لا تنتهي معزوفة رفع التلوث عن الليطاني وحمايته منذ إقرار مجلس النواب، قبل عامين، الخطة الرسمية لذلك، والتي رصد لها ألف ومئة مليار ليرة. عامان مرّا على الخطة، ولم تعلن الدولة ومؤسساتها حال الطوارئ رغم التقارير عن تفاقم الآثار البيئية والصحية لتلوث النهر. فيما يبدو واضحاً غياب الأولويات في تنفيذ بنود الخطة، والأسوأ فوز بعض من ساهموا في تلويث النهر بمناقصات لتنفيذه!
ألف ومئة مليار ليرة قيمة النفقات التي رصدتها الدولة لحماية نهر الليطاني ورفع التلوث عنه. مبلغ ضخم يؤشر الى مدى أهمية حل هذا الملف الذي يرقى الى مرتبة القضايا الوطنية الكبرى، لما يشكّله النهر من شريان حياة حيوي، ولما لتلويثه من آثار سلبية على البيئة والاقتصاد، والأهم صحة الساكنين على طول مجراه في ظل التقارير عن تفاقم الآثار البيئية والصحية لتلوّث النهر. أمر كهذا يستدعي، بشكل طبيعي، إعلان حال طوارئ وانغماس المسؤولين، خصوصاً المعنيين منهم، في العمل المتواصل من أجل حل هذه الأزمة المستعصية.
هذا نظرياً. أما عملياً، فلا شيء من ذلك كله. أمس، وفي مؤشر على مدى «جدية» المسؤولين، فوجئ رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية جورج عدوان بعدم حضور وزراء الطاقة والصناعة والبيئة والزراعة اجتماعاً مقرراً منذ أسابيع للبحث في اتخاذ التدابير القضائية العاجلة لتنفيذ توصيات رفع التلوث عن النهر وحمايته. أرسل بعض هؤلاء ممثلين عنهم، فطلب منهم عدوان مغادرة الاجتماع احتجاجاً على عدم حضور الأصيلين، وأعلن في نهاية الاجتماع أن اللجنة طلبت من النيابة العامة التمييزية ألا تنتظر انتهاء التقارير التي ترصد التلوث، بل تبادر إلى توقيف المتسببين به.
«الجدّية» نفسها تتجلّى في تحوّل «مشكلة الليطاني» باباً جديداً للمحاصصة ولتلزيمات المحظيين، ومن بينهم من ساهموا في تلويث النهر! فالدولة لا تزال تتخذ موقع المتفرج في ما خص تطبيق القوانين. والأسوأ أنها لا تساهم في تغطية المخالفين فقط، بل تكافئهم أيضاً. فقد حصلت «الأخبار» على لائحة بالمتعهدين الذين كُلفوا أو رست عليهم مناقصات لتنفيذ أشغال صرف صحي ضمن حوض الليطاني بقيمة 57 مليار و102 مليون ليرة. وقد تبيّن أن بعض هؤلاء وردت أسماؤهم في الإخبار الذي رفعته المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، الشهر الماضي، إلى النيابة العامة التمييزية، وتضمّن أسماء المؤسسات والمصانع التي تتسبب بتلويث النهر. من بين هؤلاء، مثلاً، شركة «البنيان» المكلّفة، وفق الخطة، تنفيذ أشغال صرف صحي في بلدة عين قانا (قضاء النبطية). علماً أن هذه الشركة، بحسب الإخبار، متهمة بتحويل المياه الناتجة عن تصنيعها الإسمنت والباطون نحو مجرى النهر. هذه الازدواجية تُضاف الى ازدواجية مواقف بعض السياسيين من المعنيين مباشرة بأزمة الليطاني. فـ«شركة نجم للرخام والمصبوبات» التي يتهمها إخبار المصلحة بتحويل نفاياتها الى النهر تعود ملكيتها لشقيق رئيس لجنة الأشغال النيابية نزيه نجم الذي تعقد لجنته جلسات لمناقشة ملف الليطاني. وشركة «ماستر»، المشتبه في مشاركتها في تلويث النهر، يملكها النائب البقاعي ميشال ضاهر. كما ورد في لائحة الملوثين اسم شركة «كفريا» لصناعة النبيذ التي يملك قسماً منها النائب السابق وليد جنبلاط.
