كل من التقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أو رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، في الساعات الأخيرة، اكتشف حجم الهوة الآخذة بالاتساع بينهما في موضوع تشكيل الحكومة الجديدة. يزيد الطين بلة حاجة العلاقات الرئاسية إلى ثقة تكاد تكون معدومة، بدليل «الرندحة» السياسية اليومية عبر الشاشات. لن يمنع ذلك توجه الحريري إلى القصر الجمهوري مجدداً.
مشهد التأليف الحكومي «تحت الصفر»، على حد تعبير مرجع سياسي معني بالمشاورات والاتصالات التي أصابها الجمود في الساعات الأخيرة. جمود لم يمنع استمرار الاشتباك الرئاسي ــــ الرئاسي، ولو تولته الشاشات الصغيرة بالنيابة عن كل من رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري. الأفدح، أن هذه الشاشات انطلقت في مقدمات نشراتها الإخبارية من معادلة مفادها أن لا شيء في قاموس رئيسي الجمهورية والحكومة اسمه نزاع على صلاحيات، على حد تعبير فضائية «المستقبل»، فيما جزمت «أو تي في» «أن لا أحد يريد مدَّ اليد على صلاحيات أحد، لا بل إن الحرص على حسن تطبيق الطائف، يقتضي احترام الصلاحيات المحددة فيه، من دون زيادة أو نقصان».
هل ننتقل قريباً من اشتباك على تأليف الحكومة والصلاحيات إلى اشتباك جديد بعنوان فتح أبواب مجلس النواب أمام التشريع في ظل حكومة تصريف أعمال؟
تشي المعطيات أن عودة النواب إلى الهيئة العامة في ساحة النجمة لن تكون بعيدة، إذا صدقت النوايا، وذلك استجابة لنداء «تشريع الضرورة». في القانون، المادة 69 من الدستور واضحة. تنصّ في الفقرة الثالثة على أنّه «عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة يُصبح مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة». على هذه المادة يبني رئيس مجلس النواب نبيه بري موقفه الذي يعطي للمجلس حق التشريع في ظل حكومة تصريف أعمال.
وبناءً على هذه المادة، أكد بري أنه ذاهب إلى الهيئة العامة لعقد جلسة تشريعية، فور انتهاء اللجان النيابية المشتركة من دراسة اقتراحات ومشاريع القوانين المطروحة على جدول أعمالها. حتى الآن لم يُسجل أي صوت جدي مُعترض، باستثناء المجلس المركزي لتيار المستقبل الذي رأى أن «التشريع يكون منقوصاً ونظرياً في ظل غياب حكومة تطبّقه». وقد عزا «المستقبليون» اعتراضهم إلى وجود خشية من تحوّل «التشريع في ظل غياب الحكومة» إلى عرف بذريعة «الضرورة».
في ظل هذا الموقف، انتقل النقاش من دستورية الجلسة إلى ميثاقيتها، في حال اتخذ النواب السنة من خارج تيار المستقبل موقفاً مُشابهاً. لكن الرئيس برّي حسم النقاش بتأكيده أن «الجلسة قائمة»، و أكد لـ «الأخبار» أن «هناك توافقاً على عقد هذه الجلسة بين الرؤساء الثلاثة»، مشيراً إلى أنه «تحدث إلى رئيس الحكومة المكلف، وأكد له الأخير بأنه سيشارك فيها». وفيما لم يُعلن برّي موعداً نهائياً لالتئامها، أشار إلى أن الموعد «بات قريباً جداً، لا سيما أن اللجان المشتركة أقرت عدداً من القوانين ومنها قانون دعم الشفافية ومكافحة الفساد في قطاع البترول»، معتبراً أن «الكل مستفيد لأنها تتضمن قوانين مالية مرتبطة بمؤتمر سيدر 1». وفي هذا الإطار، رجحت أوساط سياسية بارزة بأن «يعلن برّي قريباً موعد الجلسة التشريعية التي ينوي عقدها قبل سفره إلى باريس» (الأرجح في النصف الثاني من هذا الشهر).
وفي الموضوع الحكومي، قال برّي إن «الحكومة كان يجب أن تؤلف أمس قبل اليوم وغداً قبل بعد غد، لأن الوضع الاقتصادي خطير ولا يتحمل كما كان يحصل في تشكيل حكومات سابقة». وأكد أمام وفد نقابة المحررين أن «وضع الليرة غير ممسوس ولن نصل إلى هذه المرحلة».
وحول ما يثار بالنسبة إلى عملية تشكيل الحكومة، قال بري: «لا شك أن الدستور واضح، وهو أن الحكومة تتصدر بتوافق رئيسي الجمهورية والحكومة (المكلف) أما من يشكل الحكومة ويعمل في طبخها فهو رئيس الحكومة المكلف. هناك نص يقول بالتوافق. أما من يشكل الحكومة فهو رئيس الحكومة المكلف». وجدد القول إن «من يحق له تفسير الدستور هو المجلس النيابي، ونقطة على السطر». ورداً على سؤال حول المسؤولية الرئيسية عن عرقلة تأليف الحكومة، قال بري: «كلنا، الموضوع أفواه وأرانب».
تهافت لبناني إلى معرض دمشق الدولي
في هذه الأثناء، شكلت مشاركة أربعة وزراء لبنانيين في حكومة تصريف الأعمال وأكثر من 60 شركة ومؤسسة لبنانية، فضلاً عن العشرات من رجال الأعمال اللبنانيين، أمس، في افتتاح معرض دمشق الدولي الـ60 تحت شعار «وعز الشرق أوله دمشق»، مشهدية جديدة في أفق العلاقات اللبنانية - السورية، علماً أن ما يشهده خط بيروت ــــ دمشق من حركة سياسية وغير سياسية، يومياً، يتجاوز بكثير هذه المشاركة في المعرض الذي افتتحه رئيس الوزراء السوري عماد خميس. والتقى الوزراء اللبنانيون الأربعة وهم حسين الحاج حسن (حزب الله) ويوسف فنيانوس (المردة) وأواديس كيدانيان (الطاشناق وعضو تكتل لبنان القوي) وغازي زعيتر (حركة أمل)، عدداً من الوزراء والمسؤولين السوريين، على هامش المشاركة في افتتاح المعرض. وكان لافتاً حرص كل من فنيانوس وكيدانيان، على الاجتماع برئيس الحكومة سعد الحريري، قبل توجههما إلى العاصمة السورية.
وكانت مقدمة النشرة الإخبارية لتلفزيون المستقبل، ليل أمس، قد نقلت عن الحريري قوله: «نحن لسنا أهل فتنة ونزاعات أهلية. نحن أهل وفاق وحوار واعتدال، ونحن أهل مؤسسات ودولة وعيش مشترك، ونحن أهل الطائف الذي يسخرون منه وسيبقى رغماً عن ذلك القاعدة الأساس للسلم الأهلي اللبناني ولو كره الكارهون. فاتفاق الطائف خط أحمر، والاستقرار السياسي خط أحمر. وطريق العودة بالزمن إلى الوراء مقفل بإرادة اللبنانيين وصيغة الوفاق الوطني... فليسمع من يريد أن يسمع... ونقطة على السطر».