آخر هذه الإشكاليات، صلاحيات كلّ من رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون والحكومة المُكلف سعد الحريري. التشكيلة الوزارية الأخيرة سقطت، فملاحظات عون ستحرقها كاملة أو جزئياً. وفي ظلّ تمسُّك «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» بمطالبهما بدعمٍ من الحريري مقابل رفض عون، ماذا ستكون خطة الحريري التالية؟
الحريري سيصبر، لأنّ الموقف الذي يتخذه عون و«التيار الوطني الحر» سيؤدي إلى عدم إنتاج حكومة، وإعاقة انطلاقة الحُكم، وفي المقابل لا قدرة للحريري على تخطّي الأفرقاء الذي يريد منهم أن يشاركوا في حكومته، ومن بينهم «القوات» و«الاشتراكي»، كذلك يقع عليه حلّ تمثيل الطائفة السنية التي ينتمي إليها، وبالتالي لا يملك أي هامش للمناورة و»ضَهرو للحيط». هكذا تصف مصادر مُتابعة لمسار التأليف وضع الحريري. وترى أنّ تصلُّب فريق رئيس الجمهورية سيؤدي إلى إفشال إنتاج حكومة في القريب العاجل.
عون والتيار البرتقالي يُصرّان على حصة من 11 وزيراً ووزارات فاعلة لتنفيذ البرنامج الإصلاحي الذي وعدوا اللبنانيين به. وبعد «التأمين» على ما يرغبان به، لا يهمّ ما تحصل «القوات» عليه.
أمّا حصر الميثاقية الدرزية برئيس «الاشتراكي» وليد جنبلاط، فلن يقبل عون به. إلّا أنّ أطرافاً أخرى ترى أنّ «هذه الحجج ضعيفة وواهية، وأنّ التفسير الوحيد لهذا التصلب، هو الالتفاف على اتفاق الطائف والإيحاء بأنّ الرئيس القوي يُمكنه أن يسيطر على الحكومة من خلال التعطيل، إضافةً إلى شهوة حُكم ومصالح لا حدود لها، خصوصاً أنّ التيار الوطني الحر يركز على مواقع معيّنة دسمة».
أمّا الحريري فيعتبر أنّ هناك توازنات حقيقية، وهدفه تأليف حكومة فاعلة من دون أن تكون مرهونة لمزاجية أي طرف من الأطراف. ولن يقبل بإقصاء بعض المكونات التي يرى أنها أساسية لتوازن الحكومة، أو يقبل بوضع القدرة التعطيلية بيد «التيار الوطني الحر»، ما قد يؤدي بدوره إلى ابتزاز الحكومة في المستقبل.
لكنّ آراء الحريري محصورة برؤيته لحكومته، ويتعامل مع عون على أساس موقعه الدستوري ولا يدخل في حرب صلاحيات مع أحد، حسبما تؤكّد مصادر «المستقبل» لـ»الجمهورية». فالحريري لا يعتبر أنّ هناك من داعٍ لحرب صلاحيات، مُحددة أساساً في الدستور، ويجد أنها متاهات لا طائل منها أو فائدة.
وفي الوقت نفسه، يعرف الحريري أنّ صلاحيته وواجبه تأليف الحكومة، ويتفهم دور رئيس الجمهورية، ويعلم أنّ صلاحيته توقيع المرسوم. وعدا ذلك، يعتبر أنّ كلّ شيء يتم بالتفاهم بينه وبين عون. كذلك، فإنّ الحريري لم يُعلن في أي وقت أنّ عون يحاول أن يمسّ بصلاحياته أو أنه استخدم صلاحيات أكثر من التي حددها له الدستور. ويؤكد دائماً أنّ الأجواء تكون مريحة عندما يلتقي عون.
وفي حين لا تعترض غالبية الأطراف التي قد تُشارك في الحكومة على ممارسة عون صلاحياته كاملةً، يشعر البعض أنّ قدرة الفصل بين الرئاسة و»التيار الوطني الحر» غير واضحة أخيراً، على الأقل بالنسبة إلى المواقف المُعلنة. هذا ما لا يُنكره «التيار الوطني الحر»، إنما يملك تفسيراً آخر له. وتقول مصادر «التيار» لـ»الجمهورية»: «لا نخجل من القول إننا كتلة داعمة لرئيس الجمهورية وانّ مواقفنا مُنسجمة مع مواقفه.
ونتوافق معه على المبادئ التي يضعها للتأليف. ومواقفنا متطابقة لأننا نملك القناعة نفسها، ومن الطبيعي أن يكون هناك حد أدنى من الانسجام بين التيار والرئيس، فهل يُمكن أن يُصدّق أحد أنّ عون قد يكون بمواجهة التيار؟ وحين يكون غير راضٍ على أداء التيار يعبّر لنا ويصارحنا بذلك ونقوم بتعديله».
وتشرح المصادر أنّ عون لا يعترض على تشكيلة تعتمد معياراً واحداً، إنما الإشكالية سببها الاستنسابية المُعتمدة في التشكيلات التي قُدِّمت له، وهو شريك في تأليف الحكومة ويوقّع على مرسوم إصدارها مع رئيس الحكومة. وبالتالي، له رأي بالتشكيلة، ورأيه غير محصور بحصته وحصة التيار، فلا مادة في الدستور تنص على أنّ رئيس الجمهورية لا يتعاطى إلّا بما له، بل يشمل رأيه التشكيلة بكاملها، وهو يحرص على أن تكون متوازنة.
وتكشف المصادر نفسها أنّ ملاحظات عون تكمن حول توازن وعدالة توزيع الحقائب وتمثيل الكتل، فالرئيس لا يدخل في تفاصيل «لماذا هذه الحقيبة وليس تلك؟»، إنما يهمه اعتماد معيار عادل لنوعية الحقائب وفق الأحجام. وتؤكّد أنّ وضع ملاحظات على تشكيلة لا يعني أنّ باب المشاورات أُقفِل، بل انّ النقاش سيُستكمل لاستيلاد الحكومة الأنسب.
وبعد عودة رئيس الجمهورية من الخارج، سيستأنف هذا النقاش الدوران في الحلقة نفسها، حتى لو حُسمت إشكالية الصلاحيات أو تخطّاها عون والحريري، إذ لا يبدو أنّ أحداً في وارد التراجع أو التنازل عن مطالبه، في انتظار أي تبدُّل في المُعطيات الداخلية أو الإقليمية أو الدولية، أو كلّها.
ويظهر أنّ الخطة التالية التي ستُعتمد من الجميع بعد استنزاف العروض وحَسم المطالب، ستكون العِناد أو الصبر، حتى لو أنّ الوضعين الاقتصادي والمالي لا يحتملان في هذه المرحلة لا العناد ولا الصبر.