نحو الثالثة وعشر دقائق بعد ظهر الاول من ايلول، كتب باسيل على صفحته عبر «تويتر» الكلمات الآتية: «رحل روبير فرنجية، ولكنه سيبقى في ذهننا صورة هذا المحب لعائلته وبلدته ووطنه. ضحى بكل شيء لكي يبقوا... الى ان ضحى بنفسه. عزاؤنا لأهلك وآل فرنجية ومحبيك وزغرتا ولبنان، والله يرحم ترابك».
لكن المفارقة، ان وقع هذه التغريدة كان ثقيلاً على سليمان فرنجية، بعدما أزعجته كثيراً عبارة «ضحى(الراحل) بكل شيء لكي يبقوا». ويقول العارفون ان رئيس «المردة» شعر بأن هذه الجملة ليست بريئة، وانها تستبطن إساءة ضمنية له، وتنطوي على محاولة من باسيل للتسلل الى البيت الداخلي للعائلة واللعب على وتر علاقة فرنجية مع عمه الراحل، الأمر الذي يشكل بالنسبة الى زعيم «المردة» خطاً أحمر ممنوعاً تجاوزه، علماً انه لا يوجد اي خلاف بينهما منذ نحو ربع قرن، بل العكس هو الصحيح، اذ ان الراحل كان بمثابة الأب لابن اخيه بعدما فقد والديه في عمر صغير، وفق ما يؤكد المطلعون على مجريات هذا البيت السياسي.
«ثغرة» أخرى تكمن في التغريدة، كما يعتقد منتقدوها، وهي ان باسيل تفادى تقديم التعزية الى تيار «المردة» ورئيسه اللذين نعيا الفقيد وهو الرئيس السابق لـ»المردة»، في حين ان طابع المناسبة كان يستوجب القفز فوق الحساسيات السياسية والشخصية، ولو الى حين.
لم يكن هناك أي مبرر لتغريدة «ملتبسة» من هذا النوع في حضرة الموت، وفق ما يشير اليه المواكبون لمسار علاقة فرنجية - باسيل. ولهذا السبب، رفض رئيس «المردة» الرد على اتصال رئيس «التيار»، علماً انه جرى الترحيب بممثله (النائب جورج عطالله) الذي أوفده الى اهدن لتقديم التعزية، وكذلك بعدد من القيادات البرتقالية البارزة وفي طليعتهم النائب شامل روكز الذي تقبل التعازي الى جانب فرنجية قبل الدفن وبعده.
وعلمت «الجمهورية» ان باسيل كان يفكر في التوجه شخصياً الى اهدن لتعزية فرنجية بعمه، إلّا ان عدم تجاوب رئيس «المردة» مع اتصاله الهاتفي دفعه الى صرف النظر عن هذه المبادرة.
وفي المعلومات، ان المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم كان قد تمنى على باسيل ان يبادر الى كسر الجليد مع فرنجية من باب تعزيته بعمه، إلّا ان الامور ما لبثت ان تدحرجت في الاتجاه المعاكس، تحت وطأة الالتباس الذي سببته تغريدة باسيل وما تلاها من امتناع فرنجية عن الرد على اتصاله الهاتفي.
وقد أتى هذا الإشكال الجديد، ليعيد نبش ملف الخلاف بين التيارين المسيحيين، ويستحضر اسبابه العميقة التي تتداخل فيها عوامل عدّة، ابرزها ما يتعلق بالحسابات الرئاسية التي تسللت الى المطبخ السياسي اللبناني منذ الآن، على رغم انّها سابقة للأوان.
ويعتبر سياسي مسيحي خبير في كواليس النزاعات المسيحية ان الهاجس الرئاسي لدى باسيل هو العامل الاساسي الذي يغذّي خصومته مع رئيس «المردة»، لافتاً الى ان وزير الخارجية يستخدم كل الوسائل المتوافرة ويستغلّ كل فرصة ممكنة لتهميش المرشح الرئاسي الاقوى وحرق فرص وصوله في المستقبل الى رئاسة الجمهورية، «خصوصاً ان انفتاح الجميع عليه في الداخل يمنحه الارجحية المبدئية، في انتظار ان يكون العامل الاقليمي مختمراً في حينه، بينما تسود الخلافات بين باسيل ومعظم القوى الاساسية».
