لماذا يُصرّ التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل على وضع العصي في طريق تأليف الحكومة؟ بل لماذا يُصرّ على توتير الأجواء ونكء الجروح الماضية بالتهجم على الرئيس المكلف تحت عناوين تثير الحساسيات المدفونة مثل الصلاحيات والتوازنات الداخلية التي رسمها بدقة متناهية اتفاق الطائف والتي أدّت إلى إرساء تسوية تاريخية بين اللبنانيين، من أبرز نتائجها الايجابية وقف الحرب الأهلية التي كادت في حال استمرارها أن تقضي على الكيان بل على الوجود؟
هذه الأسئلة الواضحة مطروحة اليوم على التيار الوطني الحر، بعدما قام الرئيس المكلف سعد الحريري بواجباته التي يمليها عليه الدستور وقدم التشكيلة الحكومية إلى رئيس الجمهورية المؤتمن على الدستور وعلى حسن تطبيقه.
فبدلاً من أن يتلقف التيار الوطني الحر مبادرة الرئيس المكلف المتطابقة مع الآلية التي نص عليها الدستور ووثيقة الوفاق الوطني، راح يُهدّد ويتوعد الرئيس المكلف لأنه على حد زعمهم تجاوز الدستور واتفاق الطائف فيما اقدم عليه وشملوا في معرض هجومهم هذا رؤساء الحكومات السابقين لأنهم دعوا إلى التمسك بما نص عليه اتفاق الطائف وحذروا من المس أو من تجاوز صلاحيات رئيس الحكومة التي نص عليها هذا الاتفاق لأن أي تجاوز لهذه الصلاحيات من شأنه أن يُعيد البلاد إلى الأجواء التي كانت سائدة ما قبل مؤتمر الطائف.
إن ما يتذرع به هذا الفريق، أي التيار الوطني الحر لفتح النار على الرئيس المكلف، ووضع العصي في طريقه كلما تقدّم خطوة على طريق الخروج من الأزمة التي تضغط على لبنان كدولة وتفوت عليه كل الفرص المتاحة دولياً لمعالجة الندوب التي تنهش جسم الدولة وتسرّع الخلافات القائمة بين اللبنانيين على خلفية عدم الاتفاق على تشكيل الحكومة في تفكيك هذا الجسم وتفتيته كما يتفق على ذلك كل من اطلع على أوضاع هذا البلد الداخلية من خبراء وصناديق دولية وحتى من الدول التي اجتمعت في فرنسا وأقرّت مليارات الدولارات لمساعدة لبنان على تجاوز مصاعبه ومتاعبه ومشاكله، بشرط وجود حكومة تنفذ الإصلاحات التي من شأنها أن تجعل هذه المليارات تنفق في مكانها وتكون عامل نهوض للدولة اللبنانية من العثرات الاقتصادية والاجتماعية التي تتخبط بها نتيجة فوضى الحكم من جهة والنزاعات السياسية من جهة أخرى. ان ما يتذرع به هذا الفريق نسفته الوقائع الثابتة على الأرض، من اصرار الرئيس المكلف على تشكّل حكومة الوفاق الوطني التي نص عليها اتفاق الطائف وعمل بموجبها بعد ابرام هذا الاتفاق وابداء الحرص الدائم على تفاهمه وتعاونه مع رئيس الجمهورية كما ينص هذا الاتفاق في مقدمته على تعاون وتوازن وفصل السلطات الثلاث أي رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة مجلس الوزراء.
إن التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل يفعلان بعكس ما ينص عليه اتفاق الطائف عندما يتعرضون لصلاحيات رئيس الحكومة، ويفرضون عليه الشروط العرقوبية لإطالة عمر أزمة التأليف واتاحة المجال أمام جروح الحرب القديمة التي سبقت مؤتمر الطائف وكادت أن تطيح بالوجود والكيان معاً، فهل صحيح ان السبب الحقيقي وراء هذه الحرب المعلنة على الرئيس المكلف هو السباق على انتخابات رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي العماد ميشال عون، وبالتالي إجبار الرئيس المكلف على تقديم كل التنازلات في الحكومة التي ستشرف على الانتخابات الرئاسية كما حصل في الانتخابات التي أوصلت العماد عون إلى رئاسة الجمهورية؟ الجواب على هذا الطرح يبقى عند الوزير باسيل.