ومما يطرح علامات استفهام حول الخطة غياب الأولويات في توزيع المشاريع جغرافياً. إذ أن قسماً كبيراً من المشاريع يتمركز في منطقتي النبطية وصور، أي ضمن الحوض الأدنى للنهر الممتد من أسفل بحيرة القرعون إلى مصبه في القاسمية. في حين أن كل المسوحات التي قامت بها الوزارات والمؤسسات المعنية تجمع على أن مصدر التلوث الرئيسي يتمركز في الحوض الأعلى، من المنبع في نبع العليق في بعلبك إلى بحيرة القرعون حيث تتجمع المياه التي تعرضت للتلوث الصناعي من عشرات المصانع والمؤسسات الواقعة في الحوض، والتلوث الزراعي بسبب سوء استخدام المبيدات والأسمدة في سهول البقاع التي يقطعها الليطاني. والمنطق العلمي يؤكد أن تنظيف الحوض الأعلى، أولاً، سيؤدي حكماً إلى رفع التلوث بشكل كبير عن بحيرة القرعون ومجرى الحوض الأدنى.
توزيع مبلغ الألف ومئة مليار ليرة (أنظر الجدول المرفق) المرصود لرفع التلوث وحماية نهر الليطاني، يظهر غياب الأولويات. فمعظم مشاريع إنشاء محطات التكرير يتركز في الحوض الأدنى، رغم أن مصدر التلوث الرئيسي هو في الحوض الأعلى بسبب تمركز المؤسسات الصناعية التي يقل عددها في البقاع الغربي والجنوبي. وتفاقمت ثغرات تطبيق القانون رقم 63 بسبب غياب تنسيق الجهود بين مختلف الأطراف، وعدم تحديد أوجه الإنفاق المحددة في قانون البرنامج لكل سنة (اعتماد الدفع)، والاكتفاء برصد مبلغ مقطوع في الموازنة العامة، ليُترك للجهات المختلفة اختيار أوجه الانفاق من بين المشاريع المحددة في قانون البرنامج (اعتماد العقد الإجمالي)، على نحو يلغي الأولويات. ومن الثغرات البارزة، أن الخطة لا تلحظ تشغيل محطات التكرير بعد إنجازها. وعليه، فإن المعنيين لم يتعظوا من تجربة تشغيل محطة زحلة التي توقفت مراراً بسبب أزمة تصريف البقايا الناتجة عن تكرير المياه المبتذلة.
مهل تتجدّد
أمس، أيضاً، كان وزير الصناعة حسين الحاج حسن يعقد اجتماعاً لـ«اللجنة المكلفة متابعة معالجة التلوث في نهر الليطاني» للبحث في الإجراءات الرادعة لوقف مصادر التلوث. وقد أعلن أنه اقترح على رئيس الحكومة سعد الحريري «رفع مستوى المعالجة من اللجنة الوزارية إلى هيئة طوارىء عليا لنهر الليطاني تتألف برئاسة الحريري». لكن، بالنظر إلى التقرير الذي رفعه رئيس المصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية إلى عدوان، يظهر بأن الأزمة لا تحتاج إلى لجان جديدة، بل الى تطبيق للقوانين المنصوصة عليها منذ سنوات طويلة لناحية وقف مصادر التلوث ورفع التعديات.
علوية لفت في تقريره إلى إعطاء وزير الصناعة مهلاً إدارية متكررة لأصحاب المؤسسات الصناعية المخالفة. وأشار الى أن الوزارة «تمتنع عن تطبيق احكام الفصل الثالث من المرسوم 8018/2002 الخاص بسقوط الحق بالترخيص والإقفال والإلغاء»، لا سيما المادتان (34) و(35) منه اللتان ترعيان حالة كل من المؤسسات الصناعية المستثمرة بصورة نظامية أو غير نظامية. وتنصان على أنه «إذا تخلفت احدى المؤسسات الصناعية المرخصة عن تحقيق شرط من شروط الترخيص، يوجه اليها تنبيه من قبل وزير الصناعة باستكمال النواقص وتسوية وضعها خلال مهلة محددة، وفي حال عدم تسوية وضعها ضمن هذه المهلة، يجري اقفالها بصورة مؤقتة بموجب قرار يصدر عنه بعد اخذ رأي لجنة الترخيص. ويستمر هذا الإقفال حتى استكمال جميع شروط الترخيص».
