في اعتقاد مراجع ديبلوماسية وسياسية أنّ زيارات الوزراء اللبنانيين ممثلي حركة «أمل» و»حزب الله» و»المردة» و»الطاشناق» لها ما يبرّرها في السياسة بمعزل عن مواقعهم اليوم في حكومة تصريف الأعمال. فالعلاقات بين قادة هذه الأحزاب والقيادات السورية لم تنقطع يوماً، وهم على تواصل مستمر مع رموز النظام من عسكريين وسياسيين وديبلوماسيين.
أضف الى ذلك وجود آلاف المقاتلين من «حزب الله» على مختلف الجبهات السورية الداخلية، عدا عن الفريق القيادي والاستشاري الذي اشرف بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني على تدريب عشرات الآلاف من السوريين من الفصائل التي شكّلها النظام كقوة رديفة للجيش النظامي في المواجهة المفتوحة منذ العام 2011 مع المعارضة السورية.
والى هذه البديهيات التي لم تغيّر منها التفاهمات التي حكمت عمل حكومة تصريف الأعمال لجهة التوافق على اعتماد سياسة «النأي بالنفس» تجاه الأزمة السورية، فقد بقيت هذه العبارة بالنسبة اليهم مجرد شعار «لإرضاء بعض الخارج».
وهي لم تطبّق يوماً ولم يلتزمها أنصار النظام والتجارب على ذلك لا تحصى ولا تعد. إلّا أنّ لهذه الزيارات في الفترة الأخيرة ما يعطيها نكهة تفوق تلك التي كانت لها قبلاً، خصوصاً أنها تترافق مع ما يرغبون بتسميته الانتصارات التي حققها النظام واستعادة سيطرته على كثير من المناطق.
وعلى رغم أهمية اللحظة التاريخية التي تعيشها الأزمة السورية اليوم، فقد ظهر واضحاً أنّ الزيارات الوزارية السابقة قد أثارت «زوبعة سياسية» لم يُرصد لها مثيل في الساعات الماضية. وفي الوقت الذي اعتبرت فيه خلال تلك المرحلة أنها خرق كبير وفظيع للتوجّهات الحكومية العامة يهدّد الحدّ الأدنى من التضامن الحكومي الذي بقي هشاً وهو الذي بُني على قاعدة «ربط النزاع» بين انصار النظام السوري ومعارضيه.
فكل ما في حسابات رافضيها اليوم أنها: زيارات شخصية لا صفة رسمية لها طالما أنها لا ترتّب على الحكومة اللبنانية أيّ مسؤولية سياسية أو إدارية أو مالية في أيّ ملف يمكن أن يتناوله أيٌّ منهم لا في الزراعة ولا في الصناعة ولا في السياحة ولا في الأشغال العامة على عكس ما بناه الوزراء الأربعة من آمال نتيجة هذه الزيارة».
وما عدا ذلك، فإنّ الزيارات عبرت من دون أن تكون لها آثار سياسية أو حكومية. فالحكومة مشلولة تصرف الأعمال على أضيق نطاق، والبلد منقسم على نفسه.
هذا عدا عن الفشل في تظهير أيّ انتصار سعى اليه الوزراء الأربعة لإقناع جزء من اللبنانيين بأهمّية إحياء العلاقات على قاعدة المصالح الإقتصادية اللبنانية التي يمكن توفيرها على الأقل للصناعيين والمزارعين اللبنانيين الذين افتقدوا منذ العام 2015 أيّ تواصل بَرّي بين بيروت والعواصم الخليجية عبر بوابة «نصيب» الحدودية بغية إحياء حركة التصدير والترانزيت عدا عن معضلة تهريب البضائع السورية والمنتجات الصناعية والزراعية الى لبنان بطرق غير شرعية أرهقت قطاعات واسعة من الاقتصاد اللبناني.
فما كان مأمولاً من هذه الزيارات، عدا عن المشاركة في فعاليات المعرض السنوي، الإعلان عن فتح معبر «نصيب» على الحدود السورية ـ الأردنية على وقع النقاش الحامي بين اللبنانين حول اهمية المعبر الذي بات ورقة من اوراق يوميات النكد السياسي في لبنان، الى جانب النقاش حول الخطة الروسية الخاصة لإعادة النازحين السوريين التي تتعثّر يوماً بعد يوم نتيجة فقدان المقوّمات التي تحتاجها لانطلاقها.
ولذلك وفي الوقت الذي كان يسعى أصدقاء النظام الى تسجيل نقطة إضافية في سجلّ العلاقات الإقتصادية بين الدولتين والتي كانت ستفضي الى تنظيم سلسلة من الزيارات الى دمشق التي استعدت لها النقابات الزراعية والهيئات الإقتصادية، ومنها الصناعيون تحديداً، للبحث في آلية إحياء الحركة من خلال معبر «نصيب»، كان الجواب السوري «صادماً» منذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها اقدام وزير الصناعة حسين الحاج حسن ارض دمشق.
إذ بعدما عبّر الضيف اللبناني عن اهمية هذا المعبر في إنعاش الإقتصاد الوطني جاءه الرد صاعقاً من وزير الاقتصاد السوري سامر الخليل الذي أكد أنه لا يرى في الوقت الحالي ما يدعو لإعادة فتح المعبر». مضيفاً انّ كل الدراسات التي أُجريت لفتح المعبر أدّت الى التأكيد أن «لا قيمة كبيرة حالياً بالنسبة الى المنتج السوري، وانّ الموضوع في حاجة الى دراسة أكبر».
والى هذه المعطيات، لا يبدو أنه ستكون للزيارت ايّ نتيجة ايجابية يمكن العودة بها الى بيروت سوى في الإعلام، وفي لحظات من التحدي الداخلي الآني والعابر، وخصوصاً عند فقدان الآمال السياسية التي عُقدت عليها. وقد شاءت المصادفات أن تتزامن مع القمة الروسية ـ الإيرانية - التركية التي انعقدت في طهران أمس وغاب عنها الجانب السوري على رغم انّ واقعه ومستقبله معقود على نتائجها.
هذا إذا لم تؤدِ العمليات العسكرية المرتقبة في إدلب الى تصدّع هذا الحلف. فالمواجهة العسكرية المرتقبة ستكون بين طرفين من اطرافه الثلاثة إيران وتركيا. ولم يتّضح بعد كيف ستدير روسيا هذه المعركة بين الحليفين على رغم قربها آنياً من الدور الإيراني في مواجهة الأتراك والأميركيين المتحكّمين بالمناطق المرشحة لتكون مسرحاً للمواجهة.
وفي الختام، يمكن القول إنّ هذه الزيارات، لم ولن تُفضي إلّا الى زيادة الشرخ بين النظام السوري وجزء من التركيبة اللبنانية بعد المواقف التصعيدية التي عبّر عنها بعض المسؤولين السوريين.
وهي مواقف تجاوزت اهمية ما قدّمه لبنان طوال سنوات الحرب، وما زال من خدمات في المجتمعات المضيفة لمئات الآلاف من النازحين على المستويات الإقتصادية والتربوية والصحية كما في منشاته البرّية والبحريّة والجوّية التي وضعت في صرف النظام قبل المعارضين. وعدا عن ذلك، فبالتأكيد إنّ الذين التقوا على ارض معرض دمشق الدولي ليس بينهم مَن له ايّ قرار في فتح معبر او إقفاله وفي هوية ودور مَن سيتولّون اعادة الإعمار في سوريا عندما يفتح الملف على المسرح الدولي.