كان يفترض ان يتصاعد الدخان الابيض، من مدخنة قصر بعبدا، بما يبشّر باتفاق الرئيسين الشريكين في عملية التأليف، على حكومة تضع حداً للفراغ الحكومي السائد منذ ما يزيد عن 3 اشهر، وتنقل البلد الى ضفة العمل والتحضير لمواجهة التحديات الداخلية، او تلك التي تحيط بالبلد، لكنّ الأمور جاءت معاكسة لكل التوقعات بولادة وشيكة لحكومة مراعية لكل التوازنات والاعتبارات، وبالتأكيد للأحجام التي تتعرض لعملية نفخ اصطناعي من القوى السياسية.

المسودة

الرئيس المكلف حمل بالأمس مسودة حكومية، وبحسب معلومات «الجمهورية» فإنه عوّل على موافقة رئيس الجمهورية عليها باعتبارها افضل الممكن، وتعكس التمثيل الموضوعي للقوى السياسية كافة، كما تؤكد التوازن بين الجميع، بحيث لا تشعر احداً بأن تقوم على قاعدة الرابح والخاسر، بل على الشراكة تحت عنوان الوحدة الوطنية.


وتضيف المعلومات انّ المسودة هي لحكومة من 30 وزيراً، لحظت 10 وزراء لفريق رئيس الجمهورية، 4 وزراء للقوات اللبنانية، و5 وزراء اضافة الى الحريري لتيار المستقبل، وزيراً لتيار المردة، و3 وزراء للحزب التقدمي الاشتراكي، و3 وزراء لحركة «أمل» و3 وزراء لـ«حزب الله».


وبحسب المعلومات انّ هذه المسودة لم تلقَ تجاوباً من قبل رئيس الجمهورية، وتحديداً حول حصة القوات وكذلك حول التمثيل الدرزي، ذلك انّ مسودة الحريري لحظت 4 وزراء خدماتية لـ»القوات» وهو أمر لم يستسغه عون، مع انّ هناك من اكد انّ الرئيس لا يمانع بـ3 وزارات لـ«القوات» والرابع وزير دولة. كما انها لحظت 3 وزراء دروز للحزب التقدمي الاشتراكي، وهو الامر الذي يرفضه رئيس الجمهورية بشكل قاطع، إنطلاقاً من عدم قبوله برهن مصير الحكومة ميثاقياً في يد وليد جنبلاط.


وقالت مصادر مطّلعة على بعض تفاصيل لقاء الرئيسين لـ«الجمهورية»، انّ جو المداولات بين الرئيسين لم يكن مريحاً لكليهما، خصوصاً انّ الرئيس المكلف كان يعتبر المسودة الجديدة إنجازاً، ولقد توصّل اليه بعد جهود مضنية بذلها في الايام الاخيرة، فيما كانت مخيّبة في نظر رئيس الجمهورية الذي وجد فيها خللاً واضحاً، عبّر عنه في البيان الصادر عن المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية الذي نعى فيه مسودة الحريري، لعدم انسجامها مع المسلمات التي سبق وأكد عليها رئيس الجمهورية، والتي تتمحور حول 3 مبادئ اساسية تشكّل المفتاح لأي حكومة مقبلة، وهي: احترام نتائج الانتخابات النيابية، انّ الحكومة يجب ان تكون انعكاساً للمجلس النيابي والّا يأخذ أحد زيادة عن حجمه، ولا احتكار للتمثيل الطائفي من اي جهة سياسية حتى لا تتحكم بميثاقية الحكومة.

ولدت ميتة

واللافت في مسودة الحريري أنها ولدت ميتة، على حد تعبير مرجع سياسي كبير، ولم تعمّر سوى بضع دقائق، هي الفترة التي طرحها فيها الحريري، وتداول فيها مع عون حولها. وانتهى اللقاء بين الرئيسين على اتفاق بينهما على استمرار التشاور.


وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية» انّ الحريري، عبّر في تصريحه بعد اللقاء، عمّا عرضه تماماً مع رئيس الجمهورية، الّا انّ محاولته تجميل المسودة التي طرحها لا تتفق مع رأي رئيس الجمهورية، فضلاً عن انه أوحى انّ الكرة صارت في ملعب رئيس الجمهورية، وهو الأمر الذي قد يكون دفع برئيس الجمهورية الى المسارعة الى رد الكرة الى ملعب الحريري، بردّ المسودة إعلامياً الى الرئيس المكلف عبر بيان المكتب الاعلامي والتركيز على أمرين: الأول اعتبار المسودة مبدئية وليست نهائية، والثاني الاشارة الى الخلل الذي يعتريها، ولاسيما لجهة مخالفتها لمسلمات رئيس الجمهورية...


