ما يجري في العراق نتيجة طبيعية لسوء الأوضاع وفساد المال والسلطة وتدهور حياة العراقيين من السوء الى الأسوأ في ظل سعي لتقاسم الثروة والسلطة من قبل الفائزين في الانتخابات والباحثين عن تحالفات تمنحهم قوّة الإطباق على البلاد وترك العباد عابثين بوطن مجهول.
ما يجري ليس من قبيل الصدفة بالقدر الذي يستجيب لرغبات ملحة ضدّ السلطة التي قتلت العراق بأسرع وقت ممكن وجعلته أسير متطلبات طائفية ومذهبية ليسهل عليها أكل العراق كتفاً كتفاً ورميه جثة هامدة لا حول لها ولا قوّة كي لا تدفع بقواها الخائرة الى الوقوف ضدّ الظلم الجديد الأسوأ في تاريخ العراق السياسي والذي برر لكل المتعاقبين على حكم العراق نظافة وسائلهم مهما كانت وسخة أمام من ذبح العراق من الوريد الى الوريد.
ثمّة من يعتقد أن التظاهرات الشوارعية في العراق هي بإيعاز دولة مسيطرة على العراق في محاولة منها للضغط على أميركا بعد أن عادت الأخيرة كل علاقة معها وتنصلت من الالتزامات الموقعة بين الطرفين وبعد أن اتجهت الى مزيد من العقوبات المحاصرة للإقتصاد كان لا بُدّ من استخدام وسائل الضغط المتاحة لثني أميركا عن غيّها الجديد وجعلها تركن الى ضرورة إيران في المنطقة كونها تملك أوراقاً قوية فيها وهي على استعداد لحرقها متى شاءت أو أرادت.
لماذا العراق؟ لماذا استخدام ورقة العراق للحرق؟ لأن العراق الورقة المهمة والتي تعني بشكل مباشر مصالح أميركا كون العراق ثروة نفطية هائلة وموقع أميركي استراتيجي تشرف من خلاله على أمنها القومي بخلاف بعض الأوراق الأخرى والتي لا تتمتع بخاصية العراق لذا كان العراق ومازال ساحة حرب ووفاق بين الأمريكيين والإيرانيين من لحظة الحربين على صدام وداعش وكانت الحكومات المتعاقبة نتيجة لتفاهمات مسبقة بين الولايات المتحدة وإيران ودون هذه التفاهمات يبقى العراق دون حكومة كما هو حاصل اليوم من خلاف سببه الفعلي سوء العلاقات الأمريكية - الإيرانية.
إقرأ أيضًا: حكومة بوظة قشطة حليب فريز
لقد فقدت إيران ما سعت اليه منذ تطلعها الى دور إقليمي كبير لا يمكن توفيره الاّ من خلال تحسين شروط العلاقة مع أميركا فما أنجز بسنين تم نسفه بثانية عندما مزق ترمب أوراق الاتفاق مع إيران وقرر محاسبتها على سياساتها ببذل رزمات جديدة من العقوبات التي وضعت اقتصاد إيران على شفير الهاوية وهذا ما أدّى الى ردود فعل في الشارع الإيراني ولم يعد باستطاعة الحرس لمّ المشاكل الداخلية بعصا العمالة للغرب.
لذا كان العراق ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات دون مراعاة للشعب العراقي الممزق شيعاً وأحزاباً في ظل سلطة مستسلمة لإرادات الخارج كونها مرتبطة بها ولا إمكانية للرجوع عن سياسة الإستزلام لها وقد لعب رجال الدين الدور المطلوب في إخضاع العراقيين لسياسات الإستسلام بالابتعاد عن المطالبة بالحقوق وبالخدمات كونها من أمور الدنيا والمؤمنون يبعدون عن زينة الدنيا طالما أن التظاهر لا يلبي مصالح الجهات الخارجية.
أمس على ضوء تظاهرات البصرة قام "شويخ" ونهى المتظاهرين عن تظاهراتهم الآثمة كونها تطالب بالكهرباء والماء والحق بعيش كريم وطالبهم بالتظاهر ضدّ مسح اسميّ الخليفتين أبي بكر وعمر من المنهاج التربوي والتاريخي والخروج مسيرات مليونية ضدّ كسر ضلع الزهراء سلام الله عليها.
هذا إيعاز مباشر لخنق العراق من الأمكنة التي مازال يتنفس منها وثمّة تحضيرات لتوظيف مناسبة الحسين عليه السلام في معركتي الداخل والخارج بإعادة برمجة العراق وفق هويات طائفية أكثر حدة وغلظة وشراسة كيّ تبقى قوّة العراق مستنزفة بين العراقيين هذه عينة أخرى من عيّنات التصارع على العراق بأدوات محلية تنبش قبور التاريخ لدفن العراقيين فيها.
هذا ما يراه من يرون شرّ العراق في العيون الإيرانية وهذا ما لايستثني أحداً من العراقيين ومن هم من غير عراقيين ,من العابثين بأمن العراق.