أحاط رئيسا الجمهورية ميشال عون والحكومة المكلف سعد الحريري «الصيغة الحكومية المبدئية» لتوزيع الحقائب بالكتمان الشديد. لم يجب عون سائليه عمّا تضمنه الظرف الأبيض الذي تسلّمه من الحريري، وكذلك فعل الأخير برفضه كشف مضمون صيغته حتى أمام أقرب حليفين له، هما القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي. وقال لكل من وزير الإعلام ملحم رياشي والنائب تيمور جنبلاط، بعد اجتماعه بكل منهما على حدة، إن الصيغة لن يصار إلى تسريبها للإعلام بناءً على اتفاق مسبق بينه وبين رئيس الجمهورية.
وفيما تكتمت «القوات» و«الاشتراكي» على مضمون الاجتماعين، كان لافتاً للانتباه أنه في اجتماع المجلس المركزي لتيار المستقبل، وهو الأول من نوعه منذ إجراء الانتخابات النيابية، وشاركت فيه كتلة المستقبل النيابية ووزراء تيار المستقبل، لم يتردد الحريري في إبلاغ سائليه أنه ليس وارداً في قاموسه أن يعتذر عن عدم التكليف، وقال لأحد وزراء «المستقبل»: شو أنا مجنون حتى قدم هدية الاعتذار مجاناً.
وفهم المشاركون في الاجتماع أن الحريري ينتظر جواباً من رئيس الجمهورية خلال مهلة 48 ساعة (من تاريخ اجتماعهما)، يفترض بعدها أن تحدد له دوائر القصر الجمهوري موعداً للقاء العماد عون، وذلك للاستماع إلى «ملاحظاته الجوهرية» بشأن «الصيغة المبدئية» لتوزيع الحقائب التي نقلها إليه الحريري، أول من أمس.
بعد ذلك، يفترض أن تبدأ مرحلة جديدة من التكليف، يبدو أنها ستكون الأصعب وربما أكثر احتداماً، إذ إنها تحمل في طياتها بذور تنازع مكشوف على الصلاحيات الدستورية، وهو الأمر الذي استوجب دخول ثلاثة من رؤساء الحكومات السابقين على خط الدفاع عن صلاحيات الرئاسة الثالثة (راجع في الصفحة نفسها موقف رؤساء الحكومات السابقين)».
هذا الاشتباك على الصلاحيات مرشح للتصاعد، وخصوصاً أن أفق التأليف الحكومي صار أصعب من أي وقت مضى. فالقوات اللبنانية أبلغت الرئيس المكلف أنها قررت العودة إلى المربع الأول: نعم، نقبل بوزارة دولة واحدة، شرط أن تكون لنا حقيبة سيادية. أما موقع نائب رئيس الحكومة، فهو من حق رئيس الجمهورية وغير قابل للأخذ والرد، «لكن من حق القوات على رئيس الجمهورية أن يقف إلى جانب مطالبها بالمشاركة في الحكومة الجديدة»، على حد تعبير الوزير رياشي، فيما كان لافتاً للانتباه موقف النائب والمستشار الرئاسي الوزير الياس بو صعب، الذي قال إن تشكيلة الحريري «تضرب نتائج الانتخابات النيابية ونحن رفضناها لأنها تنتزع من حصتنا وحقوقنا»، وذلك بخلاف ما قاله رئيس الجمهورية بأنه أعطى ملاحظاته، وهي جوهرية، على صيغة الحريري، ولكنه لم يرفضها. وحذّر بو صعب من أن الرئيس عون «لا يمكن أن يكون راضياً عن هذه المماطلة، والخطوات الرئاسية تبقى واردة، وقد نشهد تحركاً قريباً في هذا الاتجاه»، كما نقلت عنه محطة «أو تي في»، ليل أمس.
في هذه الأثناء، شكل اجتماع المجلس المركزي لتيار المستقبل برئاسة الحريري، مناسبة لتوجيه رسائل باتجاهات متعددة، طاولت إحداها تمسك الرئيس نبيه بري بالدعوة إلى جلسة تشريعية عامة، فقد اعتبر التيار الأزرق، في بيان صادر عن مجلسه المركزي، أن اقتراح عقد جلسات نيابية لتشريع الضرورة «لن يكون كافياً لتوفير عناصر الحماية المطلوبة للمؤتمر (سيدر 1)، في ظل غياب السلطة التنفيذية عن القيام بمسؤولياتها الكاملة».
وفي دردشة مع الصحافيين، ردّ الحريري على وصف «تكتل لبنان القوي» الصيغة الحكومية التي قدمها إلى رئيس الجمهورية بأنها «تشكيلة رفع عتب»، بالقول إن الصيغة عند رئيس الجمهورية، «وأنا من وضعها، وهي في صلب صلاحياتي وأعطيتها لفخامته، ولا أحد ثالث بيننا، ولا أفهم من أين أتى الآخرون بكل التحليلات التي يصدرونها، أياً كانوا».
حصة القوات: التربية والعدل
وبرغم تكتم الحريري، صار واضحاً أنه قدم صيغة من ثلاثين وزيراً توزعت فيها الحقائب الخدماتية الأساسية الست على النحو الآتي:
التربية للقوات اللبنانية، الأشغال لتيار المردة، الصحة لحزب الله، الاتصالات لتيار المستقبل، الطاقة للتيار الوطني الحر، الشؤون الاجتماعية للحزب التقدمي الاشتراكي.
الحقائب السيادية الأربع على النحو الآتي: الخارجية للتيار الوطني الحر، الدفاع للتيار الوطني الحر، المالية لحركة أمل، الداخلية لتيار المستقبل. ونالت القوات اللبنانية أيضاً حقيبة وزارة العدل شبه السيادية، بالإضافة إلى حقيبتي (الزراعة) و(الثقافة) على الأرجح. أما باقي الحقائب، فقد توزعت على باقي القوى، من دون أن يكشف عنها رئيس الحكومة المكلف، علماً أن وزارات الدولة الست توزعت على النحو الآتي: واحدة لحزب الله، واحدة للاشتراكي، واحدة للمستقبل، وثلاث وزارات دولة من ضمن حصة رئيس الجمهورية و«تكتل لبنان القوي». وكان منصب نائب رئيس الحكومة من حصة رئيس الجمهورية.