السؤال المشروع: ماذا وراء صيغة الثلاثين؟ لماذا رفضها الرئيس ميشال عون؟ وإلام سيسير مسار التأليف؟
المشهد، بعد مغادرة الرئيس المكلف سعد الحريري، بعبدا، عاد إلى الاستقطاب، أو ما يشبه الانقسام، وسط إشارات ذات دلالات، أبرزها الذهاب بعيداً عن جادة البحث في الملاحظات أو المخارج.
فتح التيار الوطني الحر، عبر اجتماع تكتل «لبنان القوي» الذي يتزعمه الوزير جبران باسيل النار على صيغة الرئيس الحريري، ووصفها بأنها لرفع العتب، مع حرصه على الإشارة إلى انه يريد حكومة، ولكن غير مستعد ليكون شاهد زور دستورياً وديمقراطياً.
والمثير للانتباه، ما نسبته محطة O.T.V، الناطقة باسم التيار العوني، من ان النائب إلياس أبو صعب، بصفته «المستشار الرئاسي» قوله ان «رئيس الجمهورية الذي سبق وحدد الأوّل من ايلول حداً فاصلاً، أعلن (أي الرئيس) انه لن يرضى المماطلة، وإلى ان الاتجاه هو نحو البدء بعدد من الخطوات في هذا الاتجاه»، أي رفض المماطلة.
بدا المشهد الحكومي كأنه في مأزق، أو مقبل على مأزق، وسط انشغال لبناني بما يجري من تحضيرات عسكرية لمعركة ادلب، تحضّر لها روسيا ومعها حليفها النظام السوري، وحليفه الإيراني، فضلاً عن حزب الله، ومن تحذيرات أميركية من مغبة الهجوم، الذي حدّده دي ميستورا الموفد الأممي إلى دمشق في العاشر من الشهر الجاري، أي بعد 5 أيام..
وما زاد المخاوف، تصاعد لهجة التهديد الأميركية على لسان الرئيس الأميركي دونالد ترامب لكل من دمشق وطهران وموسكو بأن الهجوم على أدلب عمل متهوّر.. والقصف الإسرائيلي على أهداف في سوريا، من بينها جسر الشغور، وما بثته محطة «فوكس نيوز» الأميركية، التي بثت خبراً نقلاً عن مصادر استخباراتية خاصة، مفاده ان إيران  تقوم بنقل أسلحة لحزب الله، عبر شركة جوية مدنية إيرانية من طهران إلى مطار بيروت.
وسارعت المديرية العامة للطيران المدني إلى نفي ما اوردته fox news بتهريب أسلحة إلى مطار رفيق الحريري الدولي، وكشفت المديرية عن أسماء الشركتين اللتين تقدمتا بطلبين إلى المديرية لتسيير رحلتي شحن جوي ما بين مطارات طهران - دمشق - بيروت - الدوحة.. (راجع الخبر في مكان آخر).
وتتساءل مصادر سياسية، لمصلحة مَنْ إقحام لبنان بما يجري على الجبهة السورية، من باب معركة ادلب البالغة الاستراتيجية في وقت تتركز فيه الجهود على تأليف الحكومة العتيدة.. وإلآم ترمي قوى 8 آذار، من وراء إقحام المأزق الحكومي بمعركة ادلب؟
محاولات تهدئة
سياسياً، يمكن القول ان الأجواء التي أعقبت رفع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، صيغته الجديدة للتشكيلة الحكومية، غير إيجابية بين الرئاستين الأولى والثالثة، بالرغم من محاولة الرئيس الحريري امتصاص ردود الفعل السلبية التي صدرت من فريق العهد، سواء من قبل أوساط بعبدا، أو من «تكتل لبنان القوي» الذي اعتبر التشكيلة «رفع عتب» و«محاولة لاجهاض نتائج الانتخابات النيابية»، في وقت فجر بيان رئاسة الجمهورية، عن الملاحظات التي ابداها رئيس الجمهورية ميشال عون على الصيغة، استناداً إلى الأسس والمعايير التي سبق ان حددها لتشكيل الحكومة، أزمة جديدة حول تنازع الصلاحيات بين الرئاستين، ما دفع رؤساء الحكومات السابقين الثلاثة، نجيب ميقاتي وتمام سلام وفؤاد السنيورة إلى إصدار بيان وصف بأنه لدعم موقف الرئيس الحريري في موضوع الصلاحيات، اعتبر المعايير التي تحدث عنها الرئيس عون إشارة في غير محلها وليست موجودة في النصوص الدستورية».
