افتتح البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قبل ظهر اليوم، المؤتمر السنوي الخامس والعشرين للمدارس الكاثوليكية بعنوان "إستمرارية المدرسة الكاثوليكية: شروط وتطلعات"، بدعوة من اللجنة الأسقفية والأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية، وذلك في ثانوية مار الياس للراهبات الأنطونيات- غزير كسروان. ويستمر يومين.

حضر المؤتمر، إلى راعي الإحتفال، السفير البابوي في لبنان المطران جوزف سبيري، روك مهنا ممثلا وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال جبران باسيل، النائب انطوان حبشي، مجيد العيلي ممثلا النائب سامي الجميل، العقيد الركن جورج الهاشم ممثلا مدير مخابرات الجيش العميد انطوان منصور، مدير التعليم الخاص في وزارة التربية عماد الأشقر، الأمين العام المساعد للمدارس الكاثوليكية في فرنسا لويس-ماري بيرون، مدير المركز الكاثوليكي للاعلام الخوري عبدو ابو كسم، راعي أبرشية بعلبك - دير الأحمر المطران حنا رحمة، المطارنة: نبيل عنداري، جورج ابو جوده، بولس مطر ومارون عمار ممثلا بالاب مدلج تامر، نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود، الأمين العام للمدارس الانجيلية في لبنان الدكتور نبيل قسطه، رئيس بلدية غزير شارل حداد ورؤساء ورئيسات عامون، ممثل عن فرنسبك ايلي سمعان، ممثلون عن كاريتاس ومؤسسة أديان، مديرو ورؤساء المدارس ولجان الأساتذة ولجان الأهل وأعضاء اتحاد المؤسسات الخاصة ورؤساء البلديات والمعلمين والمعلمات والجهاز الاداري والتربوي.

إستهل المؤتمر بالنشيد الوطني ثم كانت صلاة صغيرة تلاها البطريرك الراعي وصلاة الأنسنة المتضامنة تلتها ليا فرح ونعمان معلوف من العمل الرعوي الجامعي.

ثم كانت كلمة لأمين عام للمدارس الكاثوليكية في لبنان الأب بطرس عازار الإنطوني، رحب فيها بالحضور وأطلق أعمال المؤتمر، وقال: "اننا نقدر ما قمتم وما ستقومون به لخير الأسرة التربوية: هيئات إدارية وهيئات تعليمية وأولياء تلامذة، وكم نحن حريصون على وحدة هذه الأسرة من أجل التلامذة الذين نعتبر حقوقهم فوق كل اعتبار، وهذا ما عملتم له بجعلكم التربية شغلكم الشاغل وحملتم هموم هذه الأسرة إلى أعلى المراجع المحلية والدولية. نحن لا ننسى ولن ننسى نداءاتكم المتعددة، وخصوصا ما عبرتم عنه في 31 أب 2017 أمام فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، باسمكم وباسم بطاركة الشرق الكاثوليك والأرثوذوكس وباسم رئيس المجلس الوطني الأنجيلي، لا بل باسم جميع الرؤساء الروحيين في لبنان مطالبين الدولة "بعدم ارهاق المواطنيين بالضرائب وبإنصاف المعلمين والأهل والمدارس، وبمساعدة الأهل في المدارس الخاصة من خلال اعتماد البطاقة التربوية أو على الأقل أن تتحمل الدولة الزيادات على رواتب المعلمين".

أضاف: "لم تكتفوا بذلك فقط، بل شرعتم ابواب بكركي أمام أهل السياسة والقرار وأمام لجان الأهل ونقابة المعلمين واتحاد المؤسسات التربوية، للتشاور، ثم دعوتم مجلس البطاركة والأساقفة والرؤساء الروحيين ورؤساء الرهبانيات ورئيساتها إلى لقاءات استثنائية لإنقاذ لبنان من أزمة تربوية اقتصادية يعترف الجميع بانها خانقة. وهنا يهمني التذكير باللقاءين المنعقدين في بكركي، في الأول من شباط وفي 24 أذار 2018، لإيجاد حلول عادلة لهذه الأزمة التي تهدد، إذا ما استمرت، السلم الأهلي. وقد صدر بيانان عن هذين اللقاءين أكدا ما يلي:

