وان عدد النواب واضح لتتألف على أساسه الحكومة، وهذا هو المعيار الذي نتحدث على أساسه، مؤكداً ان رئيس الجمهورية له الحق في ان يضع المعايير كي يوقع على تأليف حكومة، وهذا أقله، وكل من يريد المشاركة له الحق بالمطالبة ضمن معايير العدالة بعد خروجنا من الانتخابات، كاشفاً انه أبلغ منذ ثلاثة أشهر رئيس الحكومة المكلف انه ليس لديه من مانع ان يحصل أحد على وزارة إضافية، ولكن ما لا يمكنه ان يحصل هو ان تكون التركيبة بأكملها غير عادلة، لأنه لا يعود لهم تأليف الحكومة، إنما اداؤها، لأن الحكومة إذا بدأت بهذه الطريقة فكيف ستعمل لاحقاً.
جعجع: نداء إلى عون
وتضمن خطاب جعجع في قدّاس «ذكرى شهداء القوات» مجموعة رسائل في غير اتجاه داخلي واقليمي، كان أبرزها نداءه إلى رئيس الجمهورية لإنقاذ عهده بيده، مؤكداً انه ليس صحيحاً ان هناك عوامل خارجية تُعرّقل تشكيل الحكومة، أو ان هناك معادلات طائفية متعثرة، أو ان هناك حرب صلاحيات دائرة، معتبراً ان الصحيح الوحيد هو ان هناك لغطاً متمترساً بالعهد ويحاول من جهة تقليص تمثيل «القوات» وغيرها، ومن جهة ثانية وضع يده على أكبر عدد ممكن من الوزارات بشكل غير منطقي وغير واقعي وغير مقبول من أحد، وهذا كلّه بحجة «حصة الرئيس»، مشيراً إلى ان هذه التصرفات هي التي تضرب العهد وتقوم بعرقلته.
وناشد جعجع رئيس الجمهورية   لانقاذ عهده، قائلا: «أنادي على الرئيس عون للمبادرة إلى إنقاذ عهده بيده، بدءًا من تأليف الحكومة الجديدة، فجل ما هو مطلوب منه ان يشهد للحق ويلجم طمع البعض وينقذ التسوية الرئاسية الكبرى المهددة فعلاً في الوقت الراهن».
وقال: «نحن عندما تكون إنجازات العهد الوطنيّة الكبرى على المحك سنكون أمامه حتى النهاية إلا أنه في المكان الذي تكون المسألة مسألة مصالح شخصيّة ضيّقة فنحن سنكون ضدّها، وفي الحال هذه لا يتلطى أحد بالعهد، فكم من الجرائم ترتكب باسمك أيها العهد».
وردّ وزير الطاقة سيزار أبي خليل على كلام جعجع، معتبراً ان بعض الميليشيات خطته عرقلت. واتهم «القوات» بأن تسعى للأسف من حصة الرئيس، وانها لا تؤتمن على الطاقة..
عودة النازحين
وللأحد الخامس، على التوالي، تتوالى دفعات عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، بطريقة طوعية، وبترتيبات مباشرة من الأمن العام اللبناني، حيث خرج مئات النازحين من لبنان عبر ثلاثة معابر.