تحلّ اليوم الذكرى الـ 98 لولادة لبنان الكبير، غير انّ هذا المولود الذي أبصر النور في 1 أيلول 1920 بفضل البطريرك الماروني الياس الحويك وبرعاية فرنسا واحتضانها، ما يزال يعاني عواصف وأزمات إقليمية ودوليّة تهبّ عليه من كل حدب وصوب.
وبعد 98 عاماً على تلك الولادة، تتعدّد المشكلات والأزمات الكيانيّة والوجوديّة، وكأنّ هذا البلد لم يكتب له ان يستريح او ان ينعم بالهناء.
ولعلّ الأزمة الأكبر التي يواجهها لبنان منذ ولادته، والتي قد تتفوّق على أزمة اللاجئين الفلسطينيين التي سبّبت حرب 1975، هي أزمة النزوح السوري التي أضيفت الى الأزمة الفلسطينية ليصبح أكثر من ثلث سكّانه نازحين ولاجئين. ويبدو أن كلّ الآمال التي عُلّقت على اتفاق هيلسنكي بين الرئيسين الاميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين لحلّ تلك الأزمة بدأت تتبخّر، على رغم تأكيدات المسؤولين أن هذا الإتفاق جديّ.
ولعلّ أصدق تعبير عن الأزمة الحقيقية التي تمرّ بها البلاد المهدّدة بانهيار اقتصادي هو ما عبّر عنه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، إذ أسف «لأنّ الذين يتعاطون الشأن السياسي هم حطّابون يعملون على قطع الحطب ويقسّمون الشعب اللبناني تحت شعار هذا لي وهذا لك، هذا ضدنا وهذا معنا». كذلك أسف لأن «يكون العمل السياسي في لبنان مبنياً على الجهل». وتمنى على المسؤولين السياسيين «أن يتعرّفوا الى مسؤوليتهم الجسيمة، فلا يمكن أن يستمر لبنان في هذا الواقع من الإنحدار المتواصل ثقافياً وسياسياً واقتصادياً ومعيشياً».
والدليل الأكبر على «استلشاء» السياسيين بالكيان هو صرخة بكركي الدائمة من أنّ أركان الدولة يهملون احتفالية مئوية لبنان الكبير عام 2020 وكأنّ لبنان لا يعنيهم. وبالتالي، فإنّ البطريركية المارونية التي كانت منذ 98 عاماً وراء فكرة إنشاء هذا الكيان وطناً لجميع أبنائه، هي من تعدّ لتلك المناسبة بدل المسؤولين السياسيين، ما يدلّ على الاهتراء الذي وصلنا إليه.
وبعد 98 عاماً، ما يزال هناك سلاح متفلت، وبؤر أمنية، ولم يستطع اللبنانيون بناء دولة على قدر أحلامهم وطموحاتهم، فيما وجه لبنان الحقيقي مهدّد بالزوال.
حكومة... لا حكومة؟!
حكومياً، يعبر الأول من ايلول اليوم وكأنه يوم من الأيام العادية الذي لم ولن يحمل أي حدث استثنائي او محطة بارزة في مسار تشكيل الحكومة، وذلك ربطاً بالمهلة التي وضعها الرئيس عون للرئيس المكلّف لتقديم تشكيلة حكومية، كما نقل عنه زواره قبل عشرة ايام تقريباً.
وقالت مصادر وزارية قريبة من بعبدا لـ«الجمهورية»: «إنّ رئيس الجمهورية تحدث في تلك المناسبة عن مهلة حضّ للخروج من حال المراوحة الحكومية، ولم يكن ضرورياً البناء على هذا الموعد تحديداً. وانّ المطلوب ان يحتسب كل يوم من تأخير التشكيل وكانه الأول من ايلول. فالبلاد كل يوم على موعد مع استحقاق مهم يدعو بإلحاح الى تشكيل حكومة تواجه ما ينتظره لبنان والمنطقة من استحقاقات كبرى لا يمكن التصدي لها بالشلل الذي أصاب السلطتين التنفيذية والتشريعية».
بري
في الشأن السياسي، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري انه «متشائل، أي لست متشائماً أو متفائلاً». وأمل أن يفضي اللقاء الذي سيعقد بين عون والحريري في غضون ثلاثة أيام أو أربعة الى فكفكة العقد.