ويشدد السياسي نفسه على ان فرنجية ليس محكوماً بهاجس الرئاسة، بل يتعاطى معها على قاعدة ان الظروف المحلية والخارجية هي التي تحدد هوية الرئيس في لبنان، وليس المعارك الدونكيشوتية.
ويشير هذا السياسي الى ان هناك اشارتين سياسيتين تعكسان بوضوح محاولات التهميش التي يتعرض لها المرشح الشمالي الدائم، الاولى تمثلت في وضع قانون انتخاب كان يستهدف تحجيم فرنجية لكنه تجاوز بنجاح هذا الاختبار، والثانية تكمن في المسعى لانتزاع حقيبة الاشغال من تيار «المردة» ومنحه حقيبة أخرى ثانوية، الامر الذي يرفضه فرنجية وحلفاؤه.
ويلفت السياسي الداعم لفرنجية، الى ان الرجل تصرف بحكمة عندما اعتبر ان فريقه السياسي العريض وما يمثله من خط استراتيجي هو الذي ربح بوصول العماد ميشال عون الى قصر بعبدا، متجاوزاً بهذا الموقف حساسيات المعركة الرئاسية التي ظلت حظوظه فيها متقدمة حتى اللحظة الاخيرة، «لكن ما حصل لاحقاً ان اليد التي مدها فرنجية لم تجد من يصافحها».
ويرى السياسي المسيحي اياه ان المفارقة المدوية هي «ان من انتزع الرئاسة من فرنجية لم يكتف بذلك، بل يريد ان يستخدمها ضده، ليتحول بذلك الظلم اللاحق به الى ظلمين»، مؤكداً «ان مشكلة فرنجية هي مع باسيل حصراً، اما علاقته مع قواعد «التيار الوطني الحر» وكثير من قياداته فيمكن اعتبارها جيدة».
على الضفة الاخرى، تختلف الصورة والمقاربة، في ظل تفسيرات مغايرة تماماً لسلوك باسيل، إذ تؤكد اوساط «التيار» ان باسيل «قصد من تغريدة التعزية القيام بمبادرة حسن نية لكسر القطيعة بينه وبين فرنجية، إلّا ان رئيس «المردة» رفض ملاقاته في منتصف الطريق وتصرّف بانفعال غير مبرر».
وتعتبر الاوساط البرتقالية ان «المردة» تعاطى مع تغريدة باسيل على قاعدة محاكمة النيات، في حين ان التدقيق في محتواها يُبين انه كان في الامكان مقاربتها إيجاباً لو وُجدت الارادة المطلوبة، لافتة الى ان التفسيرات السلبية التي أعطيت لها هي «اجتهاد ليس في محله».
وتشير الاوساط الى انّه «بات لدى قيادة «المردة» تحسس شديد حيال كل ما يتعلق بباسيل، من اسمه الى مواقفه، وهذا ما يتسبب في ارتكابها اخطاء مجانية تحت وطأة الانفعال، علماً انه لا يجوز في السياسة البناء على اعتبارات شخصية».
وتلفت اوساط «التيار» الى ان الراحل روبير فرنجية «يحظى باحترام كبير وتقدير خاص لدى جزء واسع من جمهور «التيارالوطني الحر» وقيادته، وهو من الشخصيات المحببة لنا، خصوصاً انه كانت له مواقف داعمة للجنرال ميشال عون في الثمانينات واستمر لاحقاً في إظهار تعاطفه معه ضمن مجالسه الخاصة».
وتعتقد الاوساط ان ما جرى «اثبت بوضوح ان «التيار» جاهز لطيّ صفحة التجاذبات بينه وبين «المردة» ومستعدّ للتصرف على هذا الاساس، لكن تبين ان الطرف الآخر ليس مهيّئاً بعد لملاقاة الايجابية بمثلها».