ضربت الطائرات الحربية الروسية مقاطعة إدلب السورية يوم أمس في الوقت الذي أقام فيه سكان أكبر معقل رئيسي للمعارضة في البلاد هجومًا على النظام فيما حذّرت الولايات المتحدة من أنّ أي ضربة قد تؤدي إلى كارثة إنسانيّة.
ضربت حوالي 30 غارة جوية روسية المقاطعة الشمالية الغربية، معظمهم في منطقة تبعد حوالي 25 ميلاً غربي مدينة إدلب، عاصمة المحافظة، حسب ناشطين محليين. كما ضربت مدفعية النظام السوري المنطقة. وقالت جماعة الدفاع المدني عن الخوذ البيض إنّ 17 مدنيًا على الأقل قتلوا في الهجمات من بينهم خمسة أطفال.
وفي الأمس، حذّر المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف من أن القوات المسلحة السورية مستعدة للتصرف في إدلب، حيث قال إن متشددين من جميع أنحاء سوريا تجمعوا. وقال، وفقًا لوكالة انترفاكس الروسية: "بدون شروط ، علينا أن نتعامل مع المشكلة". وتأتي هذه الضربات بعد أسابيع من الهدوء النسبي في منطقة اجتذبت عشرات الآلاف من المدنيين ونشطاء في الوقت الذي يحاول نظام الرئيس السوري بشار الأسد استعادة جيوب تسيطر عليها المعارضة في أماكن أخرى من البلاد.
يشدّد نظام الأسد قبضته على البلاد برمتها بعد أن انتصر في صراع دام أكثر من سبع سنوات، واستعاد في الأشهر الأخيرة ضاحية الغوطة الشرقية ومعظم المقاطعات الجنوبية. لقد تركت الشمال الى النهاية لأن المعركة هناك معقدة والمصالح متباينة للعديد من القوى الأجنبية حيث الوجود الأكبر للمقاتلين المناهضين للحكومة.
من المقرر أن يجتمع قادة روسيا وإيران، الداعمون الرئيسيون للرئيس الأسد والرئيس التركي في طهران يوم الجمعة لإجراء محادثات حول كيفية إنهاء ما يتوقع أن يكون الفصل الأخير في الحرب. ويخضع الشمال الغربي لاتفاقية ثلاثية لوقف إطلاق النار توسطت العام الماضي بين الدول الثلاث ، لكن ذلك لم يمنع النظام وروسيا من شن هجمات منتظمة في المنطقة.
قال الجنرال البحري الأمريكي جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة اليوم الثلاثاء إنه يخشى من "كارثة إنسانية" في إدلب. وقال الجنرال دانفورد للصحفيين المسافرين معه: "لا نرى أن العمليات العسكرية ستكون مفيدة لشعب سوريا".
وجاءت تصريحاته بعد يوم واحد من تصريح الرئيس ترامب في تغريدة قال فيها إن الأسد والروس والإيرانيين "سوف يرتكبون خطأ إنسانيًا خطيرًا" إذا هاجموا إدلب.ومع ذلك، لم يصل السيد ترامب إلى التحذير من الانتقام. وكانت الولايات المتحدة قد أشارت في وقت سابق إلى أنها ستتدخل فقط في إدلب إذا استخدم النظام السوري الأسلحة الكيماوية ، حيث اتُهم على نطاق واسع بالقيام بذلك في العديد من الحالات خلال الحرب. نفت سوريا استخدام الأسلحة الكيماوية.
كرّر البيت الأبيض موقف السيد ترامب يوم الثلاثاء ، محذراً من أن كارثة قد تنتج عن هجوم وتحذير من ردّ أمريكي محدد في حالة استخدام الأسلحة الكيميائيّة.
"إن الولايات المتحدة تراقب عن كثب الوضع في محافظة إدلب، سوريا، حيث يتعرض الملايين من المدنيين الأبرياء لخطر هجوم نظام الأسد الوشيك، بدعم من روسيا وإيران"، قال البيت الأبيض، مضيفًا أن ترامب حذر من الحصار"سيكون تصعيدًا طائشًا لصراع مأساوي بالفعل وسيخاطر بحياة مئات الآلاف من الناس".
