البسطاء وحدهم كانوا يعتقدون أن تشكيل الحكومة أو ما سمي "زوراً" بحكومة العهد، سيكون بالسلاسة نفسها التي جرت فيها عملية الإنتخابات النيابية، وتبعها إنتخاب رئيس المجلس النيابي، وهذا ما كنا أشرنا إليه في مقالة بعنوان (حكومة العهد الأولى التي لن تتشكل) في 23 حزيران الماضي .
وهذا طبعاً لم يكن ضرباً من التنجيم بقدر ما هو قراءة موضوعية لطبيعة التعقيدات المتحكمة بموازين القوى السياسية الممسكة بالسلطة وتشعباتها الداخلية والخارجية، والعقلية الاستئثارية الملازمة لفخامة الرئيس وصهره تحت يافطة بالية اسمها استعادة حقوق المسيحيين أو استنقاذ صلاحيات الرئاسة!!
أعتقد أن ما نحن فيه الآن من فراغ حكومي، لا يشكل عند حزب الله همّ أساسي، بل على العكس تماماً فمن غير المنطقي أن يكون جبران باسيل بأدائه التعقيدي وسلوكه الإستئثاري هو بعيد عن رغبة الحزب ورضاه الضمني، فالإبقاء على حكومة تصريف أعمال لا يسعها اتخاذ قرارات مصيرية هي واحدة من رغبات الحزب.
إقرأ أيضًا: حكومة العهد الأولى التي لن تتشكل
فحزب الله أصلاً يتطلع أن تكون الحكومات المشكلة هي حكومات منزوعة الصلاحيات ولا شأن لها ولا دور في القرارات المصيرية الكبرى، لأنه يتصرف أن هذا من شأن الحزب وحده وهو من يقرر بهذا الشأن، وعلى الحكومات أن تهتم بالأمور المعيشية اليومية فقط وهذا متاح لحكومة تصريف الأعمال، بمعنى آخر فإن حزب الله لا يرى فرقاً عملياً بين إبقاء الوضع على ما هو عليه الآن وبين أن تشكل حكومة جديدة!
ففي ظل المتغيرات الإقليمية الكبرى، وما تتعرض له إيران خصوصاً من ضغوط أميركية هائلة إقتصادياً وحتى عسكرياً من خلال الغارات الإسرائيلية شبه اليومية على المواقع الإيرانية في سوريا، فان كل هذا يُنبأ بأن الأمور في المنطقة ذاهبة الى خريف ساخن غير محسوم النتائج.
مما يعني أن الأمور مفتوحة على كل الإحتمالات بما فيها التصعيد العسكري على مستوى كامل المنطقة قد تكون شراراته من الشمال السوري ليتمدد الى كامل المنطقة، وفي ظل هذه الاوضاع المضطربة فان الوضع الحالي في لبنان قد يكون هو الأمثل بالنسبة للحزب، وعليه فإننا داخلون في ستاتيكو سياسي طويل الأمد حتى انقشاع الرؤية في كامل المنطقة، لأن الخيار الآخر هو حكومة ثلاثينية برئاسة الحريري ظاهراً وبقبضة باسيل فعلياً، وهذا ما لن يجرؤ سعد الحريري للقبول به حتى اللحظة.