لكن الرئيس الحريري، وفي إطار جهده للملمة الخلافات أو الحد منها، نفى ان يكون له علاقة ببيان الرؤساء الثلاثة، غير انه أكّد ان «صلاحياته واضحة في الدستور ونقطة على السطر»، معتبراً ان هذا الأمر لا يجب ان يكون موضع نقاش، بل تشكيل الحكومة وكيفية إخراج البلد من مأزقه الاقتصادي، وتأمين الكهرباء والمياه والاستشفاء والموازنة وتطبيق مقررات مؤتمر «سيدر».
وحرص الرئيس الحريري، في دردشة مع الصحافيين أعقبت ترؤسه اجتماعاً مشتركاً لكتلة «المستقبل» النيابية والمجلس المركزي لتيار «المستقبل» في بيت الوسط، على دعوة الجميع الى التهدئة، مشدداً على ان الصيغة التي قدمها للرئيس عون «جدية» وليست لرمي الكرة في ملعب أحد، وانه «كتبها بخط يده لكي لا يطلع عليها أحد سوى الرئيس عون، ولا أحد ثالث بيننا»، وقال انه لا يفهم من أين أتى الآخرون بكل التحليلات التي اصدروها، في إشارة إلى بيان «تكتل لبنان القوي» الذي وصف الصيغة بأنها «رفع عتب».
وشدّد الحريري على انه «مقتنع بهذه الصيغة التي قدمها». وقال: «إذا كانت لدى البعض ملاحظات على بعض الحقائب فليعلنها، لكني لا افهم لماذا كل هذه التحليلات والصعود والهبوط»، مؤكداً انه «ما زال في مرحلة التشاور»، نافياً ان يكون الوضع عاد إلى المربع الأوّل، مشيراً إلى انه ما زال ينتظر المزيد من التشاور مع رئيس الجمهورية، معتبراً ان الخلاف على الحقائب لا طائل منه، وانه «اذا اعتقد أي فريق سياسي انه أكبر من البلد أو من مصلحة البلد، فهنا تكمن المشكلة».
وقال ان الجميع في الصيغة التي قدمها يقدم تضحيات، وأنا على رأسهم، ومن هذا المنطلق فالصيغة لا خاسر فيها ولا رابح وتترجم في الوقت نفسه نتائج الانتخابات النيابية.
وإذ أبدى الحريري استعداده لمناقشة الملاحظات التي تحدث عنها بيان بعبدا، اعتبر ان المشكلة تكمن في ان هناك من ينطلق دائماً من الأمور السلبية فيما يجب ان نرى نصف الكوب الملآن، مؤكداً ان الحكومة ستتشكل في النهاية، وان كل الصيغ التي يتم التداول فيها بالاعلام غير صحيحة».
وكان الرئيس الحريري، قد أبلغ الاجتماع المشترك لكتلة «المستقبل» والمجلس المركزي لتيار «المستقبل»، والذي كان مقررا قبل التطورات الحكومية الأخيرة، بأن الصيغة التي يعمل عليها ليس فيها منتصر أو مهزوم، وهي تراعي صفات الائتلاف الوطني وتمثيل القوى الرئيسية والبرلمان، وتؤسس لفتح صفحة جديدة بين أطراف السلطة التنفيذية من شأنها ان تعطي دفعاً لمسيرة الإصلاح والاستقرار.
وأكّد، بحسب البيان الذي اذاعه النائب السابق عمار حوري على ان معايير تشكيل الحكومات يحددها الدستور والقواعد المنصوص عنها في اتفاق الطائف، وان أي رأي خلاف ذلك يبقى في إطار وجهات النظر السياسية والمواقف التي توضع في تصرف الرئيس المكلف، وعليه ليس هناك من داعٍ لإثارة الالتباس والجدل من جديد حول أمور تتعلق بالصلاحيات الدستورية سيما وان الرئيس الحريري، كما قال، متوافق مع رئيس الجمهورية على الآليات المعتمدة وفقاً لما حدده الدستور.
وأكّد الحريري، ودائماً بحسب بيان الكتلة، على انه لن يفقد الأمل بالوصول إلى اتفاق حول الصيغة الجاري العمل عليها، ويعتبر ان المسؤولية شاملة في هذا الشأن، وان الجميع محكوم بتقديم التنازلات وتدوير الزوايا وتوفير الشروط المطلوبة لولادة الحكومة».