1- دعوة المدارس للالتزام بالجدول 17 من القانون 46 / 2017
2- مطالبة الدولة بتحمل أعباء الدرجات الست الاستثنائية التي فرضها هذا القانون.
3- مطالبة الدولة بتسديد مساهمات المدارس المجانية المتوقفة منذ اربع سنوات وربطها بسلسلة الرتب والرواتب .
4- الدعوة إلى انشاء مجلس أعلى للتربية.
5- دعوة أفراد الأسرة التربوية إلى الحوار الدائم في ما بينهم لإنقاذ العام الدراسي وصونا لحق التلامذة بالتعليم".

وقال عازار: "في البدايات، توافقت اللجنة التنفيذية لمدارسنا الكاثوليكية على أن يكون عنوان مؤتمرنا "التربية على الأنسنة المتضامنة" كمواكبة وكتطبيق للوثيقة الصادرة عن مجمع التربية الكاثوليكية في الفاتيكان برئاسة نيافة الكاردينال جوزف فرسالدي الذي شاركنا مؤتمرنا السنة الماضية والذي أعرب في أكثر من مناسبة عن تضامنه مع أسرة مدارسنا وعن أسفه لما نتعرض له. في هذه البدايات سعينا إلى إنجاح المبادرات الذي اتخذها مشكورا وزير التربية الأستاذ مروان حماده، ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأستاذ شارل عربيد المشكور أيضا، لكي نصل إلى حلول تؤمن السلام التربوي والأمان التعليمي والعدالة للجميع. وبما أن المسالة معقدة ولا حل لها إلا عند الحكومة ومجلس النواب، عادت اللجنة المنظمة لهذا المؤتمر وبموافقة اللجنة التنفيذية إلى تعديل عنوان المؤتمر ليصبح "أي استمرارية للمدرسة الكاثوليكية في ظل الواقع المتأزم؟" ولأننا ابناء الرجاء، وكنيستنا هي الشاهدة للرجاء، عدنا فعدلنا العنوان لنظل في روحية وثيقة مجمع لتربية، بحيث اصبح "استمرارية المدرسة الكاثوليكية: شروط وتطلعات".

وتابع: "بعد أن حددت إشكالية المؤتمر الثوابت الكنسية والعالمية للتربية، وعدم حصر التربية بالاقتصاد، وصعوبة تطبيق القانون 46/2017، والتوقف عند الحملة التي تتعرض لها إدارات المدارس وتشوه سمعتها ودورها ورسالتها، بالإضافة إلى الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها الأهل والمجتمع اللبناني وإلى وجوب تأمين الحقوق العادلة للمعلمين وللمعلمات نتج عن هذه الإشكالية وضع المحاور لمؤتمرنا وهي:

1- واقع المدرسة الكاثوليكية في لبنان: فرص وتحديات.
2- المدرسة الكاثوليكية في علاقتها مع الدولة اللبنانية.
3- خصوصية المدرسة الخاصة في لبنان وكيف يمكن احترامها والحفاظ عليها.
4- مستقبل المدرسة الكاثوليكية في لبنان في ظل الأزمة الوجودية الراهنة واقتراحات لميثاق تربوي صالح.
5- تموضع المدرسة الكاثوليكية في نظام تربوي عادل واقتراحات لوضع استراتيجية مستقبلية.