وتطرق التقرير إلى «تذرع وزارة الصناعة بأن لا صلاحية لغيرها بالرقابة على المصانع بناء على استشارة رقم 763 صادرة عام 2003 صادرة عن هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل. علماً بأن استشارة اخرى صدرت عام 2005 (رقمها 609 بناء لطلب وزارة الداخلية) عن الهيئة نفسها وفيها إبداء الرأي حول صلاحيات المحافظين في اقفال المؤسسات الصناعية اقفالا مؤقتا عند وجود خطر داهم، واعتبار أن التلوث البيئي الحاصل في حوض نهر الليطاني بمثابة خطر داهم». وفي ما يتعلق بوزارة الزراعة، لفت علوية الى ضرورة وضع الوزارة «خططاً للتلوث الناتج عن القطاع الزراعي وتنفيذها عملاً بالقانون 63 تاريخ 27/10/2016 والتشدد في الاجازات المسبقة لمزاولة مهنة تعبئة وتوضيب الاسمدة ومحسنات التربة، وفي تعاطي مهنه تصنيع وتحضير الاسمدة ومحسنات التربة، وفي الاجازة المسبقة لمهنة استيراد الاسمدة ومحسنات ومراقبة نوعية المياه في الحوض الأعلى».
40 الف دولار لخبير لم يظهر
عُهد إلى مجلس الإنماء والإعمار تنفيذ خطة رفع التلوث عن الليطاني وحمايته، في وقت توجه اليه اتهامات بسوء الادارة والهدر والتنفيعات. علوية خص المجلس بكتاب طلب فيه «تقديم المساعدة الفنية للمصلحة بهدف تحسين شبكة مراقبة جودة المياه ونمذجة الموارد المائية ورفع مستوى الوعي حول تنظيف النهر بموجب القانونين 64 و65 المتعلقين بالموافقة على إبرام اتفاقية قرض بين الدولة والبنك الدولي للإنشاء والتعمير لمشروع الحد من تلوث بحيرة القرعون بقيمة 55 مليون دولار». الإتفاقية التي نشر نصها في الجريدة الرسمية في 3 \11\2016، وفر البنك الدولي منها 50 مليون دولار في حين وفرت الحكومة الخمسة ملايين المتبقية. 50 مليون و500 الف دولار منها خصصت لتنفيذ شبكات صرف صحي في قرى بين زحلة والبقاع الغربي، ومليون و500 الف دولار خصصت لترشيد استهلاك المبيدات عهدت إدارتها إلى منظمة «فاو». وهناك 600 الف دولار خصصت لدراسة إنشاء المطامر، و500 الف دولار دعما لوزارة الطاقة والمياه، و500 الف اخرى للمجلس لإدارة المشروع، فضلاً عن 720 الف دولار لمؤسسة مياه البقاع. أما مصلحة الليطاني فلها من تلك الملايين 500 الف دولار لحماية تنظيف النهر وبحيرة القرعون، و200 الف دولار لتحسين نوعية المياه. مصدر معني في المصلحة لفت إلى أن 40 الف دولار من المبلغ المخصص للمصلحة ذهب إلى «خبير يفترض بأن يساعد المصلحة في تحسين نوعية المياه. لكننا لم نره حتى الآن»!
الألف ومئة مليار
القانون رقم 63 الصادر بتاريخ 27 تشرين الأول 2016 الخاص بحماية الموارد المائية في حوض نهر الليطاني ورفع التلوث، تضمن تخصيص اعتماد عقد اجمالي قدره 1100 مليار ليرة يتوزع على الشكل الآتي:
10 مليارات ليرة
معالجة المياه المبتذلة المنزلية والنفايات الصلبة والصناعية والتلوث الناتج عن القطاع الزراعي من منطقة حوض نهر الليطاني من النبع الى المصب وتشمل: توسعة محطة التكرير في ايعات وشبكات تجميع المياه المبتذلة التابعة لها قضاء بعلبك.
