ارقام مخيفة قدمت ضمن تقارير خلال جلسة للجنة الصحة النيابية، أظهرت ارتفاع نسبة الاصابة بأمراض السرطان بحوالي 5,6 % هذا العام في لبنان. ودعت خطورة هذا الارتفاع الى نقاش مطول حوله، خصوصا ان هناك حوالي 14 ألف مريض يعانون من المرض في لبنان ويعانون أكثر في محاولاتهم تأمين الدواء للمعالجة منه. لم يأت هذا الارتفاع من عدم، بل نتيجة عدة عوامل تتعلق بنمط الحياة والوراثة، أضف الى التلوّث البيئي وازمة النفايات وتلوث المياه وكل ما يمر به لبنان. أضف الى كلفة ادوية السرطان التي تكبد وزارة الصحة أكثر من 40 مليون دولار سنويا، والكلفة تستمر بالارتفاع حوالي 12% سنويا.
ارتفع احتمال الاصابة بأمراض السرطان في لبنان من 100 حالة لكل 10 آلاف مواطن في العام 2006، إلى 300 حالة للعدد نفسه في العام 2016، الذي سجل فيه 13 ألف إصابة جديدة والآتي أعظم. وبحسب منظمة الصحة العالمية ان عدد حالات السرطان التي يتم تشخيصها في الشرق الأوسط سيتضاعف خلال العقدين المقبلين ما لم تقم السلطات المعنية باتخاذ الإجراءات اللازمة خصوصا سرطان الرئة والمثانة.
في السياق، لفت الاخصائي بالأمراض السرطانية الدكتور جواد مكارم في حديثه لـ "ليبانون ديبايت" ان معدلات الاصابة بمرض السرطان الخبيث ترتفع في كل العالم وليس فقط في لبنان. ويعاني هذا الأخير بشكل خاص لأكثر من عامل لأنه لا يمكن حصر اسباب الاصابة بهذا المرض بعامل واحد. وشدد مكارم على ان السرطان ان لم يكن وراثي يحتاج لحوالي 10 الى 15 عام للظهور والتفشي بالتالي ما يتعرّض له لبنان من تزايد في حالات المصابين هو بمعظمه نتيجة الحروب التي مرت عليه، وما دفن في جباله من مواد كيميائية ونفايات نووية وغيرها.
من المتوقع تنامي مرض السرطان أكثر وأكثر في السنوات المقبلة بعد مرور حوالي 10 سنوات على الكوارث التي تحصل اليوم بحق البيئة، مثل تلوث الهواء الناتج عن محارق نفايات العشوائية اذ ان هناك حوالي 940 مكبا عشوائيا وأكثر من 150 موقعاً تحرق فيه النفايات في الهواء الطلق أسبوعياً، بحسب مكارم. وحذّر من خطورة عادة التدخين التي أصبحت شائعة "وين ماكان" على حد قوله. ودعا الى التركيز على حملات توعية للحد من آفة التدخين خصوصا مع الرواج الذي تشهده على جميع الفئات العمرية نظرا لتحوّل النرجيلة الى رفيق دائم للجلسات في المطاعم والمنازل وكل مكان.
لم يقلل الدكتور من اهمية التشديد على خطورة التدخين على الصحة واعتبره سبب محتم للإصابة بالسرطان. وارفق تحذيراته بأرقام تؤكد ارتفاع عدد المصابين بسرطان الرئة وتظهر بأن معدلات المرض هي الأعلى في المنطقة عند كل من الرجال والنساء وتزداد عادات التدخين بين النساء والشباب. ومن المتوقع أن يساهم ارتفاع التعرض لتلوث الهواء بنسبة حوالي 20 ٪ في حالات سرطان الرئة.
وأوضح ان المياه والهواء ليسا سببا مباشرا للإصابة بالسرطان، بل المواد الكيميائية المضرة ورواسب المعامل والمصانع والسيارات والغازات السامة المنبعثة منها والمواد السامة المرمية في الأنهر والبحر وغيرها من الأسباب مجتمعة وما يرافقها من اهمال وقلة وعي وإدراك لمدى تعاظم الأزمة تزيد من عدد المصابين سنويا لا بل يوميا. وإذا لم يتم التخلص من التلوث والتكثيف من حملات التوعية، فان لبنان على موعد مع كوارث من حيث ارتفاع تفشي هذا المرض.
أكثر انواع السرطان الشائعة في لبنان هي سرطان الثدي عند النساء، وسرطان الدم، والرئة والرحم وترتفع نسب الاصابة بسرطان البروستات وسرطان المثانة الذي من أبرز مسبباته تدخين التبغ ومشتقاته. ووفقا لدراسات حول ارتفاع نسبة السرطان، ستسجل معدلات الاصابة بسرطان المثانة بحلول عام 2020 الى 43 حالة بين كل 100 ألف شخصا، ويبقى التدخين السبب الرئيسي لهذا الارتفاع وتحديدا التبغ الأسود والنرجيلة، اذ ان المعدلات مماثلة لتلك التي سجلت في البلدان الصناعية في أوروبا والولايات المتحدة. وتعتبر نسبة اصابة السرطان عند الرجال في لبنان الأعلى بين الدول العربية خصوصا سرطانات البروستات، المثانة، اللمفوما لا هودجكن (Non-Hodgkin s lymphoma)، واللوكيميا.
ليس مرض السرطان وحده ما يشكل صدمة للمواطن، بل كلفة أدوية العلاج من المرض وعلى الرغم من ان هناك حوالي 14 ألف مريض، يأخذ 7500 منهم الدواء السرطاني الخاص بهم من وزارة الصحة أي أكثر من 50% منهم. وهذا مجهود مشكورة عليه وزارة الصحة رغم قدرتها المحدودة وامكانياتها كون الموازنة المخصصة للأمراض المستعصية هي 144 مليار وتمت زيادتها الى 156 مليار هذا العام.
لذا ومع استمرار ارتفاع معدلات الاصابة بالسرطان، هناك ضرورة لرصد موازنة اضافية لعلاج مرضى السرطان والأمراض المزمنة ذات العلاقة وعدم اخضاع هذه الموازنات إلى التقشف، لأن لا تقشف في صحة الناس. أضف الى اتخاذ الاجراءات اللازمة والخطوات لمعالجة الكوارث البيئية المسببة بأضرار صحية مسرطنة، وإيجاد خطة بيئية ومستدامة لمعالجة النفايات ووضع الحلول حيز التنفيذ لتأمين بيئة سليمة للمواطنين، وتكثيف حملات التوعية للوقاية من مخاطر التلوث والتدخين والدعوات لإجراء فحوصات مبكرة للكشف عن المرض.