كما كان متوقعاً إلى حد كبير، لم تفضِ حركة الرئيس المكلف سعد الحريري إلى ولادة الحكومة. أكثر من مئة يوم معظمها كانت عبارة عن إجازات نقاهة والقليل منها كان للمشاورات، والنتيجة مكانك راوح. كل الآمال في الوصول إلى صيغة حكومية ترضي جميع الأطراف ذهبت أدراج الرياح.
 

اليوم الثاني بعد المئة، دشنه الرئيس الحريري باستقباله وزير الخارجية جبران باسيل في دارته في وادي أبو جميل. لقاء على مدى تسعين دقيقة بينهما، كانت قد سبقته مشاورات هاتفية. النتيجة كانت معروفة. «تريد أن تعطي القوات اللبنانية ما تدعي أنه حقوقها، فليكن لكن ليس من كيسنا بل من كيس غيرنا». بهذه العبارة لخصت مصادر مطلعة موقف باسيل الذي رفض أن تكون وزارات الدولة الثلاث (المسيحية) من ضمن حصة رئيس الجمهورية والتيار الحر.
انتهى لقاء وادي أبو جميل، وطلب الحريري موعداً لزيارة القصر الجمهوري. استقبله عون على مدى أكثر من سبعين دقيقة، ليتبيّن أن الصيغة التي حملها الرئيس المكلف إلى بعبدا لم تتوافق والمعايير التي حددها رئيس الجمهورية وتحترم بالدرجة الأولى نتائج الانتخابات النيابية. الخرق الوحيد يتمثل في أن رئيس الحكومة قدّم للمرة الأولى صيغة متكاملة لتوزيع الحقائب والحصص. غير أن الصيغة التي قاربت العقد، من وجهة نظر الرئيس المكلف، رفض رئيس الجمهورية أن يكرسها بوضع توقيعه عليها. هكذا راوحت الأمور مكانها. العقدة القواتية قائمة. العقدة الدرزية مثلها، وثمة عقدة مستجدة عنوانها تمثيل سنّة 8 آذار.
هذه هي خلاصة اليوم الـ 102 من عمر التكليف. بدا واضحاً أن الحريري حاول جسّ نبض عون وباسيل، لكن ذلك لم يُفضِ إلى تجاوز العقد، ما يُعزّز الاعتقاد بأنها باقية وتتمدّد وربما تتعقد أكثر.
ورغم إصرار الحريري على الإيحاء بأن لا مصاعب أو شروط خارجية تواجه مهمّته، غير أن هذا الإيحاء لم يعُد مقنعاً. وقد لمّح إلى ذلك رئيس مجلس النواب نبيه برّي قبل أيام حين أشار إلى وجود «شيء غير مفهوم».
عملياً، تلقف عون «الصيغة المبدئية» التي حملها الرئيس المكلف، ولم يرفضها رغم ملاحظاته الجوهرية عليها. وفيما لم تدخل مصادر رئاسة الجمهورية في تفاصيل الصيغة التي حملها الحريري، وهي عبارة عن حصص وحقائب موزعة على الكتل النيابية من دون الأسماء، لأنها «ملك الرئيسين»، كما قالت أوساط القصر الجمهوري، يمكن تسجيل أربع نقاط في البيان الذي صدر عن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، وهي:
1- أعلن القصر الجمهوري أن الحريري حمل «صيغة مبدئية للحكومة الجديدة»، ما يعني أنها ليست نهائية.
2- الإشارة إلى أن رئيس الجمهورية أبدى ملاحظات ولم يقل ملاحظة بعينها حول أمر محدد، ما يعني أن هناك ملاحظات (ضمناً تحفظات) في أكثر من اتجاه، نتيجة عدم التزام المعايير.
3- تذكير عون بالأسس والمعايير التي حددها، والتي تقتضيها «مصلحة لبنان» كما جاء في بيان المكتب الإعلامي الرئاسي، أي تأكيد مضمون خطاب رئيس الجمهورية في الكلية الحربية في الأول من آب.
4- الإبقاء على التشاور مع الرئيس المكلف، وهذا تأكيد إضافي أن الموضوع بحاجة إلى تشاور بين عون والحريري وبين الحريري والقوى السياسية، وهذا التشاور هو لالتزام المعايير والاتفاق على الصيغة المفترض أن يحملها الرئيس المكلف إلى بعبدا، عند اكتمالها.
وإذ علم أن «رئيس الجمهورية أبدى ملاحظات جوهرية» على الصيغة المبدئية التي حملها الحريري، أكدت مصادر مواكبة أن «أحداً لا يمكنه رمي الكرة في ملعب عون لأن الحريري بنفسه قال إن أحداً لم يطلع على التشكيلة الحكومية سواه ورئيس الجمهورية، وهي صيغة مبدئية». واعتبرت المصادر أننا «انتقلنا من مرحلة الأفكار إلى مرحلة الصيغة المبدئية بانتظار الوصول إلى التشكيلة النهائية التي تتضمن الحصص والحقائب والأسماء». وأشارت المصادر إلى أنه «لا يمكن اختراع حقائب خدماتية لكي تمنح لهذا الفريق أو ذاك، والحقائب الخدماتية هي ست موزعة على قاعدة ثلاث حقائب للمسلمين (1 شيعة، 1سنة، 1دروز) وثلاث للمسيحيين (1 رئيس جمهورية، 1 لبنان القوي، 1 الجمهورية القوية) وبالتالي من اين يمكن الإتيان بأربع حقائب خدماتية للقوات اللبنانية؟».


ولخصت مصادر مطلعة التعقيدات بالآتي: أولاً، رفض القوات اللبنانية نيل وزارة دولة. ثانياً، رفض باسيل نوعية الحقائب التي تطلبها «القوات» بعنوان «حقائب وازنة». ثالثاً، العقدة الدرزية قائمة في ظل إصرار الرئيس المكلف على عدم منح طلال أرسلان المقعد الوزاري الثالث. رابعاً، استبعاد النواب السنّة من خارج تيار المستقبل من المعادلة الحكومية. يعني ذلك «أن ثمة حاجة إلى المزيد من الجهد والجدية في تقديم التنازلات للوصول إلى تشكيلة حكومية تحترم وحدة المعيار»، على حد تعبير مصادر متابعة. وقالت مصادر في القوات اللبنانية إن الرئيس المكلف سيلتقي في الساعات المقبلة وزير الإعلام ملحم رياشي موفداً من رئيس حزب «القوات» سمير جعجع، لإطلاعه على نتائج إجتماعيه بكل من عون وباسيل. وأضافت أن الصيغة التي حملها الحريري إلى بعبدا «ممهورة بتوقيع بيت الوسط وعين التينة، وإذا تم التراجع عنها، لن تقبل القوات بأقل من حقيبة سيادية حتى تفتح باب التفاوض مجدداً»، وختمت بأن من يراهن على أن «القوات» ستقبل في نهاية المطاف بشروط الآخرين «واهم»، وحذرت من أن التعامل الحالي مع ملف التأليف الحكومي هدفه «إحراج رئيس الحكومة المكلف وصولا إلى إخراجه».
وأكد الحريري لدى مغادرته بعبدا أن الصيغة «مبدئية ولا أحد منتصراً فيها على أحد»، مشدداً على أن الصيغة لم تناقش مع أحد «ولا يملكها أحد إلا الرئيس عون وأنا».