98 مليار ليرة
انشاء شبكات المياه المبتذلة ومحطات تكرير في البقاع الشمالي.
52 مليار ليرة
انشاء شبكات تجميع المياه المبتذلة ومحطة التكرير في شرقي قضاء زحلة.
17 مليار ليرة
توسعة شبكات تجميع المياه المبتذلة في منطقة زحلة المدينة.
125 مليار ليرة
انشاء شبكات المياه المبتذلة ومحطات التكرير في جنوب البقاع الأوسط (زحلة والبقاع الغربي)
6 مليارات ليرة
توسعة شبكات المياه المبتذلة في منطقة بحيرة القرعون/ قضاء البقاع الغربي.
135 مليار ليرة
صور ــــ 2 (القسم الباقي من ساحل مدينة صور والمناطق الداخلية والريف)
11 مليارا و250 مليون ليرة
الحلوسية (حلوسية ــــ الحميري ــــ طيرفلسيه ــــ حلوسية الفوقا)
18 مليار ليرة
صريفا (صريفا ــــ بافليه ــــ قلعة مارون ــــ نفاخية ــــ نبحا ــــ ديركيفا)
79 ملياراً و500 مليون ليرة
وادي السلوقي (فرون ــــ القصير ــــ مزرعة عزي ــــ الغندورية ــــ قنطرة ــــ ديرسريان ــــ عدشيت ــــ الطيبة ــــ عديسة ــــ ربتلاتين ــــ وادي سلوقي ــــ طلوسة ــــ قبريخا ــــ بني حيان ــــ برج قلوية ــــ تولين ــــ خربة سلم ــــ جميجمة ــــ مجدل سلم ــــ مركبا)
12 مليار ليرة
ديرميماس (ديرميماس ــــ حولا ــــ كفركلا)
157 ملياراً و500 مليون ليرة
الصرفند (المنطقة الساحلية بين نهر القاسمية جنوباً والزهراني شمالاً صعوداً حتى الزرارية وأنصار والنميرية ودير الزهراني).
52 ملياراً و500 مليون ليرة
بريقع (بريقع ــــ قصيبة ــــ قعقعية الجسر ــــ جوهرية ــــ كفردجال ــــ عدشيت ــــ ميفدون ــــ شوكين ــــ جبشيت ــــ حاروف ــــ عابا).
72 مليار ليرة
النبطية 2 (كفرجوز ــــ زبدين ــــ كفرمان ــــ ميدان ــــ النبطية الفوقا والتحتا ــــ بياض ــــ سراي ــــ عقيدة ــــ كفرتبنيت ــــ علي الطاهر ــــ منزلة).
42 مليار ليرة
نبع الطاسة (مزرعة البياض ــــ حومين الفوقا ــــ جرجوع ــــ عربصاليم ــــ لويزة ــــ مليخ ــــ عرمتى ــــ كفرحونا).
9 مليارات ليرة
العيشية ــــ الريحان (ريحان ــــ سجد ــــ نبي سجد ــــ عيشية).
23 ملياراً و250 مليون ليرة
زلايا (زلايا ــــ قليا ــــ عين التينة ــــ يحمر ــــ سحمر ــــ لبايا ــــ ميدون ــــ دلافة).
48 مليار ليرة
دراسات واشراف
100 مليار ليرة
استملاك
21 مليار ليرة
معالجة النفايات الصلبة في منطقة حوض نهر الليطاني/ محافظتي البقاع وبعلبك الهرمل.
4 مليارات ليرة
معالجة النفايات الصناعية في منطقة حوض نهر الليطاني/ محافظتي البقاع وبعلبك الهرمل.
4 مليار ليرة
معالجة التلوث الناتج عن القطاع الزراعي في منطقة حوض نهر الليطاني/ محافظتي البقاع وبعلبك الهرمل.
3 مليارات ليرة
الحوكمة
المجموع
1100 مليار ليرة