حكومياً، ينتظر ان تحدد الساعات المقبلة وجهة البوصلة الحكومية، والخطوة التالية التي سيقدم عليها الرئيس المكلف، كتوطئة لزيارة يقوم بها الى بعبدا، والتي تعكس اجواء عين التينة إمكان حصولها اليوم، مع التحذير بأنه إن لم يطرأ أمر ما إيجابي على الصعيد الحكومي خلال هذا الاسبوع، فمعنى ذلك الدخول في منعطفات سلبية.
في هذا الجو المقفل يصبح الكلام السياسي مفتوحاً في كل اتجاه، والى حد لا يمنع من افتراض انّ التأليف لا يزال مرتبطاً بالاستحقاقات الخارجية، وبأنّ التعقيدات والشروط الداخلية ليست سوى واجهة تُخفي الصراع الدولي حول لبنان. وما يزيد الوضع تأزّماً وجود نزاع لبناني حول القضايا الخارجية.
على انّ ما تبدّى في الساعات الاخيرة هو انتقال الوضع من السعي للتأليف الى نزاع حول الصلاحيات الدستورية، أكانت لرئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة، أم للرئيس المكلف في حصرية دوره.
وعوض ان يكون الاول من ايلول مُنطلقاً لتحريك الوضع الحكومي كما أعلن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سابقاً، صار منطلقاً لطرح الصلاحيات الدستورية. وما كان هذا الأمر ليخرج الى الواجهة لولا التبرّع باجتهادات دستورية أثارت حساسيات طائفية ومذهبية، لبنان بغنى عنها في هذه المرحلة.
وأمام هذا المشهد، بدا انّ «حزب الله» يتصرّف وكأنه غير معني بالعقد بل ينتظر من الآخرين ان يسهّلوا التأليف، في حين قالت مصادر معارضة لسياسة الحزب لـ«الجمهورية»: «إن العقدة الحقيقية هي في إصرار «حزب الله» وحلفائه على الحصول على ثلثي المقاعد الوزارية لحسم أيّ موضوع يُطرح في مجلس الوزراء، لاسيّما على صعيد تموضع لبنان في المنطقة، والاستراتيجية الدفاعية والعلاقة مع سوريا، والعلاقات مع الولايات المتحدة الاميركية ومع الدول الاوروبية».
«الحزب» والرئاسة
ودعا «حزب الله»، في موقف لافت عبّر عنه نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، الى الفصل بين مسار رئاسة الجمهورية ومسار تأليف الحكومة. وإذا كان تصريح قاسم يتوجّه بشكل اساسي الى الطامحين لرئاسة الجمهورية في 14 آذار، فإنه لا يمكن إلّا ان ينال ايضاً من أي مرشح ماروني آخر، من بينهم الوزير جبران باسيل.
فقد قال قاسم: «إذا كان البعض يظنّ أنّ ربط تأخير تشكيل الحكومة بالخارج أو أزمات الخارج يؤدّي إلى حلّ، فنقول له لا إنّما يؤدي إلى مزيد من التعطيل»، و«إذا كان البعض يربطه برئاسة الجمهورية ويعتقد أنّ موقعه في داخل الحكومة يهيّئ له أن يكون رئيساً للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي فهو واهم»، واعتبر انّ رئاسة الجمهورية «لم تكن يوماً في لبنان مرتبطة بتشكيل الحكومة، فدائماً قبل 5 أشهر تحصل تدخلات محلية وإقليمية ودولية، وأحياناً يكون الحلّ غير متوقع. وبالتالي رئاسة الجمهورية لها مسار آخر عندما يحين وقتها، فلا تضيعوا الوقت على أحلام لا يمكن أن تتحقّق من خلال الحكومة».
«14 آذار»
وأكدت مصادر في 14 آذار لـ«الجمهورية» انّ قاسم «يوجّه رسالة مثلثة الأضلع: الرسالة الأولى ضرورة تشكيل الحكومة اليوم لأنّ الناس لم تعد قادرة على التحمل. والرسالة الثانية انّ الرهان على الخارج نتائجه سلبية، وهو يقصد كلّ من يراهن في هذا الاتجاه. والرسالة الثالثة إلى كلّ من يربط حجمه في الحكومة بالانتخابات الرئاسية. وعلى رغم انّ الرسالة موجّهة للجميع، إلاّ انّ الطرف الذي يعمل في هذا الاتجاه هو الوزير باسيل، بدليل كلام رئيس الجمهورية انّه في طليعة السباق الرئاسي، وبالتالي كلام قاسم يشكل دعوة إلى فصل تأليف الحكومة عن حسابات الخارج والحسابات الرئاسية والذهاب نحو تشكيل فوري، لأنّ مصلحة الناس تقول ذلك».
الحزب لـ«الجمهورية»
في المقابل، حرصت مصادر «حزب الله» على توضيح من يقصد قاسم بكلامه.
وقالت لـ«الجمهورية»: «أكيد ليس المقصود الوزير جبران باسيل، وانتهينا». وأضافت: «هناك تعطيل للحكومة، والعقبات التي تعرقل تشكيلها معروفة، كذلك من المعلوم انّ المفاوضات الاخيرة استقرّت على حصّة معينة لفريق سياسي معيّن، وفي كلّ مرة يكون عند هذا الفريق ذريعة لتعطيل التشكيل. ما يقوله الشيخ قاسم هو: «يا إخوان، ما حدا يجعل من معركة رئاسة الجمهورية من الآن سبباً لتعطيل الحكومة، أرجوكم روحوا حلّوا العقد الموجودة وشكّلوا الحكومة».
وعن اعتبار البعض انّ الحزب فتح معركة الرئاسة باكراً، قالت المصادر: «على العكس، نحن ندعو الى عدم ربط موضوع الرئاسة بتشكيل الحكومة. نحن نؤخّر معركة الرئاسة الى وقتها، لقد رفضنا حتى الربط بالعلاقات مع سوريا، ورفضنا تضمين البيان الوزاري العلاقات مع سوريا وقلنا ان كلّ شيء يتأجّل والمهم تشكيل الحكومة. ما نقوله هو المهم ان نشكّل لا ان نجعل موضوع رئاسة الجمهورية سبباً لتعطيل التشكيل، نحن ندعو ونحفّز الجميع على الإسراع في تشكيل الحكومة وليس العكس».
ولم تبد مصادر «الحزب» أيّ تفاؤل بقرب ولادة الحكومة، وقالت: «من الواضح ، حسب المعلومات والمعطيات المتوافرة، انّ العراقيل والعقبات الموجودة لا تزال هي هي. وبالتالي مع الاسف لا نتوقع تشكيلاً سريعاً للحكومة، وإن كنّا نأمل ذلك».
إستنفار سنّي للصلاحيات
ومع عدم ظهور أيّ مؤشّر يدفع عملية التأليف الى الأمام، برزت مواقف لقيادات روحية وسياسية سنّية من مسألة الجدل حول الصلاحيات، فشدّد مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان على انّ «الرئيس سعد الحريري المكلف تشكيل الحكومة هو الأحرص على المحافظة على صلاحياته التي تنصّ على حصرية تشكيل الحكومة بالتعاون مع رئيس الجمهورية»، مؤكداً أنّه «لا حاجة الى فتاوى واجتهادات بل الى أمر وحيد هو التواضع والتنازل من كلّ القوى السياسية من اجل تسهيل تشكيل الحكومة العتيدة. لا اجتهاد في معرض النص بصلاحيات الرئيس المكلف، فالنصوص الدستورية واضحة وصريحة بأن لا مهلة محددة لتشكيل الحكومة، وهذه قاعدة قانونية واضحة لا مجال للاجتهاد أو التأويل فيها»، وحمّل القوى السياسية التي ترفع سقف مطالبها مسؤولية التأخير في التشكيل.
بدوره، أثنى وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال نهاد المشنوق على «الصلابة الدستورية التي يتمتع بها الرئيس الحريري في مرحلة تشكيل الحكومة، والتي تمّ الردّ عليها باجتهادات غير جدية». وأضاف: «لم نسمع اجتهادات عندما بقينا سنتين في البلد من دون رئيس للجمهورية، كما بقي مجلس النواب مقفلاً طوال سنتين، لم يجتهد المجتهدون عندها بدستورية الخطوة أو عدم دستوريتها».
رسائل «مزّة»
إقليمياً، وفي ظلّ التطورات الميدانية المتسارعة في المنطقة عموماً وفي سوريا خصوصاً، كان لافتاً نفي كلّ من النظام السوري وايران تعرّض مطار المزّة العسكري غرب دمشق ليل السبت ـ الأحد للقصف، وإعلان أنّ الانفجار وقع في مستودع الذخيرة في المطار نتيجة احتكاك كهربائي، في وقت قال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إنّ الانفجارات ناتجة عن ضربات جوية إسرائيلية، تسببت في سقوط قتلى وجرحى.
تجدر الاشارة الى انّ استهداف مطار المزّة العسكري، والذي يُعدّ مقراً للاستخبارات الجوية السورية، جاء بعد زيارة وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي إلى سوريا الاسبوع الفائت، وتوقيعه مع نظيره السوري اتفاقاً للتعاون العسكري والدفاعي بين البلدين، وتأكيد طهران بقاء المستشارين العسكريين الإيرانيين في سوريا حتى بعد انتهاء الحرب. كذلك جاء القصف بعد زيارة وزير الخارجية السورية وليد المعلّم الى موسكو.
وتزامن ذلك مع بدء روسيا أمس الأول مناورات عسكرية في البحر المتوسط، تتركّز على صَدّ هجمات صاروخية، قد تـشنها الطائرات والغواصات. وتزامنت المناورات مع اتهامات روسية لواشنطن، بالتحضير لضربة عسكرية ضدّ مواقع للنظام السوري.