وعدد أمورا تم التحذير منها مرارا في هذه السنة، وقال: "توقفت مدارس عن العمل، منها مثلا مدرسة مار يوسف الظهور في صور بعد 140 سنة من العمل التربوي الناجح والخادم للعيش المشترك ولرسالة لبنان. هذه السنة أعادت مدارس كثيرة النظر في نظامها التعليمي والتربوي من أجل تأمين استمرارية رسالتها والحفاظ على أسرتها. في هذه السنة حدث ما كان منتظرا أي: تسرب تلامذة، توقف معلمين ومعلمات عن التدريس، بطالة لدى المستخدمين، أقساط غير مدفوعة، تحويل العمل التربوي إلى مطالبات اقتصادية وقانونية، ملاحقات غير منطقية أمام قضاة العجلة والمجالس التحكيمية التي لم يكتمل تشكيل أكثرها بعد... والدولة ساكتة صامتة والمسؤولون يختلفون على وزرات سيادية ويعتبرون وزارة التربية ثانوية في حين أننا نعتبرها الأكثر سيادية".

وأعلن عازار "اننا نسعى مع أصحاب الإرادة الصالحة إلى إبعاد هذا الخطر عن الأسرة التربوية، ولذلك فنحن حريصون على الالتزام بمبادىء شرعة التربية والتعليم في المدارس الكاثولكية في لبنان التي باركتها السلطة الكنسية سنة 2008 والتي اعتبرت في مادتها الثامنة "إن التربية عمل مشترك ومستمر"، وتبنت توصية المؤتمر السنوي الثالث لمدارسنا- أيلول 1995، والداعية إلى "التضامن الدائم بين إدارة المدرسة والجسم التعليمي ولجان الأهل والتلامذة لأنه ضرورة قصوى لتحقيق خير الجميع وليصل المشروع التربوي العام إلى أهدافه السامية".

وقال: "لذلك، فإننا نؤكد أن أسرة المدارس هي ذات طابع تربوي وليست ذات طابع اقتصادي ربحي، وعلى هذه القناعة نحن مؤتمنون على هذه الهوية للمدارس، وبالتالي لسنا فريقا بل كنا ولا نزال وسنبقى، ومع حرصنا على الحقوق العادلة والمتوازنة والممكنة، صوت الذين لا صوت لهم. وإذا كان البعض يريدنا أن نسير في مشروع التشريع الشمولي، فنحن سنبقى ملتزمي التعددية والتنوع كسبيل إلى التميز والإبداع والجودة في التعليم، وسنبقى حريصين على الشفافية في تعاطينا مع الجميع، متعالين على الصغائر ومترفعين عن الاتهامات الجارحة".

وتابع: "إننا اليوم، وقد أحببنا أن يشاركنا مؤتمرنا أهل ومعلمون ومعلمات وقدامى، نفتح قلبنا للجميع مجددا، ونأمل أن يعتبر الجميع مؤتمرنا صرخة في الضمائر لإحقاق الحق والعدالة وبالجلوس معا إلى طاولة الحوار للوصول إلى التفاهمات والقناعات، بالروح العلمية وبالحسابات الواضحة وبالعمل على الإصلاح التربوي وتصويب التشريع ومراعاة الظروف الحرجة التي يمر بها لبنان والمطالبة بتطبيق التعليم المجاني لجميع تلامذة لبنان، أقله للتلامذة في حلقات التعليم الأساسي الثلاث (المرحلتين الابتدائية والمتوسطة)، وخصوصا تحييد القطاع التربوي والتعليمي عن الحسابات السياسية والمصالح الفئوية. إننا نعمل المستحيل لكي لا تأتي توصيات مؤتمرنا وتوصيات الجمعية العمومية متسمة بالسلبية، فنحن لا نهواها ولا نهوى اللجوء إلى تعابيرها، حتى لو أقرت تشريعات لذلك، ولا يزايدن احد علينا بالحرية وباحترام القوانين وبالحرص على التعليم للجميع وليس لطبقة معينة من الناس فقط، فالعام الدراسي على الأبواب ولا نريد ان يكون على شاكلة العام السابق".

