لولا صور الكتب والحقائب المدرسية التي تغزو لوحات الإعلانات على الطرقات، لا شيء يوحي بأنّ السنة الدراسية ستبدأ، فقطاع التعليم الخاص يرزح تحت أزمات «بالجملة» من ارتفاع الاقساط إلى غياب مصادر تمويل الدرجات الست للأساتذة. أما التعليم الرسمي فجمر تحت الرماد، بعدما أعلن نحو 15 ألف أستاذ متعاقد في الاساسي والثانوي «انتفاضة تثبيتهم»، ويستعدون لنصب خيم اعتصام في أيلول أمام وزارة التربية والتعليم العالي للبت بمطلبهم.
طفح كيل الأساتذة المتعاقدين في التعليم الرسمي ولم يعودوا يكتفون بأن تُحدد لجنة التربية والتعليم العالي مواعيد لمواصلة بحثها في قضيتهم، مؤكدين: «إنتظرنا كثيراً وزمن الانتفاضة بدأ»، ملوّحين بأنّ العام الدراسي قد لا يبدأ ليُستكمل، ما لم يُرفع الظلم عنهم.
في التفاصيل
«أنا متعاقد لا أملك قوت يومي»، «لا للتعاقد الوظيفي نعم لتعزيز المدارس الرسمية»، «التثبيت حقنا»... تحت هذه الشعارات بدأ الاساتذة المتعاقدون في التعليم الرسمي الثانوي والاساسي والمُستعان بهم بالتجمّع في ساحة رياض الصلح، قرابة العاشرة صباحاً أمس بالتزامن مع انعقاد جلسة اللجان المشتركة. منهم من تفيّأ تمثال رياض الصلح، آخرون جلسوا على حافة الرصيف يتبادلون حجم الضرر الذي لحق بهم طوال فترة تعاقدهم، فيما انهمك المسؤولون عن الحراك بوضع اللمسات الاخيرة على الكتاب الرسمي الذي سيرفعونه إلى مجلس النواب.
حرمان من الطبابة، ومن بدل نقل وأجر شهري، «تشليحهم» ساعاتهم وعقودهم... تتعدد معاناة المتعاقدين، امّا الغاية من تحركهم أمس فكانت واحدة، وفق ما أعرب عنه رئيس حراك المتعاقدين في التعليم الثانوي حمزة منصور لـ«الجمهورية»: «تحرّكنا محصور بمطلبنا الاول والأساس وهو التثبيت العادل المنصف خارج إطار المباراة المفتوحة». لذا، طالبَ بوضع «قضيتهم في العناية الفائقة على جدول اعمال لجنة التربية»، مناشداً «كل الرؤساء والوزراء، وخصوصاً دولة الرئيس نبيه بري بصفته المسؤول عن تشريع القانون، ان يُذهب عنّا المظالم ويعطينا حقوقنا في التثبيت العادل».
هذا ذنبنا...
واعتبر منصور أنّ ذنبهم كأساتذة متعاقدين أنهم «لبّوا نداء الدولة يوم افتقرت ثانوياتها إلى الكادرات التعليمية. نعم دخلنا التعليم ودرّسنا وبذلنا الغالي والرخيص، وبعد عقد من الزمن استفاقت السلطة لتجري مباراة مفتوحة مُنع المئات من التقدّم إليها، وظُلم من ظلم، ومات من مات، والى الآن لا نزال خارج كل حقوق المعلم والمواطنية والانسانية». وأسف «لتنَصّل الدولة من مسؤولياتها تجاه المتعاقدين كما سبق ان تنصّلت من مشاكل الكهرباء، والمياه، وزحمة السير، والفساد الإداري، وأمام هذا التنصّل لن ننسحب أو نيأس بل سنُناضل».
