"لم أنتخب، لا يعنيني الأمر، فالتصويت مضيعة للوقت... الأعضاء معروفون، والمناصب تشريفية، وأمور الطائفة لن تكن يوماً مدار بحث جدي في هذا المجلس"... بهذه الكلمات يصف بهاء ابن الشوف، انتخابات المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز.
فلم تكن السياسة سبباً يتيماً لمقاطعة انتخابات المجلس المذهبي، بل هي حالة انعكست على السواد الأعظم من الطائفة الدرزية، وإن كان بعض الشارع الدرزي رفض التعبير عن انتقاداته بشكل صريح، إلا أن المقاطعة الكبيرة بحد ذاتها كانت رسالة قوية تؤكد أن هناك خطأ ما يجب معالجته.
جوجلة صغيرة على تصاريح زعماء الجبل، تثبت أن هذا المجلس تحوّل لسبب إضافي يسعر نيران الخلاف بين الموحدين. فبينما وصف وريث المختارة النائب تيمور جنبلاط انتخابات المجلس المذهبي بـ"المحطة الديمقراطية"، وصفها رئيس حزب التوحيد وئام وهاب بالـ"الدوامة"، ووصفها رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال ارسلان بـ"المهزلة"، وعقّب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على مقاطعة الأخيرَين للانتخابات بوصفهما "قوى تعطيل وتشكيك" مهنئاً بإجراء الانتخابات.
في تاريخ 12 تموز 1962، هلل الموحدون لصدور قانون لانتخاب شيخ عقل للطائفة الدرزية وإنشاء مجلس مذهبي للطائفة، انطلاقاً من الصلاحيات الموكلة لهذا المجلس، والتي من شأنها إدارة شؤون الطائفة وجمعها لا التفريق بينها. إذ يتولى المجلس شؤون الطائفة الزمنية والمالية، وتمثيلها في الشؤون العائدة لكيانها الاجتماعي، والسهر على رفع مستواها، والمحافظة على حقوقها، وتشمل صلاحياته بشكل اساسي الاشراف على الأوقاف الدرزية، وعلى مؤسسات وجمعيات الطائفة الدرزية.
وبعد بدء احداث الجبل تعطلت مسيرة المجلس المذهبي، وبقي شيخ العقل محمد ابو شقرا يتولى ما يُمكنه من مهام، وتولى من بعد وفاته الشيخ بهجت غيث مهام قائمقام شيخ العقل.، إلى أن أعيد العمل في المجلس المذهبي بعد صدور قانون تنظيم طائفة الموحدين الدروز بتاريخ 12/6/2006، وانتخاب الشيخ نعيم حسن شيخاً للعقل، ويتربع حسن على عرش رئاسة المجلس المذهبي من ذلك الحين إلى اليوم.
ويتألف هذا المجلس من أعضاء دائمين هم النواب الحاليين، قضاة المذهب، النواب السابقين، عضو المجلس الدستوري، وعضو مجلس القضاء الأعلى. وأعضاء منتخبين هم الهيئات الدينية، ممثلي المناطق، والمهن الحرة. بألإضافة إلى مجلس الإدارة المؤلف من أمين سر، أمين صندوق، لجنة ادارية، لجنة مالية، لجنة ثقافية ولجنة أوقاف.
ترى مصادر درزية متابعة في انتخابات المجلس المذهبي "ديمقراطية مزيفة، فما يحصل هو أقرب للتعيين منه إلى الانتخابات، ولا تمثّل نتائجه الرأي العام الدرزي". وتشكك المصادر بشرعية هذا المجلس، على اعتبار انه يحتضن لوناً واحداً، هو اللون الاشتراكي، ما يجعله "مجلس قيادي آخر للحزب الاشتراكي، وليس مجلساً للطائفة".
وتقرأ المصادر في نتائج الانتخابات، وتلفت إلى أن الأصوات التي حصل عليها الأعضاء الفائزون والتي لم تتجاوز في حدها الأقصى الـ150 صوت تدل على أن المقاطعة لم تحصل فقط من حزبَي الديمقراطي والتوحيد، بل شملت الاشتراكيين أنفسهم، "فكيف أن ينجح عن المحامين عضو بـ 60 صوت بينما المحامين الدروز يتجاوز عددهم الـ900 محامي" أما "الفضيحة الكبرى" فهي كما تقول المصادر في نتائج تصويت الخريجين الجامعيين، إذ نرى بعض الأعضاء فائزاً بـ150 صوت فقط بينما يقارب عدد الخريجين الجامعيين من الطائفة الدرزية الـ30 ألف خرّيج، علماً أن 30 عضواً من أصل 98 فازوا بالتزكية.
وتلفت المصادر إلى انها ليست الدورة الانتخابية الأولى التي تقاطع فيها الاحزاب المعارضة للاشتراكي انتخابات المجلس المذهبي، التي تحصل كل ثلاث سنوات. فالحزب الديمقراطي لم يكن له مرشحين ولا في أي انتخابات، بينما كان لحزب التوحيد مرشحين في بعض الدورات ولكن من دون حظوظ، على اعتبار أن اسماء الفائزين "تكون مسجلة سلفاً". إلا أنها الانتخابات الأولى التي تكون فيها المقاطعة بهذا الشكل الفاقع، والتي تدخّل إزاءها جنبلاط شخصياً طالباً من الدروز الترشح، لكن من دون جدوى، وذلك لتسليم الدروز "بالوصاية الاشتراكية على المجلس"، واعتبار أصواتهم بمثابة "شهادة زور" لا تقدم ولا تؤخر في واقع المجالس "التي لم تقدم أي انتاجية للطائفة وأبنائها"، بحسب المصادر.
ويرى أمين عام مؤسسة الفكر التوحيدي المعاصر غسان بو دياب أن نسب الاقتراع المتدنية في انتخابات المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز، وفوز عدد كبير من الاعضاء بالتزكية، ومقاطعة جزء كبير جدا من هذه الطائفة لهذه الانتخابات مؤشر صريح على ان هناك إشكالية ما يجب معالجتها وفتح باب النقاش حولها. ويرفض بو دياب في حديث لـ"ليبانون ديبايت" الخوض في أسباب هذه الإشكالية، ويلفت إلى ان هذه الاسباب يتم البحث فيها بعيداً عن الاعلام، وداخل الصالونات المغلقة في الطائفة، ويقول "إذا كانت المشكلة في القانون فليتم تعديله، لأن أرقام الانتخابات الاخيرة تعني أن الناس غير ممتنة".
وعن نسبة الحزبيين الكبيرة في المجلس، يقول بو دياب "ليس عيبا ان يكون عضو المجلس حزبيا لكن من المهم ان يمثل هذا المجلس كافة مكونات المجتمع التوحيدي المتنوع والمتعدد".
ومن هنا يدعو بو دياب إلى فتح باب الحوار حول مستقبل المجلس المذهبي، حيثيته ودوره ، وهو الحوار الذي تقع مسؤوليته اولاً على رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، ولاحقاً على النائب تيمور جنبلاط "كي لا يبقى المجلس المذهبي بمثابة مؤسسة زائدة، وكي لا تبقى بعض الأطراف تزوره كل ثلاثة أشهر لتثبت حضورها لا أكثر ولا أقل، وكي لا يتحول لمادة سجالية وخلافية تزيد الخلافات الموجودة اليوم في الاساس على الساحة الدرزية".