إذا ما وافق رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل، على الصيغة التي قدّمها الرئيس سعد الحريري، يمكن اعتبار أن الحكومة قد تبصر النور في وقت قريب. أما في حال عدم موافقتهما على ما تقدّم به الحريري، فسيكون لبنان أمام احتمالين، الأول تأخر ولادة الحكومة، في انتظار بلورة بعض التطورات الإقليمية والدولية؛ والثاني الضرب تحت الحزام لدفع الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة إلى تقديم تنازلات أكثر من كيس "حلفائه"، أي التخلّي عن مطلب للقوات وآخر للاشتراكي، والموافقة على شروط رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر ويعمل على تقديم حكومة أمر واقع.
الصيغة التي قدّمها الحريري هي حكومة ثلاثينية، وصفها بأنها حكومة وحدة وطنية لا تكرّس انتصار طرف على آخر، كما ضمّنها مقترحاته للحقائب وكيفية توزيعها على الكتل. يبقى السؤال عما أعطى للقوات والاشتراكي. ووفق مصادر متابعة فإن الحريري كان قد توافق مع القوات اللبنانية على 4 حقائب خدماتية، بعدما تنازلت عن الحقيبة السيادية ومنصب نائب رئيس الحكومة، على أن لا تحصل على وزارة دولة ولا يحصل التيار الوطني الحر على الثلث المعطّل. وهذا ما تعتبره القوات تنازلاً كبيراً. أما بالنسبة إلى الاشتراكي فقد بقيت المسألة مبهمة، إذ إن الاشتراكيين تمسكوا بمبدأ المطالبة بالوزراء الدروز الثلاثة، بينما الحريري حاول التعاون مع الرئيسين عون ونبيه بري للموافقة على درزي وسطي مقبول من وليد جنبلاط وقريب منه.
وتكشف مصادر متابعة أن اللقاء بين الحريري وباسيل لم يصل إلى لحظة الحسم في نقطتين أساسيتين: حصّة القوات، وإحدى الحقائب الأساسية التي رفض الحريري منحها للتيار الوطني الحر، فيما باسيل تمسّك بالمطالبة بها. ولم تفصح المصادر عن تلك الحقيبة، معتبرة أن الحريري عوّل في ذلك على لقائه مع الرئيس عون، الذي قد يتدخل لدى باسيل لاقناعه بالسير في هذه المسودة التي قدّمها الحريري، والتي قد تكون قابلة للتفاوض حول بعض الحقائب بعد تثبيت الحصص. وتعتبر مصادر أخرى أن عون سيرفض تشكيلة الحريري هذه، وأنه يفضّل أن ينجز التوافق عليها مع باسيل قبل تقديمها للبت بها.
إنها ساعات حاسمة لتشكيل الحكومة، أو لإطالة أمد تشكيلها. وستتخلل هذه الساعات جولات من الاتصالات واللقاءات لتذليل بعض العقبات، سيثبت الحريري فيها أنه قدّم كل ما لديه لأجل تسهيل تشكيل الحكومة، وردّ الاتهامات التي تساق بحقه إنطلاقاً من اعتبار أنه يمعن في المماطلة مراهناً على تطورات خارجية. قبل حصول اللقاء مع باسيل، كان شدّ الحبال يبلغ مرحلة متقدّمة جداً، وصلت إلى حدّ توجيه تحذيرات سياسية للحريري من قبل التيار الوطني الحر، بحسب ما تكشف مصادر متابعة لمسار التأليف لـ"المدن".
وتقول المصادر إن التيار أوصل رسالة إلى الحريري بأنه يريد الحفاظ على العلاقة والتسوية معه، وبأن أفق التعاون بينهما لا تزال خياراً ثابتاً، ولكن على الحريري أن يعلم مصلحته التي توجب عليه عدم الالتصاق أكثر بجنبلاط ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع. والشق الآخر من هذه الرسالة يتضمن تحذيرات عالية للرئيس المكلّف، إذا ما كان يطيل أمد التشكيل نزولاً عند رغبة جنبلاط وجعجع تلبية لمطالب سعودية، فهذا يعني افتراقه عن التيار وإنقلابه على التسوية. وتذكّره رسالة التحذير بالموقف الذي اتخذه عون وباسيل أثناء استقالته من الرياض، ووصفهما الأمر بأنهما استنفرا لأجل فك أسره وإطلاق سراحه. أما النقطة الثانية، فتحذّره بتذكيره بالمواقف التي كان يطلقها سابقاً بحق جنبلاط وجعجع، وسعيه الدائم إلى زكزكتهما سواء أكان قبل الاستقالة من الرياض أو بعدها، وقبل الانتخابات النيابية أو بعدها.
تقرأ المصادر في هذه التحذيرات بأنها ضرب تحت الحزام، على الحريري أن يقرأها بجدية، لدفعه إلى تغيير موقفه، والتخلّي عن تبنيه خيارات جنبلاط وجعجع، والذهاب في اتجاه تنفيذ مصلحته. وهذا الكلام إذا ما صحّ، يعني أن الضغط سيزداد في الأيام المقبلة، لدفع الحريري إلى ترك جنبلاط وجعجع وحيدين، وتقديم صيغة أمر واقع. ما سيمثل انقلاباً حريرياً على "حليفيه" لقاء تجديد تعزيز تحالفه مع عون وباسيل. وهذا إذا ما حصل، سيضع لبنان أمام تحول سياسي جذري. في المقابل، هناك من ينفي بشكل قاطع إمكانية لجوء الحريري إلى الانقلاب على جعجع وجنبلاط، مؤكدين أن عدم التوافق على الصيغة التي قدّمها، يعني أن ولادة الحكومة ستتأخر، وسيبقى الستاتيكو قائماً كما هو اليوم.