فشلت في رهانها
أمّا رئيسة «اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الرسمي الاساسي» نسرين شاهين، فاعتبرت «انّ الدولة راهنت على تشتيت المتعاقدين عبر تصنيفات وتسميات متنوعة لإضعاف مطالبتهم بحقوقهم، إلّا انها فشلت فنحن نتحرّك موحدين، وسنكمل النضال ريثما يتمّ تثبيتنا». وأضافت: «نحن نحو 15 ألف عائلة متضررة من بقاء الوضع على حاله، ليس هناك من يرأف بنا ولا من ينظر إلى وضعنا، علماً أننا العمود الفقري للتعليم الرسمي، والتلامذة في التعليم الرسمي يحصدون أهم المراتب والمراكز في الامتحانات الرسمية». وتابعت: «المؤسف أنهم يحرموننا من أبسط حقوقنا ولا يجدون من يحاسبهم على الفساد الذي أوصلوا البلد إليه. نحن ظلمنا، ولم نأخذ حتى حقنا من السلسلة، فوفق القانون 46 يحقّ لنا بـ 8 آلاف ليرة لبنانية إضافة على أجر ساعة التدريس، لم نحصل إلّا على ألف وألفين، ولا نحظى بضمان صحي، ولا بدل نقل... ورغم ذلك وضعنا كل هذه الامور جانباً، ونطالب فقط بمشروع قانون لتثبيتنا، يكون عادلاً وينصف الاساتذة كافة». وسألت: «أليس من العار إضعاف المدارس الرسمية ومحاصرة أساتذتها على حساب إنعاش المدارس الخاصة، وبعض «الدكاكين»؟. مؤكدة «توجّه المتعاقدين إلى نَصب الخيم أمام وزارة التربية قبل نهاية أيلول، وقبل بدء العام الدراسي، وسنُصعّد منعاً من رمي أي أستاذ في الشارع».
من جهته، طالب رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الاسمر، الذي شارك بتحرك المتعاقدين، «بتوقيع عقودهم وتأمين حقهم في الضمان وبدل الساعات». واعتبر انّ «واقع التثبيت للأساتذة مهم جداً عبر المباراة المفتوحة»، محذّراً «من اقتراب انفجار اجتماعي بدلاً من وجود حوار اجتماعي لحل هذه المشاكل».
«الكحل أحلى من العمى!»
بينما يتأفف بعض المتعاقدين ويسخرون من الألفي ليرة التي أضيفت على أجر ساعتهم بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب، «وَين منصرفها، وشو بتِنفَع؟». يعتبر نحو 2000 مدرّس تحت مسمّى «المُستعان بهم»، انّ «الكحل أحلى من العمى»، فحتى تلك الألفين قد حُرموا منها، لأنّ السلسلة لم تشملهم. وفي حديث لـ«الجمهورية» توضح مريم إحدى المدرّسات التي قدمت من طرابلس للمشاركة في حراك المتعاقدين: «نحن من الاساس لا يُسمح لنا بمراقبة الامتحانات، ولا تُحتسب لنا ساعات عيد المعلم، ولا بالمناوبة، ولا بزيادة الساعات، ولا تُوقّع عقودنا لنصبح متعاقدين، ويريدون اليوم القضاء على ما تبقى من أمل لدينا عبر استثنائنا من قانون غلاء المعيشة وزيادة أجر الساعة».
أما زميلها عمر إسماعيل، فقال: «الوضع على حاله منذ 5 سنوات، 2000 مدرّس ينتظرون توقيع عقودهم، وهم يكلّفون الخزينة سنوياً أقل من 15 مليون دولار. لماذا القضاة وأساتذة الجامعة وموظفو المؤسسات العامة يأخذون حقوقهم ونحن لا تجد الدولة أموالاً لنا؟ كيف ترضى هذه الدولة بأن تستغل أبناءها لتَشحَد على اسمهم فتاتاً من الدول المانحة؟ نعيد ونكرر، نحن لبنانيون وندرّس تلامذة لبنانيين بالدوام الصباحي، لا ندرّس نازحين».
وناشَد إسماعيل وزير التربية مروان حماده، قائلاً: «وعدتنا بأن تحل هذه القضية، وفي أسوأ الأحوال أن نكون متساوين بزملائنا المتعاقدين. ولكن للأسف لم يتحقق شيء ممّا وعدت. وبعد الظلم الذي لحق بنا، طُعنّا من جديد، فلا زيادة على أجر ساعتنا. لماذا؟ ألسنا مواطنين ندفع الضرائب ونقوم بالواجبات؟ لن نرضى بهكذا ظلم. لذلك، نطلب منكم حلّ هذه القضية سريعاً، وإعطاءنا زيادة أجر الساعة مع مفعولها الرجعي وكل حقوقنا المسلوبة. كما نطلب توقيع عقودنا لنصبح متعاقدين وفق الأصول في موازنة وزارة التربية».