كل المؤشرات توحي بأن لا حكومة في المدى المنظور، وأن كل ما يحكى عن مشاورات ومفاوضات وطرح تشكيلات، هو عبارة عن شراء وقت لالهاء اللبنانيين الذين يدفعون ثمن التجاذبات والصراعات السياسية مزيدا من الفقر والقهر والبطالة والأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
بعد دخول فترة التكليف شهرها الرابع، يطلق الرئيس المكلف سعد الحريري مشاورات جديدة بين القوى السياسية، علها تثمر هذه المرة ولادة وشيكة للحكومة، بعدما تعثرت طوال الاشهر الماضية. وفي جديد المعلومات ان الرئيس سعد الحريري سيكثف جهوده لتذليل العقبات، على ان يلتقي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لمزيد من التشاور، حتى ولو لم يحمل في جعبته تشكيلة حكومية. واما اهم ما يجب التوقف عنده في موقف الحريري فهو اسقاطه كل المهل التي أوحي بها عبر وسائل الاعلام طوال الايام القليلة الماضية، لا سيما ما قيل عن ان رئيس الجمهورية سيتخذ خطوات ما بعد الاول من ايلول. وفي هذا السياق، كان الحريري واضحا وحاسما بقوله: "انا الرئيس المكلف ولا مهلة تلزمني". فبعد موقف الحريري الاخير سقطت محطة الاول من ايلول، واستعاد زمام المبادرة باعثا برسالة مشفرة من خلال الاجتماع المسائي مع رؤساء الحكومات السابقين، كما قد تكون خطوة سحب المرشح الخاسر صلاح سلام للطعن المقدم بنتائج الانتخابات احدى هذه الرسائل ايضا. الا ان هذا الحراك الجديد لا يعني بالضرورة تشكيل الحكومة قريبا الا انه يعيد الامور الى نصابها بعد كل التجاوزات التي حصلت مؤخرا لا سيما على مستوى التطاول على صلاحيات الرئيس المكلف ومحاولات احراجه. ولبنان محكوم بسوء الحال، وأبسط ما يفضح سوء حاله هو الحاجة الى التواضع للخروج من عنق الزجاجة في تأليف الحكومة.
إقرأ أيضًا: ما هي المصلحة من حصار الحريري؟
والمطلوب التواضع في حساب الأحجام والأوزان وطلب المغانم . وتقدير الوزن اللبناني بموضوعية لأن البعض في لبنان يتصورون أن التأليف ممنوع ومعطل بقرار خارجي الهدف من ذلك توظيف عدم تاليف الحكومة في مجريات اللعبة الاقليمية والدولية وتطوراتها الدراماتيكية . وهذا مجرد كلام يفتقر الى الحد الادنى من الموضوعية لان لبنان بحكومة او بدونها يمكن ان يؤثر في مجريات تطور الاحداث على مستوى اللعبة الدولية والاقليميه واكثر ما يمكن ان لبنان يتأثر بهذه التطورات ليس اكثر. ومن المألوف في سجال التعطيل ان كل طرف يدعي انه حريص على التأليف، وان الكرة في ملعب سواه. لكن الواقع ان الجميع يلعب بعدة كرات، وأكثر من كرة في أكثر من ملعب. والأسوأ اننا نلعب أحيانا بلا كرة، بحيث نتبادل الركل والدفش في ملعب واحد. فضلا عن أن تأليف الحكومة ليس مهمة رجل واحد هو الرئيس المكلف، وأن كان دينامو التأليف. فلا دور رئيس الجمهورية مجرد انتظار مسودة حكومة يقدمها الرئيس المكلف لتوقيعها أو رفضها أو تعديلها بمقدار ما هو دور الشريك في تذليل العقبات وترتيب المخارج في اطار المصلحة الوطنية. ولا أمراء الطوائف الذين يسمّون مرشحيهم للمناصب الوزارية ويتحركون في تحالفات متغيّرة ويستخدمون الفيتو في السياسات والقرارات، أبرياء من المسؤولية عن تعثر التأليف.
وليس أخطر من جمود المواقف بالعناد الشخصي سوى جمودها بالتخطيط السياسي في خدمة أهداف تفتقر الى المعنى النبيل للسياسة كفن في ادارة شؤون الناس. فكيف اذا كانت طموحات الأشخاص تتقدم على قضايا البلد؟ وكيف إذا صارت أزمة التأليف سلاحاً في الصراع على السلطة من دون التركيز على حلول عملية للأزمات الإقتصادية والمالية والإجتماعية؟
وهكذا تبقى القوى على مواقفها بانتظار ما ستؤول اليه الاوضاع في المنطقة.