أضاف: "نعم، بالتضامن نجدد التزامنا بالدفاع عن دستورنا الوطني وعن توجهات كنيستنا وعن الشرعات التربوية العالمية وتلك الخاصة بنا. منذ 75 سنة كان الاستقلال، وقبله كان الدستور الذي نصت المادة العاشرة منه على حماية حرية التعليم، ومنذ 25 سنة حمل مؤتمرنا الأول عنوانا: تحديات كبرى أمام المدرسة الكاثوليكية: الحفاظ على حرية التعليم، ملاءمة التربية لمجتمع ما بعد الحرب، واستعادة الثقة في مجتمعنا. منذ خمسين سنة صدرت وثيقة ترقي الشعوب للطوباوي بولس السادس، واليوم وبعد 25 سنة نعود إلى تجديد الاهتمام بالتحديات نفسها من خلال العودة إلى "التربية على الأنسنة المتضامنة" بهدف العمل على ترقي ابناء وطننا وبناته، بالرغم من كل العوائق".

ثم تحدث عضو الهيئة التنفيذية للمدارس الكاثوليكية في لبنان ليون كلزي عن "واقع المدرسة الكاثوليكية في المشهد التربوي اللبناني"، حول إضاءات واقعية في خدمة الحقيقة. أظهر خلالها آخر الإحصاءات، الدراسات والبيانات عن المدارس الكاثوليكية في لبنان والمصاعب التي تواجهها في خضم القانون 462017".

وكانت كلمة لرئيس اللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية المطران رحمة عن "مدرسة رجاء - كنيسة مضطهدة: المدرسة الكاثوليكية، خدمة كنسية للمجتمع اللبناني"، قال فيها: "إنها لمن كبريات علامات الرجاء أن ينعقد مؤتمرنا السنوي للمدارس الكاثوليكية في لبنان للمرة الخامسة والعشرين على التوالي، ونحن في ظل ضبابية الرؤية حول مستقبل التعليم الخاص والكاثوليكي تحديدا، إلى حد جعلنا في موقع المتسائلين عن مبرر وجود مدارسنا الكاثوليكية و شروط ديمومتها!".

اضاف: "ان مؤسساتنا التربوية الكاثوليكية، الضاربة جذورها في عمق العراقة التاريخية، المنتشرة في جميع رحاب الوطن، المنفتحة على مختلف ألوان طيف مجتمعنا التعددي، تلك المؤسسات التي هي في كنهها إحدى تجليات وجودنا الكنسي الفاعل في هذا المشرق الحبيب، الذي ما فتئ يتلمس طريق نهضته الفكرية والثقافية والإنسانية، مع مبادرات رائدة لخدمة الإنسان والمواطن اللبناني، من هذه المبادرات: المطبعة الأولى في الشرق في دير مار أنطونيوس قزحيا (1610)، مدرسة حوقا سنة (1625)، ومطبعة الشماس عبدالله الزاخر في دير مار يوحنا - الخنشارة (1731) والمجمع الماروني اللبناني في العام 1736 الذي فيه قرر المجتمعون إلزامية التعليم للجميع ومجانيته وتأمين معيشة التلاميذ الفقراء وضرورة تعليم الفتيات، إلى مدرسة عين ورقة، أول مدرسة (مجانية) في لبنان التي أسسها البطريرك يوسف اسطفان في العام1789 واللائحة تطول..." وسأل: "أليس من سخرية القدر أن تغدو هذه المؤسسات، المؤسسة للفكر والثقافة والتنوير في موقع الاتهام والتشكيك والإدانة؟".

