«أفتى» وزير العدل سليم جريصاتي، «المنظّر» القانوني للعهد، بمطالعة مسهبة نشرتها وسائل الإعلام أخيراً خلص فيها الى أنّ استنفاد الرئيس المكلّف المهلة المعقولة في تأليف الحكومة سيكون سبباً «لتدخّل رئيس الجمهورية الحاسم لوضع حدٍّ لهذه الحالة المتأرجحة وغير المستقيمة من طريق المبادرة الى استدعاء الشخصية المكلّفة تشكيل الحكومة والإبلاغ اليها أنّ المصلحة العليا لم تعد تتحمّل التأخير في التأليف، وإعطائها التوجيهات اللازمة لإنجاز المهمة».
أما في حال لم تأخذ بالتوجيهات «يبادر الرئيس الى التمنّي على رئيس الحكومة المكلّف أن يعتذر عن التأليف، مع الإبقاء على إمكانية إعادة تكليفه».
وفي حال لم يفعل، كما يقول جريصاتي، «فلا مناص حينئذ من قيام رئيس الجمهورية بتوجيه رسالة الى مجلس النواب واتّخاذ الموقف أو الإجراء المناسب بالأكثريّة العاديّة، كأن يصار مثلاً إلى حضّ رئيس الحكومة المكلّف على اعتماد المعيار الواحد في التأليف وعدم احتكار فريق سياسي واحد لطائفة بكاملها في الحكومة والتزام مبدأ العدالة بمفهومه الواسع».
بعد صدور البيان الرئاسي الذي أعقب تقديم الحريري المسودّة الحكومية لرئيس الجمهورية وارتفاع سقف الخطاب السنّي المدافع عن صلاحيات رئاسة الحكومة، والذي تُرجم أخيراً ببيان رؤساء الحكومات السابقين، سُمِعت مجدداً أصواتٌ من دائرة رئيس الجمهورية تحذّر من «المماطلة ومحاصرة الرئاسة الأولى»، مشيرةً الى نيّة عون كسر المراوحة عبر «عدد من الخطوات» يتكتّم محيطُه عليها.
إذاً لم يكن لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون يوماً «خطة ب» في ما يتعلق بحتمية وصوله الى رئاسة الجمهورية، فبالتأكيد هو يملك هذه الخطة في ما يتعلّق بما ترى مصادر الرئاسة الأولى أنه «منعٌ للرئيس من ممارسة ما تبقى من صلاحياته الدستورية، وتحديداً من خلال منعه من «إعطاء رأيه» وفرملة صدور تشكيلة حكومية تنسف نتائج الانتخابات النيابية»!
ثمّة تكتّم رئاسي كامل على ما يتعلق ببنود الخطة «ب»، لكنّ مصادر بعبدا تجزم «أنّ هناك مَن لا يعرف ميشال عون على حقيقته بعد. لقد سبق واستخدم، بعد انتخابه رئيساً، صلاحيات دستورية لم يجرُؤ أيُّ رئيس بعد اتّفاق الطائف على استخدامها»، مشيرةً الى أنّ «هناك صلاحيات أساسية وكثيرة يمكن أن يلجأ اليها عون من ضمن الدستور المنبثق من «الطائف» نفسه»، ومتسائلةً «هل يمكن مثلاً تجاهل مشهد تحوّل رسالة يوجّهها رئيس الجمهورية الى مجلس النواب «هايد بارك» يناقش أداء الحكومة علناً وأسلوب الرئيس المكلّف إدارة مفاوضات تأليف الحكومة والمعايير «المُشوّهة» المعتمدة من جانبه؟!».
وفيما تحوّلت المادة 53 (الفقرة الرابعة) من الدستور التي تنصّ على «أنّ رئيس الجمهورية هو الذي يُصدر مرسوم تشكيل الحكومة بالاتّفاق مع رئيس مجلس الوزراء» الى عنوان اشتباك حقيقي غير مسبوق بين الرئاستين الأولى والثالثة، فإنّ عون بات يعتبر أنّ عدمَ تقييد الرئيس المكلّف بمهلة لتأليف الحكومة تخفيفاً للضغط عنه، لا يجوز أن يُستخدم وسيلة ضغط على رئيس الجمهورية، وعلى هذا الأساس سيتصرّف.
ويبدو أنّ اتّجاه عون لتوجيه رسالة الى مجلس النواب يفترض التنسيق مباشرة مع رئيس المجلس نبيه بري وفقاً لأحكام المادة 145 من النظام الداخلي للمجلس تمهيداً لانعقاده حيث تتمّ مناقشة مضمون «الرسالة الرئاسية»، وسيكون متاحاً لطالبي الكلام التعبير عن موقفهم، فيما تشير أوساط عون الى أنه يمكن إستناداً الى مضمون النقاشات إطلاق توصية أو اتّخاذ قرارات تعيد قطارَ التأليف الى سكّته الدستورية، مع الاشارة الى أنّ نتائج الجلسة ليست إلزامية للرئيس المكلّف!
ويقول أحد نواب تكتل «لبنان القوي»: «إذا كانت نيّة الرئيس المكلّف فتح معركة حول الصلاحيات فسنصل اليها حتماً. وإذا لم يكن الأمر كذلك فليس نحن مَن سيدفع في هذا الاتّجاه»، مؤكداً «أنّ رئيس الجمهورية، كما الرئيس المكلّف، لا يزالان يتكلّمان بمنطق الاعتدال، على رغم التباكي غير المبرَّر وغير المفهوم على صلاحيات الرئاسة الثالثة».
وفيما يردّد البعض أنّ سلوك الرسالة الرئاسية دربها الى مجلس النواب ودعوة بري الى مناقشتها قد يصطدم بمقاطعة قوى سياسية لها على رأسها تيار «المستقبل»، فإنّ مطّلعين يؤكدون أن «لا مصلحة لأيِّ طرف سياسي في مقاطعة هذه الجلسة لأنها ستشكّل منبراً للجميع».
مع ذلك، تشير أوساط عون الى أنّ الفرصة لا تزال متاحة أمام الحريري لاستدراك «الأخطاء» التي طبعت «التوزيعة» الحكومية التي قدّمها للرئيس، مع تأكيدها أنّ عدم تصحيح الخلل في عملية تأليف الحكومة ووصول الأمور الى الحائط المسدود سيقود عون، من ضمن حقه الدستوري، الى توجيه رسالة الى مجلس النواب، مباشرة أو عبر رئيس المجلس، وهو وحده يملك توقيت هذه الخطوة التي قد تصبح أمراً واقعاً، كما تقول الأوساط.