بعد الاحتلال الأميركي أشاعت وسائل الدعاية الناطقة باسم سلطة الاحتلال أو الموالية لها تسمية العراق الجديد. وهي تسمية تضمر، في ما تضمر، طمس ذلك العراق التاريخي الذي عرفناه. أن لا تلتحق بذلك العراق الجديد فذلك معناه أنك تفضل أن تتحول إلى كائن تاريخي، مكانه المتحف الذي لن تسمح مساحته الضيقة لك في أن تكون جزءا من العالم الحي الذي صار مهندسو ثقافة الاحتلال يبشرون بقرب الاندماج به.
مضت كما هو معروف 15 سنة من عمر العراق الجديد مليئة بالمؤامرات والحروب الأهلية من غير أن يرى العراقيون شيئا من ذلك العالم الحي إلا من خلال شاشات التلفزيون التي لم تكن مضيئة دائما بسبب خلل أصيب به التيار الكهربائي.
كان العراقيون وقد ضللتهم الآمال في انتظار ولادة العراق الأميركي، فإذا بهم يصبحون ويمسون في ظل عراق إيراني، خيم على العقول بظلمته وعلى القلوب بيباس عاطفته. العراق الجديد الذي بشر به غلاة المتحمسين للاحتلال كان إيرانيا إذن. لقد استسلمت الولايات المتحدة المسؤولة عن كل ما جرى للعراق للطبقة السياسية التي صارت تحكم بتفويض منها وبحماية إيرانية.
لم يؤثر في شيء أن يُعلن العراق دولة فاشلة تقف في مقدمة الدول المضروبة بجرثومة الفساد التي تقف حائلا دون قيام دولة المواطنة. لم تظهر الولايات المتحدة أدنى اهتمام بمصير العراق الذي احتلته من غير تفويض دولي، وحطمت دولته من غير أسباب قانونية، وأبادت جزءا من شعبه من غير أن تفكر بتعويضه أو الاعتذار منه.
كان واضحا أن موقف الولايات المتحدة إنما يقوم على مبدأ الهروب من المسؤولية. حتى الديمقراطية التي وعد الأميركان بها صارت جزءا من العهدة التي سلموها إلى إيران. أدار الإيرانيون الانتخابات في العراق بما يتناسب مع مصالحهم.
اليوم بعد كل ما شهده العراق من كوارث وفواجع ومآس يعود الأميركان إليه بفكرة عن عراق جديد. عراق سيكون أقل إيرانية مما مضى. ذلك لأن الطبقة السياسية الحاكمة التي تلذذت بتقبيل يد الولي الفقيه لا تزال ممسكة بمفاتيح الحكم. وهي الطبقة الفاسدة ذاتها التي لا يمكن أن يثق بها أصغر خبير في شؤون الجريمة الاقتصادية.
لا شيء مما تفكر فيه الإدارة الأميركية يمكن أن يأخذ طريقه إلى التطبيق. لأن فك ارتباط العراق بإيران يتطلب إسقاط الطبقة السياسية الفاسدة لتي ارتبطت جرائمها بالغطاء الإيراني. كانت إيران المستفيدة الأولى من انتشار الفساد في الدولة العراقية.
لولا ذلك الفساد لما قاومت إيران العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة عليها قبل توقيع الاتفاق النووي عام 2015.
ما يجري اليوم في العراق إثر التدخل الأميركي في مسألة تشكيل الحكومة لا ينبئ بخير. وبالأخص على مستوى تخليص العراق من الهيمنة الإيرانية. الراعي الأميركي لا يزال مصرا على النظر بعين واحدة.
ليس نافعا أن يكون العراق الأميركي الجديد أقل إيرانية بالنسبة للعراقيين. النظرية الأميركية لن تتقدم خطوة بالعراقيين. فأن يكون العراق أقل إيرانية، حسب تلك النظرية، فذلك لا يعني بالضرورة أن حكومته المقبلة ستكون أفضل من الحكومات السابقة على مستوى الأداء الوظيفي، ما دامت التسويات بين الكتل السياسية قائمة على أساس تقاسم الغنائم والعمل على تمرير الصفقات وتبادل المصالح.
ما تقدمه الولايات المتحدة اليوم هو نسخة معدلة عن ذلك العراق الهش والمفكك والهزيل والمريض والمتناقض والقابل للانهيار الذي بدأت في صناعته عام 2003 وكان بؤرة لفساد وخراب عظيمين.