وتابع: "لم يخف عنا معلمنا الإلهي إمكان أن نتعرض نحن تلاميذه للاضطهاد، الإضطهاد التشريعي الذي يرمي مصير مؤسساتنا التعليمية في مهب القوانين غير الواضحة وغير المدروسة وغير المتوازنة وغير الواقعية والتي يخالف بعضها بعضا أحيانا، الإضطهاد الإداري سواء على مستوى الصناديق الضامنة أو الوزارات والوحدات المرتبطة بها من حيث تخبطها التنظيمي وثقل الماكينة البيروقراطية، ومن حيث مباغتتنا بقرارات وتدابير غير منتظمة في روزنامة سنوية معدة مسبقا تحدد بوضوح الإستحقاقات الإدارية والمهل المعقولة للتنفيذ، الإضطهاد الإعلامي الذي يلهث في كثير من الأحيان وراء السبق الإعلامي المتسرع في الإستنتاجات والتحليلات والأحكام غير المبنية على أرضية صلبة من المعطيات والبيانات، والمتحيز والبعيد من الموضوعية والأمانة العلمية، ما أدى إلى تشويه صورة مؤسساتنا وتهشيمها لدى الرأي العام، الإضطهاد الاجتماعي الذي يمعن في ممارسة الضغوط على مؤسساتنا التربوية حتى تنخرط بالكلية في ثقافة الموضة والإستهلاك والتشوف و"السنوبية" التربوية، بحيث تشكل هذه المؤسسات أداة للتمييز الاجتماعي والطبقي بحسب معايير السوق والتنافسية الليبرالية على حساب رسالتها الانسانية والتضامنية، الإضطهاد الداخلي فترى الأسر التربوية تتخبط في ما بينها وتكيل لبعضها الاتهامات والتجريح حتى النيل من الكرامات الشخصية أحيانا".

وقال: "نحن من جهتنا، نملك الجرأة الأدبية والصراحة اللازمة لإجراء نقد ذاتي، فلا نعفي أنفسنا من تحمل جزء من المسؤولية سواء لجهة النقص في حسن تقدير الظروف والأوضاع أو لجهة النقص في التواصل أو الإصغاء الفعالين أو حتى لجهة النقص في الأمانة لرسالتنا على صعيد السلوك والممارسات الشخصية أحيانا. بيد أن ذلك لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يحجب عنا واقع كوننا أبناء الرجاء! هذا الرجاء الذي تدعونا وثيقة "التربية على الأنسنة المتضامنة" التي أصدرها مجمع التربية الكاثوليكية إلى عولمته".

وأضاف رحمة: "عولمة الرجاء، هذه هي الرسالة المحددة للتعليم من أجل الأنسنة المتضامنة إنها مهمة تتحقق من خلال بناء علاقات تعليمية وتربوية قابلة للتدريب على المحبة المسيحية، علاقات تخلق مجموعات مبنية أساسا على التضامن والتي يكون الصالح العام فيها متصلا بوضوح بكل مكون من مكوناته، ويحول محتوى العلوم وفقا للادراك الكامل للفرد وانتمائه إلى الإنسانية. إن التربية المسيحية قادرة تماما على القيام بهذه المهمة الأساسية لأنها تخلق الحياة وتجعلها تنمو وهي موجودة في ديناميكية هبة الحياة. والحياة التي تولد هي مصدر الرجاء الأبرز".

وأشار الى ان "من علامات الرجاء أن برنامج المؤتمر يضم نوابا عن الأمة حتى ينكبوا على المعالجات التشريعية وتطويرها، ويضم أيضا مدير عام التربية، علامة للشراكة والتكامل بين القطاعين العام والخاص، لأن التربية في صميمها هي أبعد من التصنيفات القانونية والتظيمية، والحضور الإعلامي بدوره مدعو في هذا المؤتمر الى أن يمارس فعل إعادة قراءة دوره وأدائه كي يكون أكثر اقترابا من خدمة الحقيقة الموضوعية، كما أن مختلف مكونات الأسرة التربوية من إدارات وأهالي ومعلمين ومختلف شرائح المجتمع من خبراء قانونيين واقتصاديين وسواهم سيسمعون بعضهم آراء بعض في سيمفونية في الرقي إلإنساني الواعد".

وفي نهاية كلمته، قال: "إنها فرصتنا جميعا في هذا الاحتفال التربوي المميز أن تتضافر الجهود - وقد خلصت النوايا وسادت لغة العقلانية والموضوعية - من أجل تحويل التهديدات إلى فرص، والخلافات إلى تمايزات خلاقة كفيلة بأن تقلب الأوضاع التربوية باتجاه مزيد من الأنسنة المتضامنة المتصالحة مع تاريخها والمتطلعة إلى المستقبل بعزم وطيد ورجاء ثابت، إذ "إن الشدة تلد الصبر، والصبر امتحان لنا، والامتحان يلد الرجاء، ورجاؤنا لا يخيب، لأن الله سكب محبته في قلوبنا بالروح القدس الذي وهبه لنا".