والموقف من الحفاظ على صلاحيات رئيس الحكومة، أكّد عليه مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، الذي زار دار الفتوى علىرأس وفد كبير من العلماء ضم: الشيخ ناصر الصالح، الشيخ محمّد امام، ورئيس دائرة طرابلس وشيوخ قرائها ومدرسي الفتوى وأئمة وخطباء طرابلس.
وبعد اللقاء قال المفتي الشعار: «ان تتواصل طرابلس وعلماؤها مع دار الفتوى ومفتي الجمهورية اللبنانية هذا أمر طبيعي، وهو أمر يمثل في حياتنا اصلا من أصول وجودنا الإسلامي، الا اننا في هذا اليوم اغتنمنا فرصة عودة مفتي الجمهورية من أداء فريضة الحج لنبارك له اولاً، ولنعلن معلنين تأييدنا الكامل لمواقف مفتي الجمهورية اللبنانية، مؤكدين اننا نتبنى سائر المواقف، وخاصة تلكم التي يدندن حولها دائما الحفاظ على صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، اتينا لدار الفتوى لتأكيد هذه المعاني مع الولاء، ونأمل ان يلتقى اللبنانيون جميعاً على كلمة سواء».
بعبدا
على جبهة بعبدا، اشارت مصادر سياسية لصحيفة اللواء الى ان ملاحظات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حول الصيغة التي رفعها اليه رئيس الحكومة المكلف انما هي تتصل بافتقارها الى عدالة التمثيل وما أفرزته نتائج الانتخابات النيابية على اساس النسبية فضلا عن ان هناك مكونات جرى تهميشها. وقالت ان الوضع الحكومي امام واقع يستدعي عودة المشاورات لترتيب الصيغة الحالية لجهة توزيع الحقائب.
 ولفتت الى ان الملاحظات التي وصلت صداها الى بيت الوسط هي ملاحظات جوهرية ولا عودة عنها وان اي صيغة جديدة تحمل المعايير التي حددها الرئيس عون ستحظى بالتأييد.
 واعتبرت ان كلام الحريري امس يعطي الانطباع ان هناك إمكانية لإجراء تعديل في الصيغة الحكومية تمهيدا لتقديمها مجددا الى الرئيس عون الذي يتعاطى وفق ما نص عليه الدستور .
وأوضحت ان الرئيس عون حدّد ملاحظاته على الصيغة باعتباره شريكا اساسياً في تأليف الحكومة بحسب الدستور، كما ان الحكومة التي يعمل على تشكيلها ستكون قائمة في عهده، ولذلك كان من الطبيعي إبداء هذه الملاحظات والدعوة إلى الالتزام بمعايير التأليف، وأكدت ان الرئيس عون لم يرفض الصيغة، لأنه لو فعل لقال ذلك، لكنه كانت لديه وجهة نظر من خلال ملاحظات تركزت على خلو الصيغة من المعايير التي تحدث عنها في خطاب عيد الجيش لجهة عدالة التمثيل وعدم التهميش وان تكون حكومة وفاق وطني تعكس نتائج الانتخابات النيابية فضلا عن احترام الاحجام.
ومن دون ان توافق المصادر على توزيع نص الصيغة الجديدة، كشفت ان التركيبة لم تراع عدالة التمثيل وغابت المساواة في توزيع الحقائب الخدماتية، اذ لحظت منح حقيبة واحدة (الطاقة والمياه) لتكتل «لبنان القوي»، وحقيبتين (التربية والعدل) لتكتل «الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية)، علماً ان حقيبة العدل كانت من حصة رئيس الجمهورية انتزعت منه لتمنح إلى «القوات»، وان كتلا نيابية كبرى لم تعط وزارات خدماتية من بينها حركة «امل».
وكشفت ايضا ان جميع الكتل الأساسية تمثلت بوزراء دولة، باستثناء حزب «القوات»، كما انه تمّ حصر التمثيل الدرزي بفريق واحد هو الحزب التقدمي الاشتراكي، في حين تمّ تغييب الفريق الدرزي الآخر الذي يمثله النائب طلال أرسلان، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الفريق السنّي الآخر (خارج كتلة «المستقبل») والذي لم يتمثل في الصيغة، وعليه، فإن ما قدمه الرئيس الحريري لا يعبر حقيقة عن حكومة وفاق وطني لأنه يفتقر إلى غياب المكونات الممثلة في المجلس، علما ان التوزيع الوارد فيها للكتل لم يعكس ما أفرزته نتائج الانتخابات النيابية التي قامت على النسبية واوصلت اشخاصا جددا إلى الندوة البرلمانية.