يعني ذلك، في رأي المصادر المذكورة، انّ الحكومة اليوم ما زالت أسيرة منطقين، كلّ منهما يرمي كرة الجمر في اتجاه الآخر. وهذا معناه انّ تقديم المسودة الجديدة ورفضها «المقنّع» من قبل عون، أعادا الامور الى نقطة البداية، وبالتالي الى مدار الاحتمالات المتنوعة.

إستياء من البيان

واذا كانت أوساط بعبدا تؤكد انّ رئيس الجمهورية ما زال يعتبر انّ في إمكان الرئيس المكلف تقديم مسودة قابلة للتوافق عليها، الّا انّ مصادر مطلعة على أجواء الرئيس المكلف لم تعكس ارتياحه ممّا آل اليه مصير «مسودته»، كما أشارت الى وقع غير مريح في بيت الوسط للبيان الرئاسي.


وتحدثت المصادر لـ«الجمهورية» عن مضمون البيان الرئاسي، الذي أحدث شعوراً، خصوصاً في الاجواء السنية المحيطة بالرئيس المكلف، بأنّ مضمون البيان فيه تجاوز للرئيس المكلف ومَس بصلاحياته، وخصوصاً في الحديث عن مسلّمات حدّدها رئيس الجمهورية، وكأنه بذلك يفرض عرفاً جديداً برسم خريطة طريق للتأليف يُوجِب على الرئيس المكلف سلوكها خلافاً للنص الدستوري (المادتان 53 و64)، الذي يحدد صلاحيات الرئيس المكلف في هذا المجال، ولا يلزمه بأي قيود ولا الاستجابة لأي شروط.

بعبدا

الّا انّ مصادر قريبة من رئاسة الجمهورية رفضت، عبر «الجمهورية»، ما سمّته محاولة زَج الرئاسة في موقع هي ليست فيه أصلاً، ولا هي بصدده، او اتهامها بمحاولة المس بصلاحيات رئيس الحكومة. والرئاسة من موقعها الحريص على الدستور والالتزام بأحكامه، وخصوصاً في ما يعني السلطات والرئاسات والصلاحيات، من الطبيعي الّا تكون معنية بهذه الاتهامات، وبالتالي ألّا تقف عندها وتعطيها اي وزن او قيمة.

4 نقاط

على انّ صورة الموقف الرئاسي فنّدتها قناة الـ«أو تي في» بـ4 نقاط نقلاً عن مصادر معنية:

الاولى، أنّ رئيس الجمهورية أبدى ملاحظات على الصيغة التي قدمها الحريري، ما يعني حُكماً أنه لم يقبلها كما هي، وأنها بحاجة إلى تعديل.

الثانية، أنّ الملاحظات الرئاسية تَنطلق من موضوع المعايير، والتفسير الطبيعي هو انّ الصيغة المُقدمة لم تَعتمد مِعياراً موحداً يساوي بين الجميع بناء على نتائج الانتخابات.

الثالثة، أنّ ما تَسلمه الرئيس عون هو صيغة مَبدئية، أي أنها يمكن ان تشكل منطلقاً للبحث للوصول إلى صيغة نهائية مقبولة.

الرابعة، التشديد على استمرار التشاور، ما يعني أنّ الأمور لم تصل بعد إلى حائط مسدود.


الّا انّ مصادر قصر بعبدا أكدت لـ»الجمهورية» انّ عون سجّل على المسودة أكثر من ملاحظة في الشكل والمضمون. ولاسيما حول توزيعه للحقائب الخدماتية ووزراء الدولة على المكونات السياسية، بالإضافة الى توزيع الحقائب الدرزية الثلاث.


ولفتت المصادر الى انه لا يمكن القول انّ الكرة باتت في مرمى الرئيس عون، فالتشكيلة المقترحة ينبغي ان تخضع للتدقيق في شكلها ومضمونها، بما يؤدي الى إعادة النظر فيها، ولاسيما لجهة تغيير توزيعة بعض الحقائب التي منحها الحريري في اقتراحه لـ«القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي»، التي عبّر عون عن رفضها، وهو ما شكّل انتقاداً واضحاً ومبطّناً لإعطاء المردة حقيبة أساسية، بينما هذه الوزارات يجب ان تكون من القوى المسيحية الأكثر تمثيلاً.


وقالت المصادر انّ الإتصالات لن تتوقف عند لقاء الأمس، وانّ الرئيسين تفاهما على التواصل لاحقاً لمعالجة الملاحظات المطروحة تَوصّلاً الى الصيغة النهائية، وهو ما يؤكد بأنّ زيارة الحريري الى بعبدا ليست نهائية وتحتاج الى ما يؤدي الى إنضاجها.


وكان الحريري قد زار القصر الجمهوري بعد ظهر امس، وسَلّم رئيس الجمهورية مسودة حكومية جديدة. وقال في تصريح بعد اللقاء: «إنها صيغة حكومة وحدة وطنية لا ينتصر فيها أحد على الآخر»، مضيفاً: «الصيغة لا احد يملكها الّا فخامة الرئيس وانا، ولم تناقش مع أحد، وأخذت أفكارها من كل القوى».

 

وفي وقت لاحق اصدر مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية بياناً أعلن فيه انّ عون تسلّم «صيغة مبدئية للحكومة الجديدة، وقد أبدى عون بعض الملاحظات حولها استناداً الى الأسس والمعايير التي كان قد حدّدها لشكل الحكومة، والتي تقتضيها مصلحة لبنان». وأوضح البيان «انّ عون سيبقى على تشاور مع الرئيس المكلف تمهيداً للاتفاق على الصيغة الحكومية العتيدة».

بري: «شدّ نزول»

وبينما كان الرئيس المكلف يقدّم مسودته الى رئيس الجمهورية، كان رئيس مجلس النواب نبيه بري ينتظر متى سيرنّ هاتف عين التينة في اتصال من القصر الجمهوري، ليُدعى فيه الى الانضمام الى لقاء الرئيسين عون والحريري، على جاري ما يحصل عند الاتفاق على مسودات الحكومات، الّا انّ انتظار بري طال. ولم يبدر منه أمام زوّاره سوى التمنّي من جديد بأن تسلك الامور مسارها نحو حكومة في اسرع وقت. وعندما سُئل هل ما زال «متشائلاً»، قال: أنا اريد ان أتفاءل... ولكن إن شاء الله ما تكون الأمور «شدّ نزول».

«القوات» و«الاشتراكي»

في هذه الاجواء، رفضت مصادر الحزب «التقدمي الاشتراكي»، عبر «الجمهورية»، ما سمّته «الضغط غير المفهوم الذي يمارس من قبل البعض لرسم الحكومة بطريقة فوقية، ومحاولة فرض معايير همايونية للتمثيل، وكأنّ الحكومة ملك حصري لهذا البعض يعطي من يشاء ويحجب الحق على من يشاء.


بدورها، قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية»: بمعزل عن المسودة التي قدمها الرئيس المكلف، فإنّ «القوات» قدمت كل ما هو مطلوب منها لتسهيل تأليف الحكومة وفق المعايير الموضوعية والنتائج التي أفرزتها الانتخابات النيابية. وقد وافقت «القوات» على 4 حقائب شرط ان تكون حقائب وازنة مقابل تَخلّيها عن المطالبة بحقيبة سيادية او عن موقع نائب رئيس الحكومة، مع انّ ذلك حق طبيعي لها. ومن هنا تعتبر «القوات» نفسها أنها قدمت أقصى الممكن، وبالتالي فإنّ عدم القبول بالحقائب الأربع الوازنة معناه الاصرار من قبلهم على تعطيل تأليف الحكومة، ويجعل الطرح الأخير معنا وكأنّه لم يكن.

الأونروا

من جهة ثانية، عقد وزير الخارجية جبران باسيل اجتماعاً، أمس، مع سفراء الدول المضيفة والمانحة والمعنية بملف الأونروا، وضمّ سفراء 15 دولة عربية وأجنبية، إضافة الى قائمي بأعمال 9 سفارات معتمدة لدى لبنان، وممثلين عن الأونروا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. فيما غابت سفيرة الولايات المتحدة الاميركية أو من يمثّلها.


وأكّد باسيل أنّ «لبنان سيقوم بكلّ ما يمكن القيام به لرفض التوطين، وسيخوض مواجهة حتى النهاية سياسيّاً ودبلوماسيّاً لتكريس حقّ العودة للفلسطينيين»، مُعتبراً أنّ «القرار الأميركي بوقف تمويل الأونروا يمسّ الاستقرار والسلام الإقليميين والدوليين».