وألقى البطريرك الراعي كلمة بعنوان "تحرير المدرسة الكاثوليكية من أجل وطن أكثر إنسانية وتضامن"، اعتبر في مستهلها أن الموضوع الذي تم إختياره لهذا المؤتمر: "خلود المدرسة الكاثوليكية"، لهو في محله تماما، لأنكم، إذ تصفون المدرسة الكاثوليكية "بالخلود" فأنتم تعلنون أن خلودها من صلب طبيعة الكنيسة ورسالتها، فالمسيح أرسلها قائلا: "إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم... وعلموهم... وأنا معكم طول الأيام، حتى نهاية العالم". وبالتالي تلتزمون، مع الكنيسة، بالمحافظة عليها، أمانة للمسيح وللرسالة التعليمية الموكولة منه إليها، مهما كانت الصعوبات والتحديات".

وأضاف: "علمت الكنيسة بلسان آباء المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، "أن سر الإنسان، في إنسانيته، لا ينجلي حقا إلا بسر الكلمة المتجسد. فالمسيح، آدم الجديد، يكشف تماما، في وحي سر الآب ومحبته، الإنسان إلى ذاته، ويبين له سمو دعوته". فباتت التربية على الأنسنة تربية على الاقتداء بالمسيح في إنسانيته، الذي "عمل بيدي إنسان، وفكر بعقل إنسان، وتصرف بإرادة إنسان، وأحب بقلب إنسان".

وتابع: "عندما أسس المسيح كنيسته، شبهها بالكرمة والأغصان، وقال "أنا الكرمة وأنتم الأغصان. من ثبت في وأنا فيه يأتي بثمر كثير". لقد أراد بذلك أن يبين أن الإنسان من طبعه متضامن مع غيره، من أجل تحقيق ذاته بملئها وإنماء حياة الجماعة. وإكمالا لهذه الصورة، شبه القديس بولس الرسول الكنيسة "بجسد" هو "جسد المسيح": "كما أن الجسد واحد وله أعضاء كثيرة.. كذلك المسيح. فنحن كلنا تعمدنا بروح واحد لنكون جسدا واحدا، وارتوينا من روح واحد".

وأشار الراعي الى "ان عضويتنا في "جسد المسيح" الذي هو الكنيسة، تعني أننا في حالة ترابط مع بعضنا البعض، بعيدا عن أي تقوقع أو انعزالية أو انغلاق على المصلحة الذاتية دون سواها. هكذا يصبح الترابط نظاما يرتب العلاقات بين الناس على مختلف المستويات الدينية والثقافية والاقتصادية والسياسية؛ ويولد مسلكا أخلاقيا وإجتماعيا بمثابة "فضيلة"، هي "التضامن"، لا كمجرد عاطفة تأثر لما يصيب الغير من شر، بل كإرادة ثابتة ومثابرة للالتزام في سبيل الخير العام، بحيث نشعر أننا كلنا مسؤولون عن كلنا. التضامن إذا فضيلة مسيحية تلامس المحبة، هذه الصفة التي تميز تلاميذ المسيح. فضيلة تميل إلى تخطي الذات، والخروج منها نحو الآخر بروح التعاون المجاني والغفران والمصالحة".

وقال: "عندما ينمو أبناء الوطن الواحد بالأنسنة، ويترابطون في ما بينهم بفضيلة التضامن، فيشعرون أنهم كلهم مسؤولون عن كلهم، وبالتالي يحتاجون إلى تربية على المواطنة التي تتميز بالديموقراطية التعددية. وهذا ما تهدف إليه المدرسة عموما والمدرسة الكاثوليكية خصوصا التي تعلم المبادئ الوطنية السليمة، بعيدا عن أي إيديولوجية أو تأثير سياسي وحزبي أو أغراض خاصة"، مشددا على أن "المدرسة الكاثوليكية الملتزمة هذه التربية هي حاجة ماسة اليوم لوطننا لبنان".