من المرجح ألّا يؤدي أي هجوم بالأسلحة التقليدية إلى تغيير الموقف الأمريكي، أو التأثير على وجود حوالي 2000 من القوات في الجزء الشمالي الشرقي من سوريا، حسب قول سام هيلر، وهو محلل كبير مقره بيروت في مجموعة الأزمات الدولية. وقال السيد هيلر: "أعتقد أن الأمريكيين قد وصلوا إلى الموقف القائل بأن إدلب لا تمثل مصلحة جوهرية بالنسبة لهم في سوريا".
تضم إدلب حوالي ثلاثة ملايين شخص، وفقاً لبعض التقديرات، حوالي نصفهم قد نزحوا من مناطق أخرى في سوريا. لا توجد معلومات دقيقة عن عدد المتمردين من المجموعات المختلفة المختبئين في المحافظة ، لكن المسؤولين الغربيين يقدرون العدد بما لا يقل عن 20،000.
حذّرت الأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى من أن الهجوم الشامل يمكن أن يؤدي إلى كارثة إنسانيذة مماثلة لسقوط حلب الذي جلب معاناة على خلاف أي شيء شوهد خلال الحرب السورية مع الإشارة إلى انّ عدد سكان حلب أقل بكثير من سكان إدلب. واعتبرت لاورين برامويل، مديرة مكتب لجنة الإنقاذ الدولية في سوريا: "ان المدنيون يأملون بفارغ الصبر أن توافق القوى العالمية على التوصل إلى حلٍّ دبلوماسي يمكن أن يتجنب هجوماً سيعرض آلاف الأرواح البريئة للخطر". لقد تكاثر قرع طبول الحرب التي من المحتمل أن تكون المعركة النهائية الأخيرة للصراع في سوريا لأسابيع. في أغسطس / آب، قصف النظام السوري البلدات والريف في إدلب، ووزع منشورات تحث السكان المحليين على الاستسلام. وفي غضون ذلك، قامت فصائل متمردة داخل إدلب في الأسابيع الأخيرة باعتقال العشرات من الأشخاص المشتبه في تفاوضهم مع النظام أو داعميه الروس. قال قائد في جماعة أحرار الشام في بيان مسجل بالفيديو الأسبوع الماضي إن المتمردين في إدلب كانوا يقومون بالتحضيرات للدفاع عن المقاطعة ضد أي هجوم. قال القائد جابر علي بشار: "المعركة من أجل الشمال ستكون جحيماً للروس، وليس مثل المناطق الأخرى." وكثيراً ما قصفت روسيا إدلب على مدار الحرب، ووفقاً للخوذات البيض: الناس يفرون من جسر الشغور باتجاه الحدود التركية. كلنا نعلم أن أي هجوم للنظام يبدأ بحملة قصف ضخمة. يقول هارون الأسود، وهو أحد الناشطين المعارضين "من غير الواضح ما إذا كانت الغارات الجوية الروسية تشير إلى بداية وشيك لهجوم أوسع، أو يقصد بها إظهار القوة إلى الأمام اجتماع طهران. يوجد في تركيا عشرات من نقاط المراقبة في إدلب، وعلى الرغم من أن أنقرة هي العدو اللدود للنظام السوري، إلا أنّ روسيا تجنبت حتى الآن استهداف القوات التركية، "سأفاجأ إذا أطلق الروس الهجوم دون التوصل إلى نوع من التفاهم المسبق مع تركيا"، يشكك السيد هيلير، "أو على الأقل منحهم نوعًا من التحذير للخروج من الطريق، على الرغم من فشل تركيا في إقناع أكثر المتشددين بالاندماج مع الفصائل المعتدلة التّي تدعمها أنقرة". في الأسبوع الماضي، صنفت تركيا "هيئة التحرير الشام" ، الجماعة المتمردة في إدلب، وهي تابعة لتنظيم القاعدة السابق، كمنظمة إرهابية.
في وقت سابق من هذا العام، التقى مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، ستافان دي ميستورا، بمسؤولين رفيعي المستوى من مجموعة من الدول في جنيف لمناقشة صياغة دستور جديد سوريا. لم يكن الأسد مدعواً. قال دي مستورا الأسبوع الماضي إنّه مستعد للذهاب إلى إدلب للتفاوض شخصيًا على ممر إنساني يسمح للمدنيين بالهرب، لكن دون جدوى.
ترجمة وفاء العريضي
بقلم سونيه إنجل راسموسن نقلا عن وول ستريت جورنال
ترجمة لبنان الجديد