للشهر الرابع على التوالي لا زال التشكيل الحكومي يراوح في مربعه الأول، الذي يتخلله من وقت لآخر خرقٌ من هنا، وتفاؤلٌ من هناك، عبر صيغٍ أكثرت من تدوير الحقائب حتى باتت تجترّ الحلول من دون الوصول لأي نتيجة.
وكان لافتاً في هذه المسودات، التي ما تلبث أن تبصر المشاورات الرئاسية في كل مرة حتى تُخنق في مهدها، أنها لا تلتفت لحق عدد من الأحزاب العريقة التي لها تاريخ سياسي لا يمكن التنكّر له، وفي مقدمة هذه الأحزاب، الكتائب اللبنانية.
وفي ظل فوضى الكباش المسيحي المسيحي على الحقائب، أو ما يعرف بالعقدة العونية ـ القواتية، تكاد تنصهر أسماء أحزاب مسيحية أخرى، إلا من شفع له حلفاءه الأقوياء، كتيار المردة الذي يحرص الثنائي الشيعي على حفظ حصته الوزارية، وقدموا له ما يلزم من نواب لتعويم حقه التمثيلي في الحكومة المقبلة.
أما حزب الكتائب الذي لديه نفس تمثيل المردة النيابي في مجلس النواب، فلم نسمع عن تمثيله الحكومي شيئاً بعد مرور أكثر من 100 يوم على انطلاق قطار التكليف، إذا ما استثنينا المبادرة اليتيمة الفاشلة في بداية المفاوضات، والتي عرضت على حزب القوات اللبنانية أن يكون لديها وزير مشترك مع الكتائب، وهو الأمر الذي كان مرفوضاً من الحزبين.
لا حلفاء أقوياء لدى الكتائب، هو أمرٌ مسلّمٌ به بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، لكن ما الذي يمنع الكتائب اليوم من شهر سلاح التمثيل في وجه المتصارعين على الحصص المسيحية، ولماذا لا تتقرب من نواب قد يشبهونها في التفكير وبالتالي تخلق لنفسها كتلة قد تضمن لها حق التمثيل في الحكومة المقبلة.
يؤكد نائب الكتائب الياس حنكش لـ"ليبانون ديبايت" أن الكتائب قررت الترفّع عن كل ما يحصل من نفح أحجام وتناتش حصص في الإطار الحكومي، "ولا نريد دخول هذا البازار، ولم تكن المناصب تعني لنا يوماً، والدليل أننا قدمنا استقالتنا من الحكومة في وقت كان لدينا 3 وزراء".
ويرى أن الأهم اليوم، وهو الأولوية التي يجب أن تضعها كل الأطراف في صلب مطالبها، وهي تشكيل حكومة إنقاذية على مستوى التحديات التي نواجهها، "فالبلد يغرق ولا نستطيع أن نكمل بنفس الاجندات الشخصية والسياسية والحزبية" ويسأل: "ما الفائدة من 5 أو 10 وزراء وحقيبة سيادية وأخرى اساسية، لأي فريق إذا كان البلد على شفير الانهيار".
ويلفت حنكش إلى أن الكتائب تسهيلا لموضوع التشكيل وانطلاقا من حسها بالمسؤولية، ورغم كل تحفظاتها على الحكومة السابقة والطبقة الحاكمة، سمّت رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري للتكليف، "كان همنا الأول والأخير التسريع بالتشكيل، ولم نتعاطَ كطرف سياسي يريد حصة وزارية، فلم نفتح موضوع الحصص مع اي من القيمين على التشكيل وفي المقابل لم يُعرض علينا أي حصص، وإن كان من السهل علينا استيراد نواب كغيرنا لتكبير كتلتنا لتشملنا المعايير التي يتم البحث فيها، إلا أننا فخورون بنوابنا الثلاثة الذين ربحوا بأصوات صافية، هذا حجمنا الذي منحته لنا الانتخابات، ولا نريد أن نصطنع أحجاماً وهمية".
وفي الإطار الحكومي نفسه كشفت مصادر مطلعة على مفاوضات التأليف، ومقربة من الكتائب لـ"ليبانون ديبايت" أن آخر ما طُرح في بعبدا عن توزير الكتائب، هو إسناد وزارة دولة لشخص مقرب من الكتائب من حصة رئيس الجمهورية، وهو يكون توزير كتائبي لكن بطريقة غير مباشرة، تحفظ فيها الكتائب ماء وجهها ولا يُأخذ عليها أنها تخلت عن المعارضة لصالح وزير من دون حقيبة، ويكون حقق الرئيس ميشال عون طموحه بحكومة وطنية جامعة لا تستثني أي طرف سياسي في البلد، ويكسب بالتالي ودّ الكتائبيين في ظل الصراع العوني القواتي العقيم، وتجدر الإشارة إلى أن هذا الطرح هو بمبادرة من الرئيس وليس من قبل الكتائب.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن أكثر الشخصيات حظاً لهذا المنصب، هو الوزير السابق آلان حكيم، الذي تجمعه بالرئيس عون علاقة مميزة، كانت قد تمظهرت بشكل لافت في الحكومة السلامية،إذ كان حكيم من أكثر الوزراء حظاً في تمثيل الرئيس في عدة مناسبات، كما أن بينه وبين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من الودّ ما يكفي.