عن «وثيقة الوفاق الوطني» المعروفة بـ«اتفاق الطائف» أيضاً وأيضاً، يقول «الطائفيون» (نسبة الى «اتفاق الطائف») انّ هذه الوثيقة التي صارت في صلب الدستور منذ العام 1989 تستوجب، لتصحيح تنفيذها واستكمال تنفيذ ما تبقّى من بنودها، إعادة تفعيل الرعاية العربية والدولية التي ادّت الى إقرارها، وخصوصاً رعاية دول اللجنة الثلاثية العربية (المملكة العربية السعودية والجزائر والمملكة المغربية) التي أوكلت اليها قمّة الدار البيضاء العربية غير العادية عام 1989 حلّ الازمة اللبنانية عبر هذه الوثيقة التي وضع وزراء خارجيتها صيغتها الاولى، ثمّ تعهدت ان ترعاها بعدما أقرّها مؤتمر النواب في الطائف، وأن تسهر على تنفيذها لتحقيق الهدف المبتغى منها، وهو انهاء حال الحرب وإجراء اصلاحات سياسية ودستورية وإدارية في بنية النظام ومؤسسات الدولة. وانتقل لبنان بعدها من الجمهورية الاولى الى الجمهورية الثانية، والبعض يقول الجمهورية الثالثة معتبراً ان الجمهورية الاولى كانت ايام الانتداب الفرنسي، وانّ الثانية سادت بعد اقرار الميثاق الوطني عام 1943، والثالثة بدأت بعد إقرار «اتفاق الطائف».
ويرى «الطائفيون، أنّه بعد كل ما مرّ على لبنان ولا يزال من مراحل وأزمات سياسية وأمنية واقتصادية ومالية واجتماعية منذ اقرار التعديلات الدستورية المنبثقة من «اتفاق الطائف»، وبعد كل التشويه والخطأ الذي ارتكب في تنفيذ هذه المادة الدستورية «الطائفية» او تلك، وبعد انتهاء ما يسمّيه البعض «الحقبة السورية» التي يقولون انّها فرضت تنفيذ «الطائف» على النحو الذي يراعي المصالح السورية على حساب المصالح اللبنانية، لا بدّ من إجراء اعادة نظر جديّة في ما نُفّذ من بنود «طائفية» بغية تصويب التنفيذ، حيثما يتبين للمعنيين ان خطأ ما حصل هنا او هناك، وعن قصد او من غير قصد، والانطلاق الى تنفيذ ما تبقّى من بنود، هي في الحقيقة مواد دستورية يفترض انّها موضوعة على لائحة التنفيذ من مثل قانون الانتخاب «الحقيقي» الذي لم يعثر عليه بعد، خصوصاً انّ «الطائف» قضى باعتماد المحافظة دائرة انتخابية واحدة بعد اعادة النظر في التقسم الاداري التي لم يجريها المعنيون بعد منذ العام 1989 عندما اقرّ «اتفاق الطائف»، فضلاً عن اتخاذ الاجراءات الكفيلة بإلغاء الطائفية المنصوص عنها في المادة 95 من الدستور، وانتخاب اول مجلس نيابي على اساس وطني لا طائفي لازمة دستورية (حسب المادة 22 من الدستور) ليتمّ انشاء مجلس الشيوخ الذي تتمثل فيه جميع العائلات الروحية اللبنانية، وإقرار اللامركزية الادارية الموسعة.
وثمّة اعتقاد لدى البعض أن المملكة العربية السعودية لن تتردد في وقت ليس ببعيد في الدفع بقوة في اتجاه تفعيل رعايتها لـ«اتفاق الطائف» كونها المعنية الاولى به، لأنها سهرت عليه مباشرة على ارضها حيث انعقد المؤتمر النيابي وكان لها الدور المركزي والمباشر في اكتساح كل العقبات والعثرات التي اعترضت التوصل الى هذا الاتفاق. وفي هذا المجال يسجل القاصي والداني لوزير الخارجية السعودي الراحل الامير سعود الفيصل دوراً محورياً لعبه قبيل اجتماعات النواب وخلالها وبعدها وتجاوز قصر المؤتمرات ليشمل آنذاك الدول العربية وعلى رأسها سوريا، فضلاً عن زياراته ومشاوراته مع مجموعة من العواصم الدولية ولاسيّما منها عواصم الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن، والتي سارعت إثر اقرار الاتفاق الى أعلاه تأييدها له ودعمها، ما ادّى الى اعتبار اتفاق الطائف بأنّه نتائج توافق لبناني ـ لبناني، ولبناني ـ عربي وعربي ـ عربي وعربي ـ دولي ودولي ـ دولي، على حدّ ما يردّد «الطائفيون»، وخصوصاً الرئيس السابق لمجلس النواب حسين الحسيني الذي كان «عرّاب» الاتفاق والتوافق النيابي عليه، والنائب السابق إدمون رزق الذي صاغ بنود الطائف مواداً دستورية أقرّها مجلس الوزراء، ومن ثمّ مجلس النواب، وذلك بناء على اقتراحه حيث كان يومها وزيراً للعدل، فضلاً عن خبرته الطويلة القانونية والدستورية الكبيرة، وكان من أبرز اعضاء «لجنة العتالة» التي صاغت «اتفاق الطائف».
ويقول «طائفيون» انّ المملكة العربية السعودية كانت ولا تزال وستبقى الدولة الأقدر على تفعيل «اتفاق الطائف» والدفع نحو استكمال تنفيذه وازالة التشويه الذي اصابه نتيجة الخطأ في تنفيذ بعض بنوده، وانّ نجاحها في هذا المجال من شأنه ان يشكّل رأس جسر يتيح لها لعب دور اكثر فعالية على الصعيدين العربي والدولي، بل انّها من خلال الدفع في اتجاه حلّ الازمة اللبنانية عبر تصحيح تنفيذ «الطائف» وتفعيله مدعوماً برعايتها، ستلاقي الواقع العربي الجديد بدأت معالمه بالظهور في ضوء الحراك الاقليمي والدولي الجاري لإنتاج وحلول تسويات للازمات والحروب الاقليمية، وذلك على قاعدة ان لا حروب دائمة وانّ كلّ الحروب والازمات تنتهي عادة الى مفاوضات وحلول وتسويات.
ولذلك فإن المملكة، وبمعزل عن بقية انشغالاتها واهتماماتها الداخلية والاقليمة والدولية، لا يُستبعد ان تتخذ بعض المبادرات في الاسابيع والاشهر المقبلة، لجهة الدفع في اتجاه استكمال تنفيذ «اتفاق الطائف» والحفاظ عليه كونه ميثاقاً وطنياً التقى حوله جميع اللبنانيين وهو قابل للتطوير ونقل لبنان الى الافضل لمجتمعه ولمحيطه العربي، خصوصاً انّ هذا الوطن الصغير كان من الدول الرئيسية التي اسست جامعة الدول العربية التي ينبغي ان تطور هي الأخرى وتفعّل بما يليق بالواقع العربي الجديد الذي يحتاج الى مؤسسة فاعلة تجمع شتات هذا الوطن العربي المشرذم والمنقسم على نفسه، إذ لا بد من ظهور بقعة ضوء في نهاية النفق المظلم.