أولاً: بيان الرؤساء السابقين...
للمرّة الثانية أو الثالثة يصدر عن رؤساء الحكومة السابقين مجتمعين ومنفردين مواقف تدافع عن موقع رئاسة الحكومة وصلاحياتها وهيبتها بوجه كلّ من يحاول النّيل من هذا الموقع، وخاصة من جانب موقع رئاسة الجمهورية ومن يدور في فلكها، وفي خضمّ المراوغة في تشكيل الحكومة اجتمع الرؤساء السابقون نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمّام سلام، وأصدروا بياناً هامّاً كردٍّ مباشر على بيان مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية الذي ألمح إلى خروج رئيس الحكومة المكلّف عن المعايير والأسُس التي "حدّدها" رئيس الجمهورية لإنجاز عملية تأليف الحكومة العتيدة، فدعا بيان الرؤساء إلى وجوب احترام مقام رئاسة الجمهورية ومقام رئاسة الحكومة معاً، أمّا الحديث عن معايير وأُسُس قد يُحددها أو يستنسبها رئيس الجمهورية (أو من يدور في فلكه) فهو خروجٌ فاضح على الدستور وروح الدستور، ذلك أنّ هذا الدستور هو الذي أوكل لرئيس الحكومة المكلّف إعداد مشروع تشكيل الحكومة العتيدة وعرضها بعد ذلك على رئيس الجمهورية، وما على الرئيسين معاً سوى احترام نصوص مواد الدستور وعدم الخروج على مبادئ النظام الديمقراطي اللبناني، وعدم إعاقة بناء المؤسسات الدستورية والتّفرُّغ للقيام بأعباء النهوض بالدولة وصيانة نظامها والحفاظ على كيانها.
ثانياً: الدلالات السلبية لبيان الرؤساء...
1- الضّعف والوهن الذي أصاب موقع رئاسة الحكومة...
لم يعد خافياً على أحد أنّ موقع رئاسة الحكومة أصابهُ الضّعف والوهن، خاصّةً بعد احتجاز الرئيس سعد الحريري في الرياض وتقديمه استقالة قسرية من منصبه، لينسُب بعد ذلك وزير الخارجية جبران باسيل لنفسه فضيلة الدفاع عن الحريري وإعادته سالماً لمنصبه، وذلك بفضل رئيس الجمهورية ودعمه، قافزاً فوق الموقف الحاسم لفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، والذي قضى بعدم تعريض لبنان لأزمات أمنية مع تداعياتها، وقد تجلّت مواقف عدّة للوزير باسيل في تجاوز رئيس الحكومة في علاقاته الخارجية (وخاصةً مع وزير خارجية سوريا)، أو في طرحه المتواصل والعنصري لمسألة النزوح السوري، وكان من غير المستغرب أن يتحسّس رؤساء الحكومة السابقين من مدى تعرُّض موقع رئاسة الحكومة للانتقاص والتّجاوز والامتهان، فكان لا بدّ من تقديم الدعم اللازم لهذا الموقع المعتبر رمزاً من رموز كرامة الطائفة السّنية ضمن النظام الطوائفي اللبناني.
2- غطرسة واستعلاء الرئاسة الأولى على الثالثة...
لم يعد خافياً على أحد مدى الغطرسة والاستعلاء بحقّ رئيس الحكومة من قبل رئيس الجمهورية، وتجلّى ذلك مؤخّراً في توجيه إنذار "زمني" محدّد في الأول من أيلول لتقديم تشكيلة حكومية، وبعد تقديم التّشكيلة المرتجاة، تحفّظ عليها رئيس الجمهورية، ليُعلن بعد ذلك مكتبه الإعلامي أن "معايير" رئيس الجمهورية لم تُراع في التشكيلة-المشروع. أضف إلى أنّ الرئيس المكلّف بات مضطراً لمراعاة خاطر و"معايير" الرئيس عون، ومن ثمّ مراعاة خاطر و"معايير" الوزير باسيل الذي بات صعب المراس، وقد فُتحت شهيّتُه على السلطة بما لا يُقاس. في هذه المعمعة جاء بيان الرؤساء السابقين علّه يُصحّح مسار التنازع والتشابك بين صلاحيتي كلّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف بما يحفظ كرامة موقع رئيس الحكومة، ويسمح بتجاوز العُقد المصطنعة والتي تؤخّر قيام الحكومة وقيام لبنان من أزماته ومعاناته مع عهدٍ رئاسي بات المعرقل الأوحد لمسيرة العهد "القوي".