بعد الضجة التي أثارها الحديث عن كتاب "الخوف… ترامب في البيت الأبيض" لبوب وودوارد، والأجزاء التي سُرّبت منه قبل نشره في 11 سبتمبر المقبل، جاء مقال "نيويورك تايمز" الذي وقّعه مجهول بالاسم. صفة الكاتب كانت كافية لإثارة الاهتمام بفحوى المقال: الكاتب مسؤول حالي في إدارة ترامب ويتحدث عن كونه "جزءاً من حركة مقاومة داخليّة في الإدارة"… وهو يعمل للرئيس لكنه "كما زملاء آخرين - تعهد بإحباط ما يستطيع من أجندة ترامب ونزعاته الجنونية".
تقول "نيويورك تايمز" إنها خطوة نادرة تقوم فيها لجهة نشر افتتاحية بتوقيع مجهول، لكنها فعلت ذلك بطلب من الكاتب الذي تؤكد الصحيفة أنها على علم بهويته جيداً وقد حرصت على إخفائها بسبب التهديد الذي قد يتسبّب به كشف الاسم على عمل الكاتب.
وتضيف الصحيفة "نؤمن أن نشر هذه المقالة هو السبيل الوحيد لنقل هذا الجو الداخلي لقرائنا"، داعية إياهم للمشاركة بطرح أسئلة على الكاتب.
وجاء في المقالة بأن ترامب يواجه اختبار أهلية لتوليه الرئاسة لم يواجهه أي رئيس قبله، وهذا "ليس لأن البلد منقسم بشأنه أو أن حزبه يواجه تراجعاً في شعبيته، بل تكمن في أن مسؤولين كباراً في إدارته يعبرون عن انزعاجهم الشديد من سلوك الرئيس (غير المنضبط) و(غير الأخلاقي) ويعملون بجد لإحباط ما يفعله الرئيس".
واعترف الكاتب أنه واحد من هؤلاء المسؤولين ويعلم ما يدور بالداخل، موضحاً "أنا أعرف جيداً، فأنا واحد منهم، ولأكون واضحاً إن مقاومتنا ليست المقاومة الاعتيادية التي يتبعها اليساريون، فنحن نريد أن تنجح الإدارة".
"همسات مبكرة" لإزاحة الرئيس
قال الكاتب إن الموظفين عملوا بنشاط على عزل أنفسهم عن أسلوب القيادة "المتعجرف، المتناقض وغير الفعال" لترامب، مشيراً إلى أن "جذور المشكلة هي عدم أخلاقية الرئيس وانعدام تشبثه بأي مبادئ واضحة توجه قراراته".
وتحدث في مقاله عن "همسات مبكرة" بين أعضاء في إدارة ترامب لاتخاذ خطوات لإزاحته عن الرئاسة، لكنه أضاف أنهم قرروا ألا يخوضوا في ذلك تفادياً لحدوث أزمة دستورية.
وشرح الكاتب/ المسؤول قائلاً "على الرغم من أنه انتُخب كمرشح جمهوري، إلا أن الرئيس يظهر القليل من الميل إلى القيم التي طالما اعتنقها المحافظون: العقول الحرة والأسواق الحرة والأشخاص الأحرار. في أحسن الأحوال، أبقى تلك القيم حبراً على ورق، وفي أسوأ الأحوال هاجمها بشكل صريح".
وأضاف "فضلاً عن تسويقه الشامل لفكرة أن الصحافة هي (عدو الشعب)، فإن دوافع ترامب هي بوجه عام مناهضة للتجارة ومعادية للديموقراطية".
وبينما عزا المسؤول في الإدارة الأمريكية "القرارات المشرقة" في الإدارة إلى "السلطة التنفيذية التي يحرص كبار مسؤوليها سراً على عزل عملياتهم عن نزوات الرئيس"، وصف الرئاسة الأمريكية بأنها "ذات مسارين"، الأول هو ما يقوله وما يفعله ترامب والمسار الثاني هو ما يفعله مساعدوه عن وعي، على سبيل المثال ما يتعلق بما وصفه "ميل ترامب للحكام المستبدين والديكتاتوريين".
وأعطى الكاتب مثالاً عن تعامل ترامب مع الملف الروسي، إذ "تردّد كثيراً قبل طرد مسؤولين روس إثر فضيحة سكريبال في لندن، كما أنه أعرب عن خيبة أمله من استمرار الولايات المتحدة في فرض عقوبات على روسيا، لكن فريق الأمن القومي دفع باتجاه فرضها كجزء من المواجهة".
وشرح "لهذا السبب تعهد عدد من المعنيين في إدارة ترامب ببذل كل ما في وسعهم للحفاظ على مؤسساتنا الديموقراطية في الوقت الذي أجهضوا فيه دوافع ترامب المضللة حتى يخرج من منصبه".
وعن الاجتماعات مع ترامب، قال "تنحرف (الاجتماعات) في معظم الأحيان عن الموضوع الرئيسي، إذ يقوم ترامب بالتشويش المتكرّر وينتج عن اندفاعه قرارات غير مستنيرة، وأحياناً متهورة".
"لا نعرف ما إذا كان قد يغير رأيه من دقيقة واحدة إلى أخرى"، نقل الكاتب عن مسؤول كبير يقول إنه اشتكى له مؤخراً، بعدما غضب إثر اجتماع في المكتب البيضاوي بدا الرئيس فيه منقلباً على قرار سياسي مهم كان قد اتخذه قبل اسبوع فقط.
وختم الكاتب قائلاً "القلق الأكبر ليس ما فعله ترامب في الرئاسة، بل ما سمحنا له أن يفعل بنا كأمة. لقد انحدرنا معه كثيراً وسمحنا بأن يتم تجريد خطابنا من الكياسة".
ترامب يردّ ومسؤولون يبرؤون ذمتهم
"خيانة؟" كان أول ما غرّد به ترامب رداً على المقال، ثم أتبع تغريدته بوصف الصحيفة بـ"غير الشريفة" قائلاً "إنهم لا يحبون دونالد ترامب وأنا لا أحبهم… إذا كانت صحيفة (نيويورك تايمز) الفاشلة لديها افتتاحية مجهولة، هل يمكنك أن تصدّق ذلك، مجهول لا معنى له، افتتاحية لا معنى لها، ونحن نقوم بعمل رائع".
ووصفت سارة ساندرز، المتحدثة باسم البيت الابيض، المقال بأنه "مثير للشفقة ومتهور وأناني"، مُدينة الصحيفة لأنها نشرته.
من جهة ثانية، سرت تكهنات على الفور بشأن شخصية كاتب المقال وما إذا كان من داخل البيت الأبيض أم يعمل في وكالة حكومية أخرى.
هذا ما دفع وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو للتأكيد بأنه ليس كاتب المقال، واصفاً إياه بـ"المؤسف".
وقال بومبيو "يجب ألا يتفاجأ أحد بأن صحيفة (نيويورك تايمز) الليبرالية، التي هاجمت هذه الإدارة باستمرار، اختارت نشر هذا المقال”.
من جهته، أكد فريق مايك بنس أن "نائب الرئيس يوقّع المقالات التي يكتبها" وهو ليس كاتب المقال الذي نشرته الصحيفة، بينما قال مدير مكتب إعلام بنس "نيويورك تايمز يجب أن تخجل، وكذلك الشخص الذي كتب هذه المقالة الكاذبة وغير المنطقية والجبانة"، مضيفاً "نحن فوق تصرفات الهواة هذه".