على صورة شغور الرئاسة الأولى، يكون شغور الرئاسة الثالثة...
وحدها الرئاسة الثانية بفعل «ثنائيتها» تنتصر على الشغور...
والرئاسة الأولى كانت لا تزال شاغرة لولا «ثنائية» الرئاسة الثانية والقرار الإلهي، والرئاسة الثالثة رهينةُ ثنائيةِ القرار الإلهي وسقوط «الحجاب».
الرئاسة الأولى امتزجت بثنائية وهمية في معراب، ومنذ أن ارتفعت كؤوس الشمبانيا ابتهاجاً بها، قلنا بلسان امرىء القيس: «اليومَ خمرٌ وغداً أمـر..»
ولو لم ترتفع حظوظ سليمان فرنجية الرئاسية لَـما أيّدت القوات اللبنانية رئاسة عون... ولو لم تكن رئاسة عون في حاجة الى دعم ماروني إضافي لما كان اتفاق معراب... وعندما حقق اتفاق معراب أغراضه أصبحت ثنائية معراب شاغرة.
وهكذا الوطن الشاغر أصبح محكوماً بثنائية أوطان أخرى...
والدولة الشاغرة إمتزجت بثنائيّةٍ مع دول أخرى...
والشعب الحائر إختلط بثنائياتٍ مع شعوب أخرى...
وهذا الذي إسمه لبنان أوَّلاً سيظل ثانياً وثالثاً وآخِراً، يُحكَمُ عليه بالصَلْبِ بريئاً، وكلُّهم يدَّعي أنه بريءٌ من دمِ هذا الصدِّيق.
إذا نال التيار الوطني الحر أحد عشر مقعداً وزارياً مع حصة الرئيس... وإذا نال حزب القوات اللبنانية حجماً فضفاضاً مع مقعد سيادي، تسود السيادة ويعتـزّ الإستقلال ويحقِّقُ «المجتمع المسيحي» العـزَّ بعدَ الفاقة بفضل الأمير «علاّقة»..
وإذا احتكر الحزب التقدمي الإشتراكي التمثيل الدرزي بثلاثة مقاعـد وزارية، فقد يستعيد بها أمجاد الثورة السورية التي شنّها سلطان باشا الأطرش على الفرنسيّين.
أماّ أن تكون كلُّ أركان الدولة ومؤسّساتها مشرّدة على بساط الريح...
وأنْ يكون الوطن الممَذْهَب على أبواب فـتنة داخلية...
وأنْ يكون الوضع السياسي والإقتصادي والمالي والإجتماعي والإنساني على مشارف الكارثة...
وأن يعـمّ الفسادُ كلَّ المرافق والمرافيء والوزارات والإدارات من أعلى الى أدنى...
وأنْ تُـقْفل المصانعُ والمصالح والمعامل والمتاجر والفنادق... والأرض قاحلة والمواسم كاسدة، والشعب يترنَّح تحت وطأة الذل والفقر والهجر، ومقابل كل مواطن نازح...
وأنْ تصبح وصايا موسى في لبنان: أنْ تكذب وتسرق وتقتل وتزْني وتشهد بالزور وتشتهي مقتنى غيرك.
فهذا كلّه لا يهمّ ، ولا يوازي وزيراً إضافياً هنا ومقعداً سيادياً هناك...
في زمن الوصاية السورية، كان الرؤساء يعيّنون بأمر النجوم التي على الأكتاف وليس بفضل نجوم ساحة النجمة، وكانت الحكومات تؤَلّف بإشارة إصبع، فلم يكن هناك من يطالب بالثلث المعطِّل والحقائب والأحجام، بل كانت سلطة الوصاية تختصر الأحجام كلَّها، وكانت هي الكلَّ المؤلِّف والكلّ المعطِّل.
فهل هناك من يفرض علينا وصاية جديدة تكون هي بديلاً من التعطيل وتكون هي الخيار البديل من الإحتضار..؟
ما قلناه من قبل، أصبح اليوم أكثر إلحاحاً، أنْ لا خلاص من تعقيدات الداخل الغبيّة، وهيمنة الخارج المكشوفة، إلاّ بحكومة إنتقالية حيادية من أهل النزاهة والمواهب، وإلاّ فماذا تنتظرون وأنتم بين أشداق الطوفان والطغيان..؟ هل تنتظرون مسيحاً جديداً يؤمّن لكم الخلاص وهو معلّق على صليب اليهود..؟