وأكدت المصادر انه على الرغم من هذه الملاحظات والتي وصل صداها إلى «بيت الوسط»، فإن التشاور سيبقى سيّد الموقف من أجل العمل على إزالة القسم الأكبر من الثغرات، مكررة القول بأن الصيغة مبدئية وقابلة للتطور.
وتوقعت ان يجري الرئيس المكلف، انطلاقاً من هذه الملاحظات اتصالاته من أجل إعادة ترتيب الصيغة والاتيان بأخرى إلى رئيس الجمهورية الذي يملك الحق في إبداء رأيه، ومن هنا استغربت المصادر ما صدر، من كلام عن عدم صلاحية رئيس الجمهورية في تقديم ملاحظاته، معتبرة ان هذا الكلام صدر عن أشخاص لا يُدركون ما ينص عليه الدستور الذي يعطي الحق للرئيس بأن يكون شريكاً في السلطة التنفيذية، علماً ان الدستور، ينص على أن رئيس الجمهورية يلي الاحكام ولا يحكم.
تصعيد «قواتي»
وفيما نفى الرئيس نبيه برّي امام زواره علمه بأي شيء يخص التشكيلة الحكومية التي قدمها الحريري للرئيس عون، مشددا على ان الأجواء المتلبدة في لبنان والمنطقة تقتضي تعاون الجميع، وان يتنازلوا جميعا لصالح الوطن، صعدت «القوات اللبنانية» مواقفها بعدما لمست رفضا رئاسيا لحصولها على 4 وزارات وازنة في الحكومة العتيدة، فأكد رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية النائب جورج عدوان، على هامش اجتماع اللجنة أمس، ان «القوات» نزلت إلى الحد الأدنى من حقوقها، فظن البعض انه «بازار»، ولكن بعدما حدث سنعود إلى مطلبنا بأن يكون لدينا خمسة وزراء مع حقيبة سيادية، مشددا على ان ما حدث لا يضر الا بالعهد.
يُشار إلى ان الرئيس الحريري التقى مساء أمس الوزير ملحم رياشي موفدا من رئيس حزب «القوات» سمير جعجع للوقوف منه على حقيقة تفاصيل الصيغة الحكومية ومكمن العقدة الأساس وتأكيد موقف «القوات» بعدما قدمت أقصى ما يُمكن، وهي لم تعد مستعدة لتقديم المزيد، مشيرا إلى ان طريقة تعاطي الطرف الآخر تؤشر إلى ان لا نية جدية في التفاوض أو توليد حكومة.
والتقى الحريري ايضا رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط، الذي أكّد بدوره ان الحزب الاشتراكي لا زال عند مطلبه بشأن الحصة الدرزية.
التشكيلة
أمّا التشكيلة التي سبق لـ«اللواء» ان نشرت القسم الأكبر منها، فقد أوردها موقع «ليبانون ديبايت» كما يلي:
{ رئاسة الجمهورية والتيّار الوطني الحر: الخارجية والمغتربين - سيادية, الدفاع الوطني - سيادية, الطاقة والمياه - خدماتية اساسية, المهجرين - خدماتية اساسية, السياحة - خدماتية ثانوية, الإقتصاد والتجارة - عادية, التنمية الإدارية - عادية, البيئة - عادية, وزارة دولة عدد 2.
{  تيّار المستقبل: رئاسة مجلس الوزراء, الداخلية - سيادية, الاتصالات - خدماتية اساسية, الثقافة - عادية, وزارة دولة عدد 2.
{ القّوات اللبنانيّة: العدل - خدماتية اساسية, التربية - خدماتية ثانوية, الشؤون الاجتماعية - خدماتية ثانوية, الإعلام - عادية.
{ حزب الله: الصحّة - خدماتية اساسية, الصناعة - خدماتية ثانوية, وزير دولة.
{ حركة أمل:, الماليّة - سيادية, الشباب والرياضة - عادية, وزير دولة.
{ الحزب التقدمي الاشتراكي:, العمل - خدماتية اساسية , الزراعة - خدماتية ثانوية, وزير دولة.
{ تيّار المردة: الأشغال - خدماتية أساسية