جولة المشاورات الجديدة التي أطلقها الرئيس المكلف سعد الحريري، والهادفة إلى تذليل العقبات التي تعترض تشكيل حكومته الثالثة، لم تحمل مؤشرات إيجابية في ساعاتها الأولى؛ إذ إن الساعات الفاصلة بين لقائه رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع في «بيت الوسط»، ليل أول من أمس، واجتماعه المرتقب مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط في الساعات القليلة المقبلة، لا توحي بتقدم يمكّنه من تقديم صيغة حكومية لرئيس الجمهورية ميشال عون، في ظل تمسك هذين الطرفين بمطالبهما الوزارية، وامتناع التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل عن تقديم تنازلات تسهل ولادة الحكومة. هذا إضافة إلى ممارسة باسيل ضغطاً سياسياً على الحريري، عبر تقديم دراسات وأفكار قانونية تلزم الرئيس المكلف بمهلة محددة لتأليف الحكومة، أو الاعتذار.
واللافت أن المناخ الإيجابي الذي أحاط لقاء «الحريري - جعجع» في «بيت الوسط»، تبدد مع ساعات نهار أمس؛ إذ أوحت أجواء المجتمعين بأن الرجلين لم يبحثا نقاطاً جديدة، بل ناقشا المخاطر السياسية والاقتصادية لتأخر ولادة الحكومة. وأوضحت مصادر مقربة من الحريري أن «كل الأطراف ما زالت متمترسة وراء مجموعة شروط أو حقوق تطالب بها». وأكدت لـ«الشرق الأوسط»، أن الحريري «يعمل على تدوير الزوايا وفق الخيارات المتاحة، وهو يرى أن عامل هدر الوقت يفترض أن يشكل حافزاً للتأليف، فكلما تقدم الوقت من دون حكومة يُستنزف البلد، ويُستنزف العهد والاقتصاد والأمن». ولفتت إلى أن «الشارع يتشنج أكثر والمخاطر الأمنية وقضية اللاجئين تضغط بقوة، عدا ترقب المجتمع الدولي للتطورات في لبنان».
وتتقاطع قراءة المصادر المقربة من الحريري، مع المعلومات التي استشفتها «القوات» من لقاء «بيت الوسط»؛ إذ أوضح رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب «القوات اللبنانية» شارل جبور، أن لقاء الحريري - جعجع «بحث في الحلول التي يمكن اللجوء إليها للخروج من أزمة تأليف الحكومة، سيما أن المرحلة تستدعي تكثيف التشاور، مما جعل لقاءات الرجلين دورية وأسبوعية تقريباً». ورأى جبور في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «لا تقدم ملموساً على صعيد تأليف الحكومة، ما دام المعرقل يصر على تحجيم (القوات اللبنانية) والحزب التقدمي الاشتراكي، في وقت تتمسك فيه (القوات) بحقها كمّاً ونوعاً»، مشيراً إلى أن «العقدة الأساسية ما زالت متوقفة عند جبران باسيل، الذي يراهن على تبدل المعطيات المحلية والإقليمية، وهو رهان على سراب».
ولا تزال الدراسة القانونية التي قدمها وزير العدل سليم جريصاتي وتضع رئيس الحكومة المكلف أمام مهلة محددة للتأليف، موضع جدل في لبنان، خصوصاً أن فريق الحريري يرى فيها استهدافاً لموقع رئاسة الحكومة ودورها، وقالت المصادر المقربة من الرئيس المكلف: «إذا كان الحريري الذي سمي بـ112 نائباً، وبحجمه السياسي وعلاقاته الدولية لم يشكل حكومة، فلا أحد غيره قادر على تشكيلها»، مشيرة إلى أن «علاقات الحريري المميزة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ومع رئيس حزب (القوات اللبنانية) سمير جعجع، تجعله في موقع الوسط، والأقدر على التعاطي مع الجميع».
وكان الحريري قال في تعليق على دراسة جريصاتي: «لا أحد يحدد لي مهلة للتأليف إلا الدستور اللبناني، ولا تعنيني مطالعات دستورية يقدمها هذا الوزير أو ذاك، أنا الرئيس المكلف وسأبقى مكلفاً وأشكل الحكومة بالتعاون مع رئيس الجمهورية؛ ونقطة على السطر».
ودعت المصادر المقربة من الحريري إلى «الكف عن محاولة تعبئة الفراغ بهرطقات سياسية وعرض عضلات قانونية ودستورية، لن تقدم ولن تؤخر ولن تثني الرئيس المكلف عن تحمل مسؤوليته». وقالت: «لو يعرف الحريري أن هناك بديلاً عنه يستطيع تشكيل الحكومة لتنحى، لكن البديل عن الحريري هو الفراغ والدخول في أزمة سياسية ودستورية قد تستغرق سنتين وأكثر». ورأت أن «ما قاله رئيس الجمهورية ميشال عون من أن المهلة المعقولة للتأليف ضمن 6 أشهر، يعني إسقاطاً للمهل التي يلوح بها البعض»، مؤكدة أن الحريري «ليس بوارد تشكيل حكومة شبيهة بحكومة غزة، ولن يلغي نصف مكونات البلد».
ويبدو أن الرهان على اعتذار الحريري بات بلا أفق، وفق كل القوى السياسية المؤيدة لجهود الأخير، ولاحظ رئيس جهاز الإعلام والتواصل في «القوات اللبنانية» شارل جبور، أن «المعطيات المحلية باتت واضحة، وهي أن الرئيس الحريري ليس في وارد الاعتذار ولو بقي مكلفاً لسنوات، وهو يرفض السير بحكومة أكثرية أو حكومة أمر واقع، كما أن (القوات) و(الاشتراكي) لن يبدلا موقفهما، والرئيس نبيه بري بات أقرب اليوم إلى خيارات ثلاثي (المستقبل) و(القوات) و(الاشتراكي)، وبالتالي من مصلحة الفريق الآخر (التيار الحر) ومصلحة العهد (رئيس الجمهورية ميشال عون) أن يبادر إلى خطوة تعيد تزخيم الوضع السياسي، ما دامت الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية لا تحتمل المماطلة».
من جهته، زار وزير الإعلام ملحم الرياشي رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبحث معه ملف الحكومة، وقال بعد اللقاء: «بحثنا مسار تشكيل الحكومة وما نتج عن الانتخابات النيابية من أحجام». وأكد أن «(القوات اللبنانية) لم تقدم تنازلا بمعنى التنازل؛ بل قدمت تسهيلات لأقصى الحدود، لمساعدة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لتشكيل حكومة لنهضة البلد»، مشيراً إلى أن «العقدة ليست عندنا، وقدمنا أكثر ما يُمكن أن نقدمه، ولسنا من يشكل الحكومة لنتحدث عن قرب ولادتها من عدمه».