اضاف: "عندما نقل لبنان يوم إعلانه في أول أيلول 1920، بمسعى من البطريرك الكبير خادم الله الياس الحويك، من دولة الإنتماء إلى الدين والمذهب المعادية للديموقراطية، إلى دولة الإنتماء إلى المواطنة التي تولد الديموقراطية التعددية، سار لبنان على هذا الخط منظما بالدستور والميثاق الوطني، وناميا بالممارسة، حتى اتفاق الطائف (1989). هذا الاتفاق أكد المواطنة على حساب الانتماء المذهبي، لكن القوى السياسية شوهته بأدائها، وذهبت إلى إرساء نظام حزبي مذهبي جديد، أمنت من خلاله بقاءها في السلطة وتقاسم الحصص والوظائف وخيرات الدولة، مع إقصاء الغالبية من الشعب اللبناني غير الحزبية. وهكذا يجد المواطن نفسه أمام شرط الإنتماء إلى حزب طائفته لكي يتمكن من نيل وظيفة أو المشاركة في إدارة شؤون الدولة. (راجع مقال لخليل الهراوي في جريدة "النهار" 12 تموز 2018 بعنوان: "من الديمقراطية التعددية إلى الديكتاتورية الحزبية المذهبية")".

وتابع: "هنا تكمن الأزمة السياسية الراهنة، والظاهرة حاليا في أزمة عدم إمكانية تأليف الحكومة إلى الآن، والتي تتسبب بالركود الشامل، بل بالشلل، وبعدم إمكانية النهوض الإقتصادي وإجراء الإصلاحات اللازمة في مختلف الهيكليات والقطاعات، وبتفشي الفساد، وسيطرة شريعة الغاب والنفوذ". 

وأكد ان "تربية الأجيال هي المخرج لكل هذه الحالات، وتتم بواسطة المدرسة الكاثوليكية بشكل خاص، ما يقتضي تحرير هذه المدرسة لكي تظل أبوابها مفتوحة بوجه الأهالي الذين يرغبون اختيارها لأولادهم، وتأمين التربية العلمية الرفيعة والتربية على الأنسنة والترابط والتضامن والمواطنة، لأكبر عدد ممكن من شعبنا اللبناني. هذه التربية المتعددة الوجوه تتوفر ليس فقط للتلامذة، بل أيضا لأهلهم وللمعلمين والموظفين".

وتحدث عن التحديات الكبرى التي تواجه المدرسة، "الأول، تحدي فقر معظم العائلات اللبنانية، الذي تسببه الأزمة الإقتصادية والمعيشية المتفاقمة، واتساع دائرة البطالة، وازدياد عدد العاطلين عن العمل، وغلاء المعيشة. يحمل مسؤولية هذا الواقع الأليم المسؤولون السياسيون الذين يسيئون استعمال السلطة بجعلها في خدمة مصالحهم وحصصهم ونفوذهم، وبإهمال الشعب والخير العام اللذين هما مبرر وجودهم.

الثاني، تحدي القانون 46/2017 الخاص بسلسلة الرتب والرواتب الذي أوجب على المدارس الخاصة زيادات باهظة على الرواتب والأجور، تستوجب زيادة الأقساط المدرسية. الأمر الذي لا تريده المدرسة لأنه عبء ثقيل لا يستطيع أهالي التلامذة حمله. فتكون النتيجة الحتمية قيام أزمة تربوية وإجتماعية خطيرة، إذ تقحم الدولة عددا من المدارس على الإقفال، وتتسبب بزج معلمين وموظفين في عالم البطالة. إن من واجب الدولة مساعدة أهالي التلامذة الذين اختاروا المدرسة الخاصة، من خلال تنفيذ ما اتفقت عليه المؤسسات التربوية الخاصة في اجتماع بكركي كحل مشترك عادل، وهو أن المدرسة تلتزم بتطبيق الملحق 17، والدولة دفع الدرجات الاستثنائية الست.

الثالث، حماية المدرسة الكاثوليكية من تسرب ايديولوجيات وتيارات معادية للمواطنة والديمقراطية التعددية، ومن تأثير الأحزاب السياسية بإدراج أفكار أو إدخال انتماءات حزبية مذهبية على حساب المواطنة.

الرابع، اعتماد التقشف في المدارس الكاثوليكية بإيقاف الكماليات: من قرطاسية ونشاطات إضافية وزي مدرسي، وبتوحيد الكتب المدرسية، وتجنب تغييرها سنويا، بحيث يتاح للجميع شراء كتب مستعملة، وللإخوة استعمال كتب إخوتهم، سنة بعد سنة.

الخامس، تحدي التعاون بين المسؤولين عن التربية: ليست المدرسة وحدها مسؤولة عن التربية بكل أبعادها الموصوفة آنفا، بل ثمة دور للأهل، فالعائلة هي المدرسة الأولى للقيم والفضائل الأخلاقية والاجتماعية، بحيث ينبغي خلق جو ملائم لتطبيق وحماية ما يتربى عليه أولادهم في المدرسة الكاثوليكية. وهم في كل حال، المربون الأول. ودور المعلمين الذين بهم يرتبط نجاح المدرسة الكاثوليكية في تعليمها وتربيتها. فينبغي أن يدركوا أنهم أصحاب دعوة تقتضي منهم أن يتصفوا بمواهب العقل والقلب، وبتهيئة ملائمة وقدرة دائمة على التجدد والتكيف. ودور المجتمع المدني حيث يعيش التلامذة بحيث يكون مجتمعا سليما يشجعهم على الانخراط فيه. ودور الدولة في اعتبار المدرسة الخاصة مثل الرسمية ذات منفعة عامة، وتساعد أهل التلامذة على اختيارها، فتؤمن معاشات المعلمين، وتخفض هكذا الأقساط لكي تظل في متناول الجميع". 

وختم الراعي كلمته متمنيا النجاح لهذا المؤتمر، ومؤكدا أن "الكنيسة تحمي المدرسة الكاثوليكية كحق وواجب، فمن حق الكنيسة كمجتمع بشري توفير العلم والتربية للجميع من أجل الأنسنة والتضامن. ومن واجب الكنيسة المحافظة على المدرسة كوسيلة للقيام برسالة الإعلان لجميع الناس عن الطريق المؤدي إلى الخلاص، ونقل حياة يسوع المسيح إلى المؤمنين لكي يبلغوا ملء الحياة". 

ثم عقدت جلسة بعنوان "مسألة شائكة تتعلق بعلاقة المدرسة الكاثوليكية بالدولة اللبنانية" أدارتها عضو الهيئة التنفيذية للمدارس الكاثوليكية الأخت عفاف ابو سمرا، وتضمنت ثلاث مداخلات أجابت خلالها على سؤال: "ما هي خصائص المدرسة الكاثوليكية في واقع النظام التربوي اللبناني وما هي التزامات الدولة اللبنانية تجاهها؟

وكانت المداخلة الأولى للرئيس العام لجمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة الأباتي مالك بو طانوس، فند فيها مساهمة المدرسة الكاثوليكية في لبنان في ضوء الوثيقة الصادرة عن المجلس الحبري للتربية بعنوان "التربية على الأنسنة المتضامنة".

وفي المداخلة الثانية نقل المستشار القانوني للتعليم الكاثوليكي في أكاديمية ليون ألان بواريفان Alain BOIRIVENT تجربة المدرسة الكاثوليكية في فرنسا بعلاقتها مع الدولة الفرنسية.

اما المداخلة الثالثة، فكانت لرئيس جامعة القديس يوسف في بيروت الأب سليم دكاش، عرض فيها التجربة اللبنانية في ما يختص بجاذبية المدرسة الكاثوليكية وحرية التعليم.

ويتابع المؤتمر أعماله يوم غد الاربعاء.