وقال بري خلال رعايته مهرجان تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه: «إنّ ما سعينا ونسعى إليه دائماً هو الوصول الى تشكيل حكومة للبنان تنأى ببلدنا عن الوقائع الجارية، ولا نبقى نحرق الوقت وننتظر المؤتمرات والاجتماعات والقمم السابقة واللاحقة ومختلف صور الحراك الدولي والإقليمي والوطني». وشدد على انّ الحكومة «يجب ان تمثّل كل قوى لبنان البرلمانية الشعبية الحية وما يعبّر عن قوة المقاومة كأحد أطراف المثلث الذهبي الشعب والجيش والمقاومة...».
الحريري
وأعرب الحريري عن اعتقاده بقرب تشكيل الحكومة على رغم الصعوبات التي تعترضه، وقال في حوار أجرته معه قناة «يورونيوز»: «إذا كنّا نريد حكومة توافقية، فعلى الجميع أن يتنازل قليلاً، وأحياناً أميل شخصياً إلى التنازل أكثر قليلاً لأنني أعتقد أنّ البلد أهم من حزبي السياسي أو غيره».
وأكد على متانة علاقته مع السعودية، وقال: «علاقتي مع المملكة ممتازة، وكذلك مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وكما تعلمون فإنّ المملكة ساهمت في إنجاح مؤتمر «سيدر»، وقدّمت مليار دولار في صناديق التنمية لدعم لبنان».
وأشار الحريري إلى أنه «لدينا خلافات سياسية مع «حزب الله» وهو يعرف ذلك، هم لن يقبلوا أبداً سياستي تجاه الخليج، وأنا لم أقبل سياساتهم تجاه إيران وأشياء أخرى». وشدّد على أنه «من مصلحة لبنان انتهاج سياسة النأي بالنفس وعدم الانخراط في النزاعات الدائرة في اليمن أو سوريا لأنها لا تجلب إلا المشاكل للبنان».
وأضاف: «لا يمكننا الاستمرار هكذا لفترة طويلة، علينا تأليف الحكومة لإطلاق الدورة الاقتصادية، والقيام بالإصلاحات اللازمة، وتأمين تنفيذ المشاريع الحيوية والضرورية التي يحتاجها المواطنون في حياتهم اليومية».
ولفت إلى أنه «لدينا مشكلة النازحين السوريين، وهذه قضية يجب حلها بصوت موحد في لبنان. هناك مبادرة روسية ويجب علينا العمل مع الروس وجعلها مبادرة عملية، وكلنا نريد أن يعود اللاجئون بشكل طوعي وبمشاركة المفوضية العليا للاجئين إلى سوريا».
ووصف علاقته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنها جيدة جداً، وقال: «أنا أحترمه كثيراً وأعتقد أنه شخص يمكن العمل معه».
باسيل
واستبق رئيس تكتل «لبنان القوي» الوزير جبران باسيل لقاءه مع الرئيس المكلف بزيارة الديمان، حيث أطلع البطريرك الماروني على موقف «التيار الوطني الحر»، وشدّد على وجوب ان يتمثّل الجميع في حكومة وحدة وطنية «وفق معيار عادل واحد». وقال: «لم نضع شروطاً أو «فيتو» على أحد، ولم نرفض لأحد شيئاً إلّا بمنطق العدالة». وأوضح: «اننا غير معنيين بالمشاكل المطروحة أمام رئيس الحكومة لأننا لم نطرح أي مشكلة أو عقدة، رغم اننا نستطيع وضع عقد». وأبدى إصراره على عدم تكريس الوزارات لطوائف، لا المالية ولا الداخلية ولا الطاقة ولا أي وزارة، و»على رغم هذا نحن متساهلون ولم نرفض لأحد حصة أكثر مما هي حصته، شرط ان لا تأتي على حساب حصة الآخر، وإذا أراد أحد التنازل من نفسه للآخر فلا بأس».
غراندي والنازحون
في هذه الاجواء، إنشغل المسؤولون اللبنانيون أمس بزيارة المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، الذي أطلعهم على زيارته الى سوريا ومحادثاته فيها حول الاوضاع العامة والمساعدات التي تقدمها المفوضية للسوريين الذين اضطروا الى الانتقال من أماكن سكنهم الاصلية الى مناطق اكثر أماناً. وعرض لعمل المفوضية في لبنان، مُبدياً تفهّمه لموقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من موضوع العودة الآمنة للنازحين السوريين، مكرراً أنّ أفضل حل للاجئين السوريين في المنطقة، والذين يبلغ عددهم 5 ملايين لاجىء، هو تأمين عودة آمنة وكريمة لهم الى بلدهم.
وأكّد غراندي استمرار تعاون المفوضية مع لبنان، وأمل في ان يستمر المانحون في تقديم دعمهم للدول المضيفة للاجئين، مُبدياً حذره الشديد من أي حلول متسرعة لكي لا يكون لها نتائج عكسية.
وعلمت «الجمهورية» انّ غراندي حرص على تقديم عرضه للتطورات امام جميع المسؤولين بالصيغة عينها، فلم يميّز في مداخلته الشاملة بإيقاع سريع بين لقاء وآخر قبل ان يقدّمها امام اللبنانيين في المؤتمر الصحافي.
وقالت مصادر شاركت في لقاء بعبدا لـ«الجمهورية» انه، وعلى رغم عدم تطابق نظرته واللبنانيين حول الصيغة الفضلى للعودة، فقد أكد غراندي استعداده للتعاون مع لبنان كذلك الدول المضيفة لتوفير عودة آمنة تتوفر فيها أبسط مقومات العيش.
وفي معلومات «الجمهورية» انّ غراندي شدّد أمام المسؤولين اللبنانيين والسوريين والأردنيين الذين التقاهم في المنطقة على 3 قضايا لم تتوفر بعد في مناطق العودة في سوريا، وهي:
- الضمانات الأمنية للعائدين، لافتاً الى انّ الروس لم يتوصّلوا بعد الى الصيغة النهائية والمطمئنة، عدا عن الحروب المتنقّلة التي أطاحت بعض المناطق الآمنة.
- توفير الأوراق الثبوتية الشخصية للعائدين، وتلك المتصلة بالملكية العقارية.
- مصير التجنيد الإجباري الذي تطبّقه السلطات السورية، وهو برأيه يشكّل عائقاً أمام عودة عدد كبير من النازحين، خوفاً من الملاحقة الأمنية والعسكرية او اضطرارهم الى دفع البدل المالي العالي السقف.
عون
وقد طالب عون غراندي، بأن تضطلع المفوضية بدور أكبر في تسهيل العودة الآمنة، وشدد على أنّ لبنان سيواصل تنظيم العودة المتدرجة للنازحين الراغبين في ذلك، نافياً ان تكون السلطات اللبنانية المعنية مارست اي ضغوط لإعادتهم، مؤكداً أنّ عودتهم كانت بملء إراداتهم. وأبدى قلق لبنان من أي ربط بين عودة النازحين وبين الحل السياسي للأزمة السورية، ودعا الى الفصل كليّاً بين الأمرين.
وكان غراندي زار ايضاً المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وبحث معه في أوضاع النازحين السوريين في لبنان، والإجراءات التي تتخذها المديرية لتسهيل عودتهم الطوعية إلى وطنهم.
اللجنة اللبنانية ـ الروسية
وعلمت «الجمهورية» انّ جولة غراندي كانت استطلاعية استوضح فيها من الجانب اللبناني مسار عودة النازحين، إن كان عبر الامن العام او عبر الخطة الروسية المرتقبة.
وفي المعلومات كذلك انّ اللجنة اللبنانية ـ الروسية هي قيد التشكيل، وقد تم الاتفاق على ان يمثّل الجانب الروسي سفيرها في لبنان الكسندر زاسبكين والملحق العسكري في السفارة، أمّا عن الجانب اللبناني فسيترأس اللجنة اللواء ابراهيم على ان تقرر السلطة السياسية في لبنان باقي الاعضاء، الأمر الذي سيتم الاتفاق عليه خلال اللقاء المرتقب بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، والذي سيحدد كذلك المستوى السياسي الذي ستعمل اللجنة في إطاره