كان من المتوقع ان تكون الصيغة الحكومية التي تقدم بها الرئيس سعد الحريري الى رئيس الجمهورية موضع رفض لبعض نقاطها، لأنها - بحسب المعترضين - راعت اطرافا سياسية على حساب اطراف اخرى، وانها تشكل عامل ضغط وتأثير من ثلاث تكتلات سياسية وازنة متفقة في ما بينها سياسيا، هي «تيار المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي و«القوات اللبنانية»، ويُخشى ان تتحول الى ثلث معطل للحكومة وللعهد باعتبارها متحدة تضم 13 وزيرا (6 مستقبل + 4 قوات + 3 اشتراكي)، بينما القوى الاخرى المشاركة في الحكومة (امل وحزب الله والتيار الوطني الحر وتيار المردة) تشكل مجموعات مختلفة قد تتفق على مواضيع محددة وقد تختلف على مواضيع اخرى كثيرة، لا سيما التيارين المسيحيين «الحر والمردة»، و«التيار الحر» وحركة «امل».
ولكن ثمة من يذهب الى القول ان الرئيس الحريري قدم صيغته التي رأى انها تُرضي بعض المعترضين على محاولة تخفيض تمثيلهم وإضعاف وزنهم السياسي، وفي نفس الوقت تستجيب للضغط الذي مُورس عليه خلال الشهر الماضي من اجل الاسراع في تقديم تشكيلته الحكومية، والذي ارفق بتهديدات مبطنة تارة بسحب التكليف وطورا بالحديث عن تحديد مهل ملزمة له، وهو امر اعتبره الحريري خارج الاطار الدستوري ويمس بصلاحيته الحصرية بتشكيل الحكومة. ويرى هؤلاء انه من الطبيعي ان يراعي الرئيس الحريري حلفاءه الاقربين المشاركين معه في الحكومة، كما يراعي الاخرون حلفاءهم في التمثيل الحكومي.
إلاّ ان ما جرى دفع بعض القوى السياسية الى طرح اسئلة عديدة بعد تقديم الحريري التشكيلة الحكومية وهي: هل انه قدمها من باب رفع العتب نتيجة الضغوط التي مورست عليه؟ ام انه قدم صيغة يعلم سلفا انها ستكون مرفوضة، لكنها تعطيه فرصة اضافية لمزيد من التشاور والحوار من اجل تدوير الزوايا وحلحلة العقد المستعصية المرافقة لمفاوضات التشكيل؟ ام انه اراد إحراج رئيس الجمهورية و«التيار الحر» بدفعهم للرفض ليزيح عن كاهله الضغوط السياسية والمعنوية؟ ام انه يعلم ان الظروف الخارجية الاقليمية والدولية لا زالت تحول دون تشكيل حكومة ائتلاف وطني من قوى سياسية بعضها موضع اعتراض مثل «حزب الله»، وانه ينتظر جلاء الغيمة الاقليمية السوداء التي تحوم فوق لبنان ليشكل حكومة وحدة وطنية هو مقتنع بها برغم الخلافات العميقة احيانا بين اطرافها على كثير من الامور الاستراتيجية والاجرائية الداخلية؟
الثابت من كل ما جرى ان الحريري اخذ لنفسه وقتا اضافيا يتيح له استجلاء مسار الوضع الاقليمي والدولي الذي ينعكس على لبنان بشكل اكيد، كما يتيح له فرصة لإجراء مزيد من المشاورات، مع انها قد لا تفيد كثيرا طالما ان الاطراف السياسية متمترسة خلف مواقفها وشروطها، إلا اذا كان رفض التشكيلة يشكل عامل دفع مساعد لخفض السقوف العالية لبعض القوى السياسية، التي قد تجد نفسها مضطرة لمواجهة الوضع الصعب لجمهورها وللوضع الاجتماعي وللاقتصاد الوطني، بقليل من التنازل او التسهيل الاضافي، خشية انفجار الشارع بوجهها على ابواب شهر الاستحقاقات الكبيرة والمكلفة في ما يحمله الخريف من اعباء على كاهل المواطن.
وعلى هذا ربما يكون النصف الاول من شهر ايلول فرصة للرئيسين ميشال عون والحريري من اجل اجراء تعديلات على الصيغة الحكومية بعدما استنفدت محاولات التشكيل كل اساليبها، وتوقفت عند عقدتي «القوات» والحزب الاشتراكي بفارق وزير لكل منهما فقط، وهو امر ربما بات بمقدور الرئيسين حله، سواء بتبديل من هنا او تغيير من هناك او اضافة او تنازل في مكان اخر. وإلا فإن طال امد التشكيل اكثر يصبح مشروعاً الاقتناع بأن الخارج يضغط على الحريري من اجل ابقاء لبنان ساحة لتصفية الحسابات السياسية الإقليمية، والتي لا احد يستطيع التكهن بنتائجها السلبية.