يضع فريق رئيس الجمهورية اللمسات الأخيرة على خطابه الذي سيلقيه في افتتاح أعمال الدورة السنوية للجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك أواخر أيلول الجاري، فيما يتوجّه بعد غد الاثنين الى ستراسبورغ لإلقاء كلمة أمام البرلمان الأوروبي.
وقتٌ مستقطع سيحاول الحريري من خلاله ترميمَ «تشوّهات» مسودة الحصص والحقائب التي رفعها الى رئيس الجمهورية في ظلّ أجواء مصدرها بعبدا تروِّج لمعادلة مفادها أنّ «الضغوط على عون من زاوية أنّ تأخير تأليف الحكومة يضرب العهد لن تنفع. وما يعتبره رئيس الجمهورية مكتسباتٍ بديهيّةٍ ليست هناك إمكانية للتنازل عنها».
نقل زوار عون أخيراً مناخات مستجدّة لا يُفهم منها سوى أنّ رئيس الجمهورية «مرتاح على وضعه» على عكس ما يحاول خصومُه إظهاره. بهذا المعنى، يحمل عون ثلاث أوراق «قوة» يرى أنّ عدم اهتزازها كفيلٌ بحماية عهده من أيِّ خضّة على رغم تأخّر ولادة الحكومة.
بكل ثقة، يجزم عون أنّ القضاء والأمن (الأجهزة الأمنية) في «منطقة الأمان»، وكرئيس جمهورية، ومن موقعه الدستوري، هما «تحت سيطرته».
تبقى ورقةُ «الوضع الاقتصادي والمالي». ربما مشهدُ الزيارات شبه الأسبوعية، والبعيدة من الإعلام، لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى بعبدا كفيلة وحدها بتبديد مخاوف كثيرين، في رأيه.
تصريحاتُ سلامة عن «استقرار وضع الليرة» تكاد تكون مستنسَخة أسبوعياً، مع تسليم محيطين بعون بأنه «ليس أمين الجميل، واللعب بالليرة خطّ أحمر». كذلك فإنّ اجتماعه بوزير المال علي حسن خليل أمس وتأكيد الأخير «سلامة الوضع النقدي والمالي» يصبّ في الإطار نفسه.
معادلة رئاسية تبدو بمثابة ردٍّ مباشر على القائلين إنّ «التعطيل يستنزف العهد، فيما الرئيس المكلّف يستطيع أن يبقى مكلّفاً لسنتين»!
مع ذلك، وفق المعلومات، فإنّ الحريري، وأمام ما يشبه التشبّث «الحديدي» لعون ببعض المطالب، يحاول أن يَكسر جمود المشهد الحكومي الذي كاد ينفجر أزمة صلاحيات في الأيام الماضية، فيما حملت زيارةُ النائب غطاس خوري لبعبدا أمس عرضاً يتعلق في جانب أساسي منه بحصة «القوات» في الحكومة العتيدة.
ما يبدو ملفتاً في هذا السياق تأكيد قريبين من دائرة الحريري أنه «لا يهوى لعب ورقة الصلاحيات» وأنّ همّه ينحصر بتأليف الحكومة ودفع الجميع الى تنازلات على قاعدة «لا تخرجوا عن النص الدستوري وعندها لا مشكلة».
يبدو الحريري بالطبع مستفيداً من الجوّ السنّي الضاغط في هذا الاتّجاه، لكنّ هؤلاء يجزمون بأنّ «البيانات الصادرة عن رؤساء الحكومات السابقين ليست بإيعاز أو تغطية مباشرة من الحريري»، جازمين بأنّ «المايسترو الأساسي لها هو الرئيس فؤاد السنيورة، فيما الرئيس نجيب ميقاتي اكتسب خبرة في خطاب «المزايدات» خلال رئاسته للحكومة».
أما على خطّ مشاورات التأليف، فإنّ الحريري مصرّ على التمسّك بقاعدة التوازن داخل الحكومة مع «ثبات» في تبنّي المطالب «القواتيّة»، لكن الى حدّ قد لا يتمكن من خلاله الرئيس المكلّف «أن يكون ملكياً أكثر من الملك»!
في هذا السياق تفيد معلومات، أنّ اللقاء الأخير بين الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في «بيت الوسط» شهد جولة من المصارحة مفادها تأكيد الأول تبنّيه مطالب «القوات»، لكن مع تذكيره «الحكيم» بأنه لم يكن طرفاً في «إتفاق معراب» حين تمّ توقيعه، ولاحقاً تَنَصَّلَ الوزير جبران باسيل منه، وبالتالي ليس جائزاً تحمُّل الرئيس المكلّف عبء سقوط «إتفاق معراب».
يعتبر الحريري، وفق المعلومات، أنّ حجم «القوات» داخل الحكومة هو أربعة وزراء، وفي مقابل إصرار عون وباسيل على عدم منح الحزب حقيبة سيادية أو موقع نائب رئيس الحكومة، أبدى الرئيس المكلّف استعدادَه لتجيير حقيبة من حصته («الثقافة») لـ«القوات»، لكي يكتمل عنقود «الحقائب الأربع».
لكنّ «التشكيلة» الوزارية التي اطّلع عليها رئيس الجمهورية وشملت منح «القوات» حقائب «العدل» و«التربية» و«الشؤون الاجتماعية» إضافة الى «الثقافة» استفزّت عون واعتبرها غير جائزة.
بعد لقاء عون ـ الحريري الاخير خرجت حقيبة «العدل» نهائياً من بازار التفاوض. المعلومات تفيد في هذا السياق أنّ باسيل أبلغ الى الرئيس المكلف، قبيل توجّهه الى قصر بعبدا، موافقته على تجيير «العدل» لـ«القوات» مقابل نيل حقيبة «الأشغال».
كان باسيل يحاول ضرب عصفورين بحجر واحد: الإستغناء عن خدمات الوزير سليم جريصاتي، وحرمان «المردة» من حقيبة خدماتية أساسية يرغب الرئيس المكّلف أن تبقى في عهدة الوزير يوسف فنيانوس، واستطراداً «المردة». وحين أكد الحريري لعون موافقة باسيل على انتقال «العدل» الى «القوات» بادره قائلاً: «أنا مَن أقرّر»!
يذكر أنّ «مطالعة» جريصاتي في شأن «المهل المقيّدة» للرئيس المكلّف، والتي يتبنّاها رئيس الجمهورية بكاملها، لقيت أصداء سلبية، ليس فقط في «بيت الوسط» وإنما في دوائر سياسية وحقوقية وقانونية اعتبرتها بمثابة «هذيان دستوري»!
وفي سياق الحقائب المُسندة الى «القوات» تحاول معراب التهرّب من إسناد «التربية» اليها حيث تعتبرها، وعلى رغم أهمّيتها، أنها حقيبة ذات إشكالية مُحرجة لها خصوصاً في ما يتعلق بإمكانية التصادم مع الطلاب أو المدارس الكاثوليكية بملف الأقساط المدرسية، وهو أمر تحاول عدم تجرّع كأسه، فيما يتملّك رئيس الجمهورية هاجس وقوع هذه الحقيبة في يد حزب «القوات» نظراً لتأثيره من خلالها على الطلاب